مواقف عزة وتضحيات "أبو كنانة: لا أعترف بالسلطة أصلاً"
التفاصيل
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}، أبو كنانة رجلٌ قرأ هذه الآية وأبى إلا أن يكون من هؤلاء الناس الذين ثبتوا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، بل إنّ مواقفه كانت كالسهام التي تصيب الباطل في كبده فتوغل فيه، وما أكثر هذه السهام في كنانة أبي كنانة!.
البداية
توجه أبو كنانة إلى حضور ندوة كان حزب التحرير قد أعلن عن تنظيمها بعنوان "الإسلام قادم والأمة لا تموت"، وأثناء توجهه سمع من الناس أنّ السلطة قد حشدت لمنع هذه الندوة فما زاده ذلك إلا تصميما على الحضور، ولسان حاله يقول: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
الاعتقال
بعد أن وصل إلى مقر الندوة ووجد السلطة قد أغلقت القاعة وتقوم باعتقال الحضور ذهب إلى أحد الأمكنة العامة كي يرى كيف التصرف، وهناك جاء أحد الضباط متوتراً يكاد يرجف ومعه مجموعة من الشرطة وأخذوا باعتقال كل من تطاله أيديهم، فما كان من أبي كنانة إلا أن توجه إلى الضابط المنفعل قائلا له بغضب: ما الداعي إلى هذه الطريقة في التصرف؟!!
فما كان من هذا الضابط سوى أن أمر باعتقاله، واعتقال بقية الموجودين.
لقد كان الارتباك والانفعال ظاهرا وباديا على أفراد أجهزة السلطة وهي تعتقل حملة الدعوة وتحاول أن تنقلهم إلى أحد مراكزها، ولكنهم فوجئوا بأنّهم نسوا التنسيق مع يهود من أجل أن يسمحوا لقافلة الأجهزة الأمنية بالعبور من منطقة لأخرى، فزاد حنقهم. وسرعان ما حاولوا الاستقواء على المعتقلين المكبلين عندهم لتمتد أيديهم إلى أحد الشباب باللكمات، ويزداد حنقهم فيحاولون أن يجبروا حملة الدعوة كي يديروا ظهورهم نحو الحوائط.
ماذا ستقول لرب العالمين؟
أحد أفراد الأجهزة الأمنية يتهم أحد المعتقلين من حملة الدعوة بأنّه أساء التصرف معه، وهنا يتدخل أبو كنانة ليقول له: هذا اتهام غير صحيح وأخلاقنا لا تسمح بذلك، ويذكره بيوم القيامة كي لا يتمادى في البهتان، قائلا لذلك الشرطي: ماذا ستقول لرب العالمين يوم القيامة وعليك أن تتقي الله.
لا نريد مساعدة من أحد
تستعمل الأجهزة الأمنية وسائل للترغيب كما تستعمل وسائل للترهيب من أجل النيل من المعتقلين وعزائمهم، فعندما حط المعتقلون الرحال بعد نقلهم إلى أحد السجون، حاول جهاز الأمن ذاك أن ينال منهم بأسلوب خبيث وهو وضعهم في مكان وجعل عدد من الضباط من الذين يعرفون المعتقلين بحكم القربى أو بحكم المجاورة، يمرون من أمام حملة الدعوة، لعل أحد حملة الدعوة يطلب المساعدة أو المصالحة من أحدهم كي تبدأ رحلة الإخضاع والمساومة شيئا فشيئا، ولكن خاب فألهم وأخطأت حساباتهم، بل إنّ أحد حملة الدعوة قد قالها لهم صراحة وبملء الفم: "لا نُريد مساعدة من أحد".
السجين ليس متعاوناً!
بداية التحقيق عادة ما تكون بالأسئلة الروتينية حول الاسم والعمل وما شابه، إلا أن المحققين يصطدمون بأبي كنانة الذي رفض أن يعطيهم رقم جواله أو تليفونه، إذ أن ذلك يعتبر بحد ذاته تعاونا معهم، ويسهل عليهم لاحقا متابعة أو مضايقة الشاب أو حتى التجسس عليه، فكان أبو كنانة حازماً ورافضاً لأي أسلوب تواصل مع هذه الأجهزة.
محاولة كسر الإرادة
يحاول المحققون دائما كسر إرادة المعتقل وتحطيم معنوياته ليسهل عليهم ذلك الحصول على ما يريدون، فكان المحقق مثلا يسأل أبا كنانة عن اسم أمه واسم زوجته، والتي لا تفيد المحقق في شيء، ولكنها شكل من أشكال الإذلال.
رفض أبو كنانة أن يجيبه على سؤاله.
المحقق يحاول إقناعه بأنّ الأمر لا شيء فيه.
ولكن أبا كنانة يستمر في الرفض، بل ورفض أبو كنانة التوقيع على أقواله بعد انتهاء التحقيق.
فما كان من المحقق إلا أن أمر بحبس أبي كنانة في زنزانة باردة دون فراش أو غطاء ليحرمه بذلك من النوم من شدة البرد.
هذه أفعال يهود !!!
بعد أن رأى بعض حملة الدعوة ممن كانوا معتقلين مع أبي كنانة تعذيب السلطة لأبي كنانة، صرخ أحدهم في وجههم بالكف عن تعذيب أبي كنانة بالبرد الذي يقاسيه في الزنزانة، فرد عليه أحد الجنود مهددا وطالباً منه السكوت، فصرخ ذلك الشاب في وجهه مرة أخرى دون أن يعبأ بهم قائلا لهم: ما تفعلونه هذا من أفعال اليهود ولا يجب أن يكون من أفعال المسلمين!!
بعدها قام أحدهم بفتح الزنزانة على أبي كنانة، الذي سرعان ما صرخ في وجهه مبيناً له أنه ليس خائفاً منه، بل وذكره بحرّ جهنم الذي ينتظره مُقابل وضعه في زنزانة باردة.
ثم قاموا بعد ذلك بنقله ومن معه من الشباب المعتقلين إلى سجن المخابرات.
بل إننا حزب فينا الخير كله بإذن الله
تم استدعاء أبي كنانة إلى التحقيق في المخابرات، فرفض أبو كنانة أن يجيب على أي سؤال.
المحقق بعد أن يئس من أبي كنانة: هل ترفض الإجابة عن أي سؤال؟
أبو كنانة: نعم أرفض.
المحقق: هل ترفض التوقيع؟
أبو كنانة: نعم أرفض.
المحقق وهو يتبرُّم: أنتم حزب عقيم.
أبو كنانة: بل إننا حزب فينا الخير كله بإذن الله.
بين يدي المدعي العام العسكري
المدعي العام: هل أنت مناهض للسلطة؟
أبو كنانة: نعم أنا مناهض للسلطة.
المدعي العام: هل تُقِر بقوانين السلطة؟
أبو كنانة: لا اعترف أصلا بالسلطة.
المدعي العام: لماذا لا تعترف بالسلطة؟
أبو كنانة: لأن السلطة وليدة القرارات الدولية والمؤامرات الغربية.
وهكذا استمر موقف أبي كنانة قويا لم تلين عزيمته، بل إنّ شعوره بأنه مسجون في سبيل الله ونصرة دعوته ودعوة رسوله صلى الله عليه وسلم كان سلوانه وعزاءه ولندع هنا أبا كنانة يتكلم عن نفسه:
الحمد لله كانت معنويات الشباب عالية، وكنّا نتقصّد أن نتداول الأحاديث بكل راحة، نوصل من خلالها رسالات على مسمع من ضباط المخابرات، الذين كانوا يحضرون إلى سجن المخابرات، في محاولة على ما يبدو لنتحدّث معهم عن وقت خروجنا أو نتوسّل إليهم، فما كانوا يجدوا منّا إلا الإهمال، أما من غيرنا، فلعلهم كانوا يجدوا ضالتهم.
حيث ضباط المخابرات يأتون إلينا مبادرين بالحديث على سبيل المثال: هل ينقصكم شيء؟
حاولوا التأثير علينا من خلال المعارف والأقارب، لإرغامنا على التوقيع، حتى ولو التوقيع على الأمانات، فكان الرد قوياً، لا رجعة في قرارنا بعدم التوقيع ولو أدى الأمر إلى المحاكمة أو السجن، موضّحين لمن تكلّم معنا أنّ الأمر يتعلق بالدعوة ونُصرتها وأنّ السلطة تُريد كسر إرادتنا من خلال التوقيع، مضيفين إن كانت السلطة لديها تهمة تستند عليها فلتُحاكمنا على هذه التهمة.
وكان عندنا غلبة ظن بأنّ هناك من بين السجناء من يعمل (كعصفور/جاسوس) ينقل لجهاز المخابرات الوضع النفسي للشباب أو أي معلومة تُفيدهم للضغط على المساجين.
وحتى آخر لحظة كان هناك محاولات لإقناعنا بالتوقيع ولو على الأمانات، فكان الرد، لو أردنا أن نستجيب لكم لوقّعنا من أول يوم، بإمكانكم أن تُعيدونا إلى السجن...
والعاقبة لمن اتقى
بعد الصبر والثبات الذي أبداه أبو كنانة وإخوانه حضر أحد رجال الأمن وأبلغ الشباب بقرار الإفراج، فخرجوا سالمين، غانمين برضى الله عز وجل إن شاء الله. والعاقبة للمتقين.