كتب مايكل كوجلمان، وهو أحد كبار المنتسبين لبرنامج جنوب أسيا في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، كتب مقالا بعنوان التهديد الخفي لباكستان، نُشر في مجلة فورين بوليسي بتاريخ 14/10/2013، جاء فيه:
أنّ محكمة مكافحة الإرهاب حكمت على رجل اسمه محمد سعيد بالسجن لمدة سنتين، وكانت جريمته توزيع نشرات تنتقد الجيش الباكستاني ومسئول الانتخابات.
ويضيف الكاتب، باكستان هي دولة يوجد فيها متمردون مناهضون للدولة وأجنحة عسكرية تقتل المدنيين بوحشية وبانتظام، ونادرًا ما يتم اعتقال أولئك، وأقل من ذلك بكثير تتم محاكمتهم. إنها الدولة التي يعيش فيها قادة إرهابيون بحرية وبحماية من الدولة. أما سعيد فيُحكم بالسجن لمدة سنتين لمجرد توزيعه مادة مناهضة للدولة.
وما يثير استغراب الكاتب من سجن سعيد، هو انتماؤه لتنظيم عالمي لا يتبنى العنف، مدعيا أن عدد أعضائه في باكستان يُعدّوا بالمئات، وأنهم من الأكاديميين والمهندسين ومن النخب المتعلمة التي يصفها بغير المؤذية.
ويؤكد الكاتب حقيقة معاناة أعضاء آخرين من نفس التنظيم، من حزب التحرير، في الأشهر الأخيرة، ومواجهتهم لنفس المصير الذي واجهه سعيد. ويضيف قائلاً، فقد تم القبض عليهم بسبب تعليقهم لافتات مناهضة للحكومة وتوزيع نشرات تدعو الباكستانيين لمقاطعة الانتخابات، حتى أنهم سُجنوا لمخالفتهم قانون الفتنة، وفي العام الماضي صار المتحدث باسم التنظيم نفيد بوت في عداد المفقودين. وينقل الكاتب عن حزب التحرير أنّه تم اختطافه من قبل عملاء الاستخبارات.
ويتساءل الكاتب عن سبب ذلك فيقول، بداية يمكن للمرء أن يُرجع السبب إلى أنّ حزب التحرير يشكل خطرا لا يُستهان به، الأمر الذي يبرر اتخاذ تدابير صارمة ضدّ أعضائه.
موضحًا، حزب التحرير أخذ على عاتقه الإطاحة بالحكومات الديمقراطية في العالم عبر ثورة غير دموية، ومن ثم إقامة خلافة عالمية. هذه الحملة لن تكون مدبرة من قبل الجماهير، ولكن من قبل المتعلمين والمهنيين المحترفين وضباط جيش من ذوي الرتب العالية، شارحًا ذلك بالقول، التحام النخب من موقع استراتيجي مع القدرة والنفوذ من الجيش لإحداث التغيير. ويستشهد الكاتب بنشاطات الحزب في هذا الاتجاه فيقول، شنّ حزب التحرير جهودًا من أجل تجنيد الأعضاء في الجامعات الباكستانية المرموقة، وفي وقت سابق من هذا العام، بحسب ما جاء في تقارير الإعلام الباكستانية والغربية، فإن نشطاء دخلوا على مؤتمر قيادة باكستان الشابة في جامعة أوكسفورد، للتأثير في النقاشات ونشر مواد تسويقية. وقد نُقل أيضًا تجنيد ضباط باكستانيين من أكاديمية ساندهيرست البريطانية.
ويستنتج الكاتب نجاح الحزب فيقول، يبدو أنّ استراتيجية التجنيد هذه قد نجحت. ففي العام الماضي تم اعتقال 19 رجلاً من أحد أحياء لاهور الثرية، منهم المهندس والبروفيسور والعالِم، بزعم علاقتهم بحزب التحرير. وفي الأعوام الأخيرة تم اعتقال كبار المسئولين العسكريين، بما في ذلك ضابط سابق في قاعدة سلاح الجو وضابط أمن للرئيس السابق برفيز مشرف برتبة ميجر. وفي العام الماضي صدر بحق خمسة ضباط بما في ذلك بريجدير اسمه علي خان، صدر بحقهم أحكام بالسجن لعلاقتهم بحزب التحرير.
ويبدي الكاتب قلقه بالقول، هناك جانب مقلق بالنسبة لحزب التحرير وهو خطابه العدائي وهو ما يكذب تأكيداته غير العنفية، بحسب تعبير الكاتب. وحاول الكاتب جاهداً إثبات صحة ما ذهب إليه، فلم يجد ما يستشهد به سوى، أن هناك منشورا في اندونيسيا صور تمثال الحرية مقطوع الرأس ومحاطًا بسماء مدينة منهاتن وهي تلتهب بالنيران. وتصريح رسمي في باكستان يتحدث عن "كسر أضلاع" الخونة، وأنّ القادة العسكريين المخلصين عليهم أن يقودوا "القوات المسلحة لفتح الهند".
وسرعان ما يستدرك الكاتب نفسه محاولا إسعافها فيقول، غالبا ما يمكن تمييز نظرة حزب التحرير عن باقي التنظيمات المسلحة التي تتبنى العنف، وهو يختلف تماما عن الجماعات الإسلامية العالمية المعتدلة مثل الإخوان المسلمون. فعلى سبيل المثال، في تصريح صحفي، يوجه حزب التحرير اللوم في تفجير الكنيسة المميت الشهر الماضي في بيشاور على أمريكا، واعتبر أنّ واشنطن تعاقب الباكستانيين بسبب رفضهم دعم الاحتلال الأمريكي لأفغانستان.
ويُعدد الكاتب بعض اتهامات الدول للحزب فيقول، اتهمت نيودلهي حزب التحرير بتقديم مساعدات "فكرية وأحيانا مادية" للمجاهدين الهنود، وهي منظمات عسكرية محلية. وربطت دكا حزب التحرير بمحاولة الانقلاب غير الناجحة سنة 2012، ومنذ ذلك الوقت اعتقلت طلاب الجامعات لعلاقتهم بحزب التحرير. ووصفت موسكو حزب التحرير "بالتنظيم الإرهابي العالمي"، كما أنها لامت الحزب على تنظيم هجمات ضد مدنيين. وأخيرا، فإنّ مسئولين في آسيا الوسطى كثيرا ما يتهمون حزب التحرير بإثارة الكراهية، حيث يدّعي محللون ارتباطًا بين حزب التحرير باكستان والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وهو تنظيم وصفه الكاتب بالمتطرف مضيفا بأنه يدّعي محاربة الحكومة الباكستانية.
بعد ذلك يصل الكاتب إلى حقيقة فيقول، ليس مستغرباً أن يرسم المسئولون الأمنيون الباكستانيون صورة مزعجة لحزب التحرير، الحزب المحظور في البلاد. فهناك مسئول استخباراتي متحدثا لصحيفة باكستانية، يقول أنّ حزب التحرير لديه "طريقة عمل للهدم أكثر فعالية من تنظيم القاعدة" وأضاف المسئول الذي لم تُكشف هويته أنّ أعضاء حزب التحرير "يستهدفون العقول بدلاً من المنشآت الإستراتيجية ودوائر الموظفين، وذلك باستخدام القوة الفكرية بدلا من القنابل على الطرق". ليصل الكاتب إلى قناعة بقوله، فلا عجب إذا من شنّ باكستان هجوما جدّيا على الحزب.
ويضيف الكاتب، ولكن هناك سبب آخر وهو أنّ علاقة باكستان بالولايات المتحدة، تعتبر واحدة من مصادر إسلام أباد الرئيسية للمساعدات العسكرية والاقتصادية. وتَعتبر واشنطن إسلام أباد إما غير راغبة أو غير قادرة على شنّ هجوم شامل على التطرف، خاصة لأنّ العديد من الجماعات المتشددة، لها علاقات مع المؤسسة الأمنية الباكستانية.
ويواصل كلامه ليكشف سياسة باكستان ضدّ حزب التحرير فيقول، خلافا لحركة طالبان الأفغانية وشبكة حقاني أو لشكر جنجفي، لم يكن حزب التحرير أبدا مدعوما من الدولة الباكستانية. وعلى عكس طالبان الباكستانية حزب التحرير لا يستخدم العنف. وبعبارة أخرى فانه ليس وكيلًا موثوقًا ولا محاربًا نشطًا. وهذا يتيح لإسلام أباد أن تثبت لواشنطن، من دون عوائق استراتيجية أو تكتيكية، أنه يمكنها أن تتخذ إجراءات صارمة ضد تهديدات المتشددين. إنها طريقة سهلة لتثير إعجاب ولي نعمتها أمريكا.
ويستشهد على ذلك بما حدث مع خان، الضابط المدان لعلاقته بحزب التحرير، الذي تم اعتقاله بعد أربعة أيام من غارة القوات الخاصة الأمريكية على مجمع أسامة بن لادن في ابوت أباد. يمكن تفسير احتجاز خان كضمان للأمريكيين، أي أنّه بالرغم من التخلص من بن لادن، إلا أنّ باكستان لا تزال جادة في اعتقال المتشددين.
ويواصل الكاتب كلامه، وبالمثل، فإنّه بحسب أنصار حزب التحرير، اختفى الناطق باسم حزب التحرير نفيد بوت بتاريخ 11/5/2012، أربعة أيام قبل إعلان مسئولين أمريكان وباكستانيين صفقة "وشيكة"، لإعادة فتح طرق الإمداد لحلف النيتو في باكستان، التي كانت إسلام أباد قد أغلقتها بعد قتل طائرات قوات النيتو لـ24 جنديا باكستانيا بطريق الخطأ، بحسب ما جاء على لسان الكاتب. وإعلان الصفقة جاء بعدما وافقت الولايات المتحدة على دعوة الرئيس زرداري في ذلك الوقت على قمة النيتو حول أفغانستان في مدينة شيكاغو، دعوة إسلام أباد تلك يمكن وصفها "بالحاسمة" للتوصل لصفقة خطوط الإمداد. أكيد أنّ احتجاز نفيد بوت لم يكن الدافع الوحيد لدعوة واشنطن لزرداري، لكنه يمكن أن يكون عاملا حيث، سيتم إعادة فتح خطوط الإمداد في شهر تموز، بعد اعتذار واشنطن عن الضربات الجوية القاتلة.
ويسهب بالقول، قد يجادل المشككون، مع وجود سبب، أنّ حماسة إسلام أباد لإثبات حسن نيتها في التصدي للمتشددين، يضخّم من التهديد الذي يشكله حزب التحرير. والتُهم المثيرة الموجهة أصلا ضد خان وهي، التخطيط لتفجير مؤتمر لقيادة الفيالق عن طريق سلاح الجو، بحيث ينقضّ حزب التحرير بعد ذلك ويطبق أحكام الإسلام، قد تم إسقاطها، وفي النهاية، أدين خان بتُهم أكثر غموضًا وهي "الارتباط بتنظيم محظور". وقد نفى خان باستمرار ارتكاب أي ذنب. كما تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر التقييمات تشاؤما من حزب التحرير في باكستان، بما في ذلك وصفه من قبل شخص "بالتهديد المحتمل أن يكون أكثر فعالية" من تنظيم طالبان، يتم التعبير عنها من خلال اقتباسات مجهولة في التقارير الإعلامية، وليس من خلال تصريحات علنية.
ويضيف قائلا، علاوة على ذلك، فإنّ الاتهامات الخطيرة التي ثبتت ضدّ حزب التحرير في دول أخرى قليلة إن وجدت، من مزاعم انقلاب بنغلادش وعلاقته بمجاهدي الهند إلى سمعته الطيبة والقوية في القوقاز، حيث يقول محللون مستقلون أنّ حزب التحرير ارتكب قليلا من الهجمات إن وجدت في أوزبكستان وأنّه لا يتمتع "بدعم فعلي" في تركمنستان.
ليخلص الكاتب إلى أنّه لا يجب أن يُنظر لحزب التحرير على أنّه قوة تهديد مدمرة، ولكن كحزب محافظ وصفه الكاتب بالمتطرف وذو نعرة عدائية، مضيفا، فهو في الغالب يقوم بالتشويش على مؤتمرات أو كما رأينا في الأيام الأخيرة في اندونيسيا، الاحتجاج على مسابقة ملكة جمال العالم، وليس حمل السلاح وتنفيذ انقلابات. على الأقل حتى الآن.
وبالرغم مما وصل إليه الكاتب من عدم استخدام الحزب للعنف، ومن قمع نظام باكستان له لإثبات إخلاصه لولي نعمته "أمريكا" ومن اتهامات الدول الباطلة، إلا أنّه في نهاية مقاله لا يجد بدا من التبرير لنظام باكستان العميل، ضاربا عرض الحائط بما تحقق لديه من معلومات... فيختزل رأيه في نهاية المقال بالقول، نظرا لوضع باكستان النووي وحالة عدم الاستقرار التي تعيشها، فإنّ وجود حزب التحرير ونشاطاته في باكستان أمر يُقلق، وبالتالي فإنّ إصرار إسلام أباد على التدابير المضادة يعتبر أمرًا جديرًا بالثناء. ولكن على باكستان أن تكون حذرة تجاه من وصفهم الكاتب بالقتلة من طالبان وجماعة لشكر، كما هي باتجاه أمثال محمد سعيد، عضو حزب التحرير الذي وصفه بقليل الحظ، بسبب الحكم عليه بالسجن لمدة سنتين بتهمة توزيعه لبيان.
20/10/2013