مواقف عزة وتضحيات
المحقق لزياد: هنيئا لقيادتكم بكم!!
 
هذه قصة الشاب زياد، أحد شباب الحزب التحرير الذي حيًر بمواقفه وثباته المحققين، فلم يكن من المحقق في نهاية المطاف وبعد 12 يوماً من الصمود والتحدي إلا أن ينحني إكباراً له ولإخوانه ممن كانوا معه من شباب الحزب، ليقول لهم: "هنيئاً لقيادتكم بكم، هنيئاً للشباب الذين رفضوا التوقيع حتى على ورقة الأمانات رغم 12 يوماً من الاحتجاز، مع تمنياتي أن تكون قياداتكم مثلكم."
وإليكم تفاصيل الاعتقال والذي تعرض فيه زياد إلى الضرب والاعتداء الذي لم يزده إلا صلابة.
 الاعتقال
ذهب زياد إلى مدينة يطا، قضاء الخليل، لحضور محاضرة لحزب التحرير في مقر البلدية، ولكنه وجد أمامه حشودات عسكرية للسلطة والقاعة مغلقة وأمامها قوات كبيرة منهم، فتوجّه ومن كان معه إلى مطعم قريب وجلسوا يحدِّثون الناس عن سبب الحشودات وسبب إغلاق القاعة وعن المحاضرة، فأخذ الناس يُعيبون على السلطة استخذاءها أمام يهود ومحاولة بحثهم عن هيبة من خلال منع فعاليات ومحاضرات حزب التحرير، وفجأة جاءت قوة عسكرية واقتحمت المطعم بطريقة همجية واعتقلته وثلاثة آخرين من شباب الحزب وقاموا بنقلهم إلى مركز شرطة يطا.
 
التحدي من البداية
بعد أن وصل الشباب إلى مركز الشرطة بيطا دخل ضابط في الاستخبارات العسكرية عليهم وبدأ بالتهكم على الشباب قائلا: أحضرناهم من وكر.
فما كان من زياد إلا أن رد عليه قائلا: انتبه لألفاظك ونحن أُحضِرنا من مكان محترم.
ساء ذلك الكلام الضابط فحاول أن يُعربد ويضرب، ولكن عدم خوف زياد وعدم إظهاره الجزع حال دون ذلك.
فلما رأى الشرطي التوتر طلب من الضابط أن يخرج والذي حاول بدوره الرفض واستمر يزبد ويرعد، وليخيف زياد ويهدده طلب منه اسمه، فأعطاه زياد إياه ليمعن في عدم الاكتراث به، في حين لم يجرؤ مدير الشرطة أن يعطي اسمه لزياد لما سأله.
 
الانتقام
أراد الضابط أن ينتقم لنفسه ولصورته التي تهاوت أمام صمود زياد وشجاعته، فما كان منه إلا أن اتفق مع معارفه في الشرطة لينتقم من زياد.
فلما أرادوا نقله إلى مركز شرطة الخليل، كان مقيداً بالأغلال، فما أن نزل من السيارة عند وصوله إلى المركز حتى بدأ أحد الأوباش بالاعتداء عليه بالضرب مدعيا أنّ زياد قام بحركة سافلة.
وبعد ذلك نقل إلى مقر المخابرات هو ومن معه من الشباب ليبدأ معهم التحقيق.
 
بداية التحقيق ... صدمة
دخل زياد إلى غرفة التحقيق،
المحقق: هل أنت من حزب التحرير؟
زياد: لا دخل لك.
تدخل الكاتب ليقول: من أولها لا دخل لك، أحضروا سحلبا !!!
أدرك المحقق أنّ زياد يتحلى بعزة المؤمن ونفسية السيد. فحاول أن يبدأ مشوار الإذلال مع زياد.
المحقق: ما اسم امرأة أخيك؟
زياد: لا جواب
المحقق يستشيط غضبا ويقول: ستجيب رغم أنفك.
زياد: لا يوجد عندي أجوبة على أسئلتك، فلا تتعب نفسك.
المحقق: أنت لا تأتي بلغة الاحترام، وأنت غير مؤدب.
زياد: أنا معلم ومؤدب، بل واُدرّس أولادكم وأُعلمهم الأدب، واسأل أقربائك وأهلك إن أحببت.
يأس المحقق الأول من زياد فأمر جنوده بإخراج زياد إلى الساحة الخارجية.
 
ويبدأ المحققون بالتناوب
بعد قليل أدخل زياد على غرفة فيها محقق آخر.
المحقق: ما اسمك؟ أجاب زياد.
المحقق: ما رقم تلفونك؟
زياد: لا أُريد أن أعطيك إياه.
لم يجرب المحقق نفسه أكثر من ذلك، فيأس من البداية، وأمر جنوده بإخراج زياد إلى الساحة الخارجية والتي سرعان ما عاد منها ليدخل على محقق ثالث.
المحقق: أدخل إلى غرفة الأمانات وتعرف على الأمانات ووقّع عليها.
وهناك صُعق المحقق لما رأى أن زياد رفض التوقيع على الأمانات.
فطلب من زياد أن يخرج من الغرفة وأن يوجه وجهه إلى الحائط.
ومرة أخرى يُصعق المحقق عندما يرى زياد يرفض إدارة وجهه للحائط.
يأتي مدير المركز ليسأل ما المشكلة.
زياد: إنه يريد مني أن أدير وجهي إلى الحائط.
المدير: لا تُدير وجهك إلى الحائط، نحن آسفون.
طلب المدير من زياد أن يجلس في الاستراحة.
 
جرأة وقوة وحكمة
بينما زياد جالس في الاستراحة جاء محقق رابع، فأخذ يتهجم على الحزب ويقول "حزب التحرير هم أكثر أناس اليهود فرحين بهم".
زياد: بل السلطة هي من يفرح اليهود بوجودهم.
المحقق يصرخ: ماذا تقول؟
زياد: السلطة أداة بيد يهود، بدليل أنها تقتل وتعتقل المخلصين من أبناء الأمة.
بدأ المحقق بالصراخ وذهب ليحضر مديره.
المدير: أنت تقول عنا جواسيس، هل نحن جواسيس، وماذا قلت للمحقق؟
زياد: لا ارغب في إعادة ما قلته فليقول لك المحقق ما قلت. فقال المدير للمحقق اخبرني ما قاله لك، فأخبره المحقق النقاش الذي حصل بينهم.
المدير: إذا نحن جواسيس؟
زياد: افهمها كما تشاء.
المدير: تقول عنا جواسيس ولا تتجاوب مع المحققين يا أفندي، شو قصتك ليش مش راضي تتجاوب مع المحققين، بينما لو أنّ امرأة يهودية على محسوم أوقفتك ستجعلك تتجاوب رغما عنك.
هنا بلغ التحدي ذروته، فقال زياد بكل شجاعة: هذه سلطتك ورئيسك، وأمثالك من تجعلهم امرأة يهودية يتجاوبون معها.
المدير: وأنت أيضا.
زياد: أنا تعرضت لمثل هذا الموقف ولم أقبل لنفسي مواقف الذلة مثلكم.
المدير: أنا احترمتك وأنت على ما يبدو ليس وجه احترام, إذن هات كل الأمانات ووقع عليها فرفض زياد التوقيع.
المدير: يجب فصلك من الوظيفة.
زياد: الرزق على الله.
المدير: على ما يبدو أني احترمتك فوق اللازم، ومنعت خمسة عساكر من ضربك وتكسيرك والأمر خارج عن سيطرتي، الآن سأدعهم يدخلون ويضربونك وأنا لن أبقى سأخرج.
زياد: لا يوجد أي مشكلة دعهم يدخلون ويقومون بعملهم، فالأمر بالنسبة لي ليس غريبا، فقد ضُربت في مركز شرطة يطا من قبل وكذلك في مركز شرطة الخليل وليكن الأمر كذلك في مقر المخابرات.
المدير: من ضربك ولماذا؟ ولماذا لم تشتك؟
زياد: سأشتكي بإذن الله.
المدير: ومتى ذلك؟
زياد: بعد أن يأتي الخمسة الذين يقفون على الباب.
المدير: لمن ستشتكي؟
زياد: إلى الله الشكوى.
نزلت هذه الكلمة على المدير كالصاعقة، فخرج وأمر بوضع زياد في زنزانة لا يوجد فيها سوى فرشة لا تصلح للاستخدام البشري، في وقت متأخر من الليل، وكان الجو في تلك الليلة بارداً.
 
المثول أمام المدعي العام العسكري
بعد خمسة أيام من الاعتقال عُرض زياد على المدعي العام العسكري.
زياد للمدعي العام: ما رأيك في سلطة تختطف شبابا من مطعم وهم آمنون يشربون الشاي، وشاب يُختطف من مطعم ويُضرب ويُعتدى عليه؟
المدعي العام محاولاً التهرب من السؤال: من ضربك ولما لم تشتك؟
زياد: ليست القضية شخصية حتى اشتكي، وإنما القضية عبارة عن نهج.
المدعي العام: يغير الموضوع ويقول أنت تهمتك أنك مناهض للسلطة، هل أنت مذنب أم غير مذنب؟
زياد: مناهضة السلطة كلمة واسعة المعنى، فإذا كان شرب الشاي في مطعم مناهضة للسلطة، فأدعوكم لاعتقال كل من يشرب الشاي، وإذا كان الأكل فاتخاذ إجراءات أشدّ.
المدعي العام: أنت تهمتك أنك مناهض للسلطة، فهل أنت مذنب أم غير مذنب؟
زياد: كلمة مناهضة واسعة المعنى كتهمة الإرهاب.
 يكرر المدعي العام السؤال، هل أنت مذنب أم غير مذنب؟
زياد: أنا لا اعترف بالسلطة.
فأمر المدعي العام الكاتب بكتابة انّه لا يعترف بالسلطة.
المدعي العام: وقِّع على أقوالك.
زياد: الجواب معروف لديكم.
فقال المدعي العام للكاتب: اكتب رفض التوقيع.
فما كان من المدعي العام إلا أن تلا القرار المعد سلفا وهو تمديد التوقيف لمدة أسبوع في سجن المخابرات.
 
المحقق: أنا سأوقع عنكم، فمع السلامة
وبعد 12 يوما من الاحتجاز، دخل مسئول السجن وأخبر زياد والشباب الذين معه بقرار الإفراج، ثم أدخل زياد على المحقق ليقول له:
هنيئاً لقيادتكم بكم، رفضتم التوقيع وحتى على الأمانات رغم 12 يوماً من الاحتجاز مع أنّ غيركم يأتي ويوقع ويبصم أيضا.
أتمنى أن تكون قياداتكم مثلكم.
زياد: ثقتنا لا حدود لها بقيادتنا وفقها الله إلى الخير العميم.
المحقق: إن شاء الله، مع السلامة وكل خير، وأنا سأوقع عنكم، مع السلامة.
23/11/2010