لماذا تهرع الدول الغربية إلى البلاد المنكوبة؟ هل تهرع لإغاثتها أم لمآرب أخرى؟ وهل انتماء الدول الرأسمالية لما يسمى بالإنسانية بلغ حد الإفراط ما دفعها لتتصارع على "إنقاذ" المساكين والمشردين من البشر؟! أم تراها تخبأ تحت عباءة الإنسانية خنجراً مسموماً؟! وهل يعترف المبدأ الرأسمالي بالقيمة الإنسانية أصلاً حتى يسخر جيوشه وطائراته وبواخره لإنقاذ بشر يسميهم -إنزالاً من قدرهم- "بالملونيين"؟!!
في هايتي حشدت أمريكا قواتها العسكرية وأعلنت أن مهمتها هناك تحظى بالأولوية واستولت على مطار الجزيرة وأخذت تتحكم في كل حركة وطائرة، وظهر عياناً لكل متابع أن همّ أمريكا وكذلك الدول الأوروبية ليس إنقاذ المنكوبين وإغاثة المشردين بل الصراع على النفوذ والمصالح، وظهر في هايتي مدى الانحدار الخلقي الذي وصل إليه الرأسماليون عندما تسربت أنباء عن تهريب أطفال هايتي اليتامى لاستعبادهم أو استخدامهم كقطع غيار بشرية، كما حدث سابقاً من فرنسا عندما سرقت أبناء مسلمي دارفور من تشاد.
وفي لندن يعقد مؤتمر "لمساعدة!" و"دعم" اليمن، وفي لندن كذلك مؤتمر "لإعمار!!" أفغانستان، ومن قبل مؤتمر في باريس "لدعم" الفلسطينيين مالياً، وفي فلسطين كذلك مساعدات مالية لأهل فلسطين المنكوبين من الوكالة الأمريكية للتنمية أو من الإتحاد الأوروبي، مساعدات كتب عليها "منحة!!" أو "هبة!!" من الشعب الأمريكي أو من الاتحاد الأوروبي "لأجل الحياة!!"، ومؤتمر "لإعمار" العراق في مدريد، ومؤتمر "إعمار" غزة ومؤتمر الصومال ومؤتمر .....، فهل تنشغل الدول الغربية الرأسمالية في شأن اليمن أو أفغانستان أو العراق أو الصومال أو فلسطين حرصاً على فقرائهم ورأفة بأطفالهم اليتامى والمشردين؟!! وتترك شؤونها الداخلية وأزماتها المالية؟!! هل تنفق الدول الرأسمالية أموالها لإغاثة البشر في دول أخرى وتترك رعاياها مشردين بلا مأوى وبلا دخل ولا معيل؟! أم أن هذه القضايا تمثل شأناً داخلياً لها فهي ترعى مصالحها ومستعمراتها ومراتعها؟!!
إن المبدأ الرأسمالي لا يعترف بالقيمة الإنسانية وهو منها براء، ولا يقيم وزناً سوى للقيمة المادية، كما أن الرأسمالية اعتبرت الاستعمار جزءاً جوهرياً منها عندما جعلته طريقة نشر مبدئها، لذا كان من السطحية أن ينظر المرء للمساعدات التي تقدمها الدول الغربية للمسلمين أو لبقية البشر المنكوبين أنها إنسانية، وكان من السخف أن نرى أيدي هؤلاء بيضاء مجردةً عن المكر والخبث والدهاء وهي ملطخة بالدماء.
 
إن الدول الغربية تستخدم ما تسميه بالمساعدات الإنسانية للكيد بالمسلمين أو لاستعمار البشر وتنفيذ مخططاتها الجهنمية، ولا أدل على ذلك من تهريب المنظمات "الإنسانية" الأسلحة لصالح متمردي جنوب السودان إبان حرب الانفصال، ولقد أخبر العلي القدير عن مكنون أعمال هؤلاء وما يخططون كما أخبرنا بفشله المحتوم بقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).
إن مأساة هايتي لا بد أن توقظ حس المسؤولية لدى المسلمين عن البشر جمعياً فيسعوا لاستعادة خلافتهم التي تنقذهم أولاً وتنقذ البشر من وسط الغابة الرأسمالية ومن وحوش المال.
إن المسلمين بما يحملون من مبدأ إلهي ورسالة رحمة هم المؤهلون دون سواهم للاضطلاع بهذه المهمة، فإلى الخلافة (مأوى كل مظلوم وملاذ الخائفين) ندعو المسلمين ليغذوا الخطى نحوها قدماً ليعزوا وينصروا ويعودوا خير الأمم.
27-1-2010