مواقف عزة وتضحيات: خليل: كلما طال مكوثي في السجن فهذا أجر وثواب
التفاصيل
مواقف عزة وتضحيات
خليل: كلما طال مكوثي في السجن فهذا أجر وثواب
لقد وعد الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين أن يثبتهم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، منةً منه ورحمةً، حيث قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ}.
وفي هذه القصة سنرى كيف ثبت الله الشاب خليل، أحد شباب حزب التحرير، وآتاه حجة ولساناً فصيحاً، لم يجد أزلام السلطة ومحققوه إلا أن يصمتوا أمام حجته، أو يبهتوا.
الاعتقال وفق شريعة الغاب
بعد أن قام خليل بإعطاء درس الجمعة في إحدى مساجد قلقيلية حول مهرجان قلقيلية الخضراء الذي نظمته السلطة ورعته، ولاقى الدرس ما لاقى من قبول الناس وتأييدهم لما جاء فيه، خاصة وأنّ الناس قد شاهدت المهرجان وما فيه من منكر وفجور.
عاد خليل إلى بيته في أمان الله، وبعد سويعات وإذا بسيارة من الاستخبارات العسكرية عند باب بيته تطلبه.
ترجل أحدهم وهو يرتدي لباسا مدنيا ليقول لخليل: نريدك عشر دقائق.
أدرك خليل أنّ القصة ليست قصة عشر دقائق وإنما هي عملية اعتقال.
وفعلا اعتقلوه وذهبوا به إلى مقر الاستخبارات العسكرية، وكانوا في الطريق يسيرون بسرعة كبيرة لعلهم يخيفون خليل منذ البداية فتسهل مهمتهم.
وهكذا اعتقل الشاب خليل من بيته، دون مذكرة قانونية، ومن جهاز غير مختص وغير مسموح له بالتدخل في شئون المدنيين، وكأنها شريعة الغاب!!
لم يطيقوا صلابة خليل فانهالوا عليه بالضرب
ما أن وصل خليل إلى مقر الاستخبارات حتى أدخلوه إلى المحقق، وبدأت الجولة الأولى.
المحقق: هل أعطيت درس الجمعة في المسجد؟
خليل: نعم.
المحقق: ماذا قلت في الدرس؟
دونما خوفُ أو ارتباك، أجابه خليل بكل جرأة: لقد قلت في الدرس أنّ المهرجانات وصواني الكنافة وسدور المسخن لا تحرر فلسطين، بل الذي يحرر فلسطين هو القتال والجهاد في سبيل الله.
لما عجب المحقق من صلابة وجرأة خليل دفع إليه بقلم وورقة وطلب منه أن يكتب ما قال في الدرس.
خليل: نحن لا نكتب أي شيء عندكم.
استشاط المحقق غضباً ووقف شاتماً وهو يقول ستقول وتكتب كل شيء.
خليل: لن أكتب أي شيء.
المحقق يدفع خليل، وخليل يدفعه رداً عليه، وبدأت المدافعة، وعلا صوت المحقق وهو يصرخ حتى لم يبق أحدٌ في المقر إلا وجاء.
ومن ثم قيدوا خليل في الأصفاد وانهالوا عليه بالضرب.
صرخ خليل قائلا متحدياً المحقق: إذا أردت أن تقاتل ففك قيدي وأنا اريك ما أفعل. وأردف قائلا لماذا لا نرى رجولتكم على اليهود بدلا مني وأنا بين أيديكم أعزلا!!.
أغاظهم كلامه الذي لامس واقعهم، فازدادوا غضباً وشراسة فأثخنوه ضربا.
ثم صرخ المحقق: ارموه في السجن.
خبروا صلابته فاضطروا إلى تغير الأسلوب
بعد قليل من الوقت أمضاه خليل في السجن، جاء المحقق وهو يصرخ: أخرجوه من السجن فانا سأجعله يتكلم.
خليل: لن أتكلم ومعك بشكل خاص.
فتوترت الأجواء مرة أخرى وامتلأ المكتب بعناصرهم.
أحدهم قائلا لخليل: أنت متهم بعدة تهم، لقد اعتديت على رجال الأمن وفي مقر الأمن، وتطاولت على سيادة "الرئيس" وتهجمت على السلطة فستمكث في السجن سنين طويلة، وستترك أولادك التسعة وعملك.
خليل: كلما طال مكوثي في السجن فهذا أجر وثواب إن شاء الله.
المحقق متهكماً: لا نريد أن نسجنه إذا حتى لا يكسب الأجر والثواب على حسابنا.
توجه المحقق إلى خليل قائلا: تكلم الآن.
خليل: أقسم بالله العظيم لن أقول كلمة واحدة حتى تفك الأصفاد وأجلس على الأريكة.
المحقق صرخ مهددا: ستتكلم رغما عنك وعن أهلك.
وأخذ يسال ويسال وخليل لا يجيبه.
حتى يأس المحقق وقال لمن حوله: وبعدين يا جماعة.
فأدركوا أن خليل لن يتراجع عن موقفه، فتراجعوا هم عن موقفهم، ففكوا الأصفاد وأجلسوه كما طلب.
تغيرت المعاملة وبدأ الأسلوب الناعم
بعد ذلك اختلفت المعاملة بشكل كلي حتى أصبحوا ينادونه بالحج أبو إبراهيم.
المحقق: والله يا أبا إبراهيم أنّ إخوانك من حزب التحرير عندما يأتون نتحدث معهم نحترمهم ونقدرهم!!
خليل: والدليل على ذلك ما فعلتم بي!!
المحقق: أنت حالة شاذة، أنت لست معارضاً، بل أنت عدائي وتعاملنا بعداوة.
وتابع المحقق قائلا: على كل لننس ما حدث ودعنا نتكلم بتجرد!! فأنا أصلي وأصوم وحافظ للقرآن من أوله إلى آخره، فكلنا مسلمون، ولكنني أريد أن أسالك عن رأيك في السلطة؟
خليل بكل صلابة وحجة بالغة: السلطة جزء من مؤامرة لتضييع قضية فلسطين، فهل تنتظرون من يهود أن يعطوكم دولة فلسطينية والله يقول فيهم (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ).
فما كان من أحدهم إلا أن قال مسرعا:لا والله.
وتابع خليل كلامه الحكيم فقال:أتحسبون إنّ أوروبا وأمريكا تعطيكم مرتباتكم من الغفير إلى الوزير من أجل سواد عيونكم أو محبة في الإسلام والمسلمين، ما لكم كيف تفكرون!!؟
فبهت المحقق ولم يجد ما يعقب له على كلام خليل، كيف لا وهو يعرف أن كلام خليل هو عين الحقيقة التي يراها المحقق ليل نهار ويعايشها صباح مساء.
سننتعل أمريكا بأقدامنا
بعدها أخذ المحقق يقلب ورقة وجدوها مع خليل فيها بعض الآيات والأحاديث فأحذ يقرأ منها ويقول (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) من هذا؟
خليل: فرعون ومن على شاكلته.
المحقق يبدي جهله المطبق فيقول: أليس هذا الذي قال له الله اضرب بعصاك الأرض؟
خليل: البحر.
المحقق: البحر أم الأرض؟
خليل: البحر، وتقول لي أنك تحفظ القرآن؟
المحقق: يا أخي بغلط الإنسان، والله أول مره بعرف انه البحر.
ثم قال هل تعلم كيف عذب الله قوم عاد وثمود؟
خليل: نحن في حزب التحرير نعمل للخلافة ولننتعل أمريكا بأقدامنا وأنت بعد قليل ستقول لي إقرأ سورة قل هو الله أحد، أنت تستهزئ بي.
المحقق: لا والله إني احترمكم.
أراد المحقق أن ينهي اللقاء بعد أن أصبح وضعه محرجا مع خليل، فطلب من خليل التوقيع على أقواله، فأبى خليل.
هل تراني صغيرا ورخيصا لأعمل معكم؟!
ومن ثم رجعوا بخليل إلى السجن وبعد وقت جاء أحدهم واصطحبه إلى مكتب فيه رجل متكبر، فقال له المحقق: لقد أرسلوني لتقييمك فلا تضيع وقتي، فما اسمك وما اسم زوجتك.
أجابه خليل عن اسمه، وقال له: لن أقول لك اسم زوجتي.
المحقق: هذا روتين وليس في الأمر شيء، واسم زوجتي فلانة، وقال لآخر عنده قل له ما اسم زوجتك.
خليل: أنا لن أقول اسم زوجتي.
اضطر المحقق إلى التراجع عن سؤاله فقال: هل تريد أن تشتغل معنا؟
خليل كالطود الأشم: هل تراني صغيراً ورخيصاً إلى هذا الحد؟
غضب المحقق وقال: وهل نحن رخيصون، نحن أغلى منك ومن جماعتك كنت سأعطيك ستمائة شيقل.
فبهت المتكبر وقال خذوه... خذوه. فأرجعوه إلى السجن.
وأمضى خليل ليلته في السجن مع شاب يعمل في الأمن الوطني مسجوناً لديهم قضى ليله وهو يقتل البعوض من فوق رأس خليل وهو نائم إكبارا لخليل ولمواقفه.
وفي اليوم التالي قام مدير المركز بتسليمه إلى جهاز المخابرات وذلك بعد نقاش دار بينهما والذي أكد فيه خليل للمدير على أنّ السلطة جزء من مؤامرة لتضييع قضية فلسطين وأنها لم تأت بخير.
المخابرات: ألست أنت يا خليل من ضرب المحقق؟!!
ولأن السلطة اعتادت على الذل والصغار فهي تعجب من مواقف العزة وتحفظها وتنطبع في ذاكرة عناصرهم. فبعد أن وصل خليل إلى المخابرات ووضع في زنزانة لساعات، جاء المحقق وأول ما بدأ به مع خليل هو سؤاله: الست أنت الذي ضرب المحقق؟
خليل:هو الذي بدأ.
فنظر المحقق في وجهه فرأى أثار الضرب، فقال ما هذا؟.
خليل: قلت لك ضربوني في الاستخبارات.
المحقق: وماذا فعلت بهم؟
خليل: دافعت عن نفسي بقدر ما أستطيع.
أدرك المحقق أنّ خليل ليس بالمعتقل السهل، فقال خذوه إلى السجن الآن وغدا نرى ماذا سنفعل.
وفي اليوم التالي، أخرج من السجن إلى المحقق.
ولأن موظفي الأجهزة ينسقون فيما بينهم ولا يوجد ما يمكن اعتباره أمرا خاصا يدور بين المعتقل والمحقق، فتجدهم يعلمون ما هي أجوبة خليل السابقة وما الذي رفض الإجابة عنه فيكررون نفس الأسئلة لعل المعتقل الذي بين يديهم خارت أو ضعفت قواه.
فكان السؤال الأول: ما اسمك؟ وما اسم زوجتك؟
نفس السؤال الذي أبى أن يجيب عليه خليل في الاستخبارات لأنه شكل من أشكال الإذلال والامتهان.
خليل: اسمي كذا وكذا، ولن أقول لك اسم زوجتي.
المحقق: لماذا لا تريد أن تقول اسم زوجتك؟
خليل: اعتقالي يخصني ولا يخص زوجتي.
اكتشف المحقق أن الجواب هو نفسه الذي حصل عليه جهاز الاستخبارات وأن لا أمل في أن يكسر عزيمة الشاب أو يذله. فانتقل إلى سؤال أخر.
كلامٌ لامس الواقع
المحقق: ماذا قلت في الدرس؟
خليل:قلت في الدرس إنّ المهرجانات والاحتفالات وصواني الكنافة وسدور المسخن لا تحرر فلسطين بل الذي يحررها هو الجهاد في سبيل الله.
فابتسم المحقق إدراكا منه لمهزلة السلطة ومشروعها ولكنه حاول أن يخفي ابتسامته.
المحقق: كيف ترى الأمور؟
خليل: الخلافة ولا شيء غير الخلافة التي تطيح بهذه الأنظمة وتوحد المسلمين وتحكمهم بما أنزل الله.
المحقق: والسلطة؟
خليل: السلطة معهم.
المحقق: لن تبدل وتغير؟
خليل: لا تبديل ولا تغيير.
المحقق: هل تريد أن توقع على أقوالك.
خليل: لا.
المحقق: أتريد أن تذهب إلى البيت؟
خليل: أرضى بقضاء الله (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا).
فأمر المحقق أن يأخذوه إلى الزنزانة ليقضي ليلته فيها.
يئس المحقق الأول فكان لا بد من محقق آخر
وفي الليلة التالية، حيث اعتادت أجهزة السلطة على التحقيق ليلا.
أخذ خليل إلى محقق آخر ليبدأ جولة جديدة معه لعله ينال من خليل شيأ بعد أن عجز من سبقه.
المحقق: لماذا تعارضون مهرجان قلقيلية الخضراء؟
خليل: لأنّ فيه اختلاط وهذا حرام، ونحن المسلمون لسنا في وضع احتفالات ومهرجانات ونحن نُقتل كل يوم ونُهجر ونُسجن، أفنرقص على جراحنا؟
المحقق: ولكن هذا المهرجان يحسن الوضع الاقتصادي للبلد ويساعد التجار في ترويج بضاعتهم.
خليل: إذا أردتم أن تحسنوا الوضع الاقتصادي للبلد وترفعوا من شأن التجار فارفعوا عنهم الضرائب والجمارك والرخص.
المحقق: هل زرت مهرجان قلقيلية الخضراء؟
خليل: لا لم أزره ولكن عندما تصلك الأخبار بالتواتر تصبح كأنك شاهد عيان، ورأيت صدفة نساء على المسرح يوم الافتتاح في التلفاز.
المحقق: هذا يوم الافتتاح فقط ولقد ذهبت هناك فالرجال في مكان والنساء في مكان.
هنا رأى خليل أن يحرج المحقق الذي يحاول تعمية الأمور فقال: هل ترسل بناتك وأخواتك إلى المهرجان؟ وكأن المحقق قد سكب على رأسه الماء البارد بهذا الجواب فسكت ولم يتكلم.
المحقق غير الموضوع فقال:أنا في اجتماعاتنا أطلب أن يُعطى حزب التحرير مساحة أوسع من إبداء الرأي ولكن يجب أن لا تستغلوها في مهاجمة السلطة.
خليل: والدليل على هذه المساحة من إبداء الرأي، عندما أراد الحزب في ذكرى هدم الخلافة عقد ندوة في مبنى البلدية، قمتم بتكسير أيادي وأرجل الشباب وسجنتم البعض.!!
المحقق: لم تأخذوا تصريحا للندوة.
خليل: غير صحيح، لقد سمح لنا رئيس البلدية والندوة في البلدية وهو رئيسها.
إما الخلافة وإما الموت
المحقق: ماذا ترون الآن؟
خليل: لا نرى إلا الخلافة، إما الخلافة وإما الموت.
المحقق: سنقمعكم إذاً.
خليل: نحن وأنتم والزمن طويل.
المحقق متهكما: متى ستقوم الخلافة، بعد مئة سنة؟
خليل: بين يوم ويوم إن شاء الله، هذا وعدٌ من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فنحن في الحكم الجبري وبعده الخلافة. وحتى بوش وبوتين وساركوزي وبلير وكل حكام الكفر يحذرون من الخلافة.
المحقق: ها نحن قد تعرفنا عليك ونستضيفك عندنا.
خليل: وهل هذه هي الضيافة عندكم؟
المحقق: يبدو أنّ الزنزانة لا تعجبك سأنقلك إلى الغرفة.
خليل:لم أشك من الزنزانة ولم أطلب الانتقال من الغرفة، ولكن كنت أعقب على كلمتك.
المحقق: ولكنني سأنقلك إلى غرفة فيها شباب طيبون من حماس أم لك معهم مشكلة؟
خليل: ليست لي معهم مشكلة.
المحقق: سأنقلك إذا.
خليل وهو لا يريد أن يعطي المحقق فرصة ليمن عليه ولو بقطمير: ولكنني لم أطلب ذلك.
المحقق: نعم أعرف، سأنقلك.
ومكث خليل عندهم إلى يوم الثلاثاء حتى جاء أحد الحراس وفتح الباب وناداه قائلاً، جهز نفسك ستذهب إلى البيت.
فعاد خليل إلى أهله وولده دون أي شرط أو قيد، ودون أن يتزحزح شبراً واحداً عن مواقفه وآرائه، فجزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.