أنور: لو فصلتم رأسي عن جسدي لن تأخذوا مني توقيعاً!
التفاصيل
أنور: لو فصلتم رأسي عن جسدي لن تأخذوا مني توقيعاً!
(إنما مثل أمتي كمثل ماء أنزله الله من السماء لا يدري البركة في أولها أو في آخرها)، بهذا الحديث الشريف نفتتح قصة الشاب أنور من حزب التحرير الذي ضرب بثباته أعظم آيات التحدي والكفاح في وجه السلطة الآثمة، فأعاد إلى الأذهان سيرة الصحابة الأُوَل الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل أقامة شرع الله.
خطيب السلطة يدعو للمنكر من على منبر رسول الله!!
صعد خطيب السلطة إلى منبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وخطب الناس، حتى كادت خطبته تنتهي، فجاء على ذكر الانتخابات التي تدعو إليها السلطة لتضفي الشرعية على نفسها فدعا للمشاركة فيها وادعى أنّها لا تخالف الحكم الشرعي، متغافلاً عن أنّ تلك الانتخابات حتى وإن كانت انتخابات بلدية إلا أنّها منصوص عليها كجزء من خارطة الطريق الأمريكية، وهي جزء لا يتجزأ من الاعتراف بشرعية السلطة التي تعني الاعتراف بكيان يهود.
حذارِ من الوقوع في الفخ
ما كان لأنور الذي أقسم حين انضم إلى صفوف حزب التحرير على أن يبقى حارسا أمينا للإسلام أن يسكت عن هذا المنكر، فما أن انتهت صلاة الجمعة حتى سارع إلى مقدمة الصفوف، ووقف شامخاً ليبين حرمة الانتخابات في ظل الاحتلال قارئاً على مسامع المصلين قوله تعالى:( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (51)المائدة
حذارِ حذارِ من الوقوع في هذا الشرك العظيم، بهذه الكلمات انطلقت حنجرة أنور محذراً من الوقوع في مثالب السلطة التي لم تزد الناس إلا رهقا.
وتبدأ رسائل التهديد
لم يعجب السلطة أن يجهر أنور بالحق أمام الناس دونما خوف أو مواربة، فبدأت بإرسال رسائل التهديد والوعيد عبر أهل الشاب، لأنّها تعلم تماما أنّه لا يجدي مع شباب الحزب ذلك، لذلك عادة ما تستخدم أسلوب إيصال الرسائل إلى الأهل لعلهم يضغطون على شباب الحزب، ولكن أنى لهم وقد وطد شباب الحزب أنفسهم وأهليهم على أن لا يخافوا في الله لومة لائم. فلم يكترث أنور برسائل التهديد، بل وكأن شيئاً لم يكن. حتى جاءه تبليغ من جهاز المخابرات التابع للسلطة يطلب منه الحضور.
ومع أنّ أنور كان يستطيع أن يتجاهل الطلب مثلما يفعل أكثر شباب الحزب، لكن أنور اختار أن يتوجه إلى جهاز المخابرات ليرى ما لديهم، بعد أنّ عاهد الله على أن يريه منه ما يحب، ولم يصطحب معه واسطة، ولم يتحدث إلى قريب له لعله يتوسط له قبل ذهابه كما يفعل بعض الناس ممن يخافون أو يهابون السلطة، بل ذهب وحده معتصماً بالله، الحبل المتين.
بين يدي المحقق
جلس أنور في مكتب المحقق، فبادره الأخير بالسؤال، فقال هل تنتمي لحزب التحرير؟
فأجاب أنور: نعم والحمد لله.
فلم يجد المحقق إلا أن يقول: كل الاحترام!.
ثم قال: أنت بينت في المسجد أنّ الانتخابات حرام.
فرد أنور: نعم وهذا منكر عظيم، أن يصل الحال بالخطيب أن يحث على المنكر وهو على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فسأل المحقق: وماذا قلت؟
أنور: قلت ما قاله ربنا (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) إلى آخر الآيات.
كان باستطاعة أنور أن يلحن في القول، ولكن صاحب المبدأ لا يخشى الإفصاح عنه.
نعم....... وكلما تأتي الفرصة
ويستمر المحقق في التعرف على ملامح شخصية أنور لعله يظفر بنقطة ضعف، أو يستطيع إقناعه بالعدول عن فكره وقناعاته، فيسأله المحقق هل تحدثت مع الناس غير هذه المرة، ويقصد بذلك هل حملت لهم الدعوة؟
فيجيب أنور دون مواربة: نعم.
فيبادر المحقق: وهل تنوي الحديث بعد هذه المرة، ظنا منه أنّ هذا الاستدعاء سيخيف أنور، فيرد عليه أنور: نعم وكلما تأتي الفرصة.
إلا أنّ أنور وهو من شباب الحزب الذين يحرصون على نشر الدعوة والتأثير في كل المسلمين من أجل تبني الإسلام، لا يفوت الفرصة حتى أمام هذا المحقق، فيعاجله بالقول: إلا إذا بينت لي أنّ الانتخابات تجوز شرعاً وأقنعتني بذلك.
فحينها أسقط في يد المحقق فقال: أنا لا أستطيع أن أغير قناعاتك
لا إجابة كالعادة
تظن السلطة أنها بمعرفة الترتيبات الإدارية في الحزب ستتمكن من إضعافه أو توجيه ضربات له، وما علمت أنّ الحزب قد ضرب بجذوره في الأرض، ولن تستطيع قوى الظلم كلها أن تنال منه.
ولما سجلت أجهزة السلطة الأمنية الفشل تلو الفشل في انتزاع معلومات إدارية عن الحزب، حتى أن محققيها قد استساغوا الأمر وباتت أسألتهم حول هذه الأمور من باب الأسئلة المعتادة التي يطلبها منهم قادتهم أن يوجهوها للشباب دون أن يحظوا بإجابة عليها. وهذا هو ما حدث مع أنور فلما سأله المحقق عمن يكون مسئوله في الحزب، تبسم أنور دون أن ينطق بكلمة، فاستدرك المحقق قائلاً: أعرف لا إجابة!! فأكد له أنور على ذلك قائلاً نعم.
يحمل الدعوة ولم ينه الإعدادية!
إنّ الفكر إن لم يكن له من الواقع ما يصدقه كان حمله حجة على حامله، وشباب حزب التحرير بفضل من الله قد تمثلت فيهم ثقافة الإسلام التي صهرتهم، حاملين لها حملاً مؤثرا، فكان على صغر أعمار الكثيرين منهم مكتهلين بفكرهم الإسلامي، فأعادوا بحملهم الدعوة سيرة الأولين، فها هو عمار بن ياسر وبلال ومصعب بن عمير يضربون أروع الأمثلة في صمودهم في الدعوة رغم أنهم لم يدرسوا في "اكسفورد" ولم يحملوا درجة الأستاذية من "السور بون"ولم يطوفوا بجامعات العالم، ولم يُقال عنهم فضيلة الدكتور أو سماحة الشيخ، ولكن الإيمان بالمبدأ هو الذي حولهما إلى شخصيات إسلامية فرضت نفسها على الدعوة، كما فرض صاحبنا أنور الذي يحمل الدعوة ولم ينه الإعدادية! هذا ما قاله أنور للمحقق عندما سأله عن تحصيله العلمي.
لو فصلت رأسي عن جسدي
المتأمل لأحوال رجال السلطة وأجهزتها الأمنية يكاد يجد العجب من أحوالهم، فالسلطة وأجهزتها الأمنية تعاني من عقدة إثبات النفس، بل وتعاني من عقدة إثبات الشرعية الغائبة، فترى أجهزتها الأمنية، تستأسد على معتقلي شباب الحزب من أجل أن تحظى بتوقيع ولو توقيع واحد على أي شيء سواء على الأقوال، أم على الأمانات، فضلا عن التعهدات، ولكن الرد يأتي كالصفعة على وجوههم بقول أنور: لو فصلتم رأسي عن جسدي لن تأخذوا مني توقيعاً.
مساومات في السجن وجواسيس أيضاً
بعد تحويل أنور إلى الزنازين هو ومن كان معه من شباب الحزب الذين بلغوا عشرة شباب، بدأت محاولات السلطة باستعمال أسلوب الترغيب والتذلل لعلها تنجح في كسب توقيع أحد الشباب، فكان الغادي والرائح من عناصرهم يمر على الشباب مذكراً إياهم بأهاليهم وأولادهم، قائلين لهم وقعوا وارجعوا إلى أبنائكم، ووصل الأمر بهم أن زرعوا اثنين من عناصرهم كجواسيس على الشباب في الزنازين، ولكن ذلك كله لم يفت في عضد الشباب، بل كان قولهم بأنّ السلطة كيان باطل، ولن نغمس أيدينا في هذا الباطل بالتوقيع على قراراتها.
التهديد بالمحاكمة
بدأت مرحلة أخرى من الضغوط على شباب الحزب بتهديدهم بالمحاكمة، وكان أنّ أحالوا عدداً من الشباب ومن بينهم أنور إلى محقق جديد، في ظل أجواء التهديد بالحبس والمحاكمة، فأُدخل أنور على هذا المحقق، وبدأ بطرح الأسئلة،
المحقق: أنت بينت أنّ الانتخابات حرام في المسجد؟
أنور: نعم
المحقق: هل أنت مذنب؟
أنور: لا، هذا واجب علي أن أبينه، ومنكر عظيم.
المحقق: إنّ الانتخابات تجوز
أنور: ما الوجه الشرعي
المحقق: الشورى
أنور: وهل تشريع الإنسان لشرع هو شورى؟! هل عندك مصحف؟ أريدك أن تقرأ ما قاله ربنا وما قلت بالمسجد، وقرأ الآيات وبين له حكم الله.
فقال المحقق وقد أصابه اليأس: أعلم أني لا أستطيع أن أغير قناعاتكم، ثم أضاف وقع.
ويرفض أنور التوقيع.
المحقق: لماذا لا توقعون
أنور: هل أقول لك بصراحة؟
سر بذلك المحقق وجلس براحة، فاشترط أنور على المحقق أن يتحمله، فرد المحقق: لك ذلك........
الماء البارد يُسكب على وجه المحقق بعدما تمنى الأماني!
ظن المحقق أنّه قد اقترب من الوصول إلى هدفه، وأنّ همة أنور قد ضعفت، فجلس براحة بانتظار ابتسامة النصر والظفر، واستمع إلى أنور الذي قال:
نحن لا نعترف بشرعية السلطة، الأنظمة العربية شأنها أكبر منكم ولا نعترف بها فكيف إذاً تتوقع منا أن نعترف بكم!!!!! الأمة الإسلامية يجب أن تكون كالجسد الواحد غير مجزأة.
ويبدو أنّ هذه الكلمات قد هزت المحقق وصدعت أركانه، فقال: نعم كلامك صحيح، لكن النفس المكابرة تأبى الانصياع إلى الحق، فعاد بسرعة واستشاط غضباً، وأخذ بالسباب والقدح والتلفظ بالألفاظ النابية.
سجني خلوة
هذا هو لسان حال أنور ومن معه من شباب الحزب في السجن، فلقد حولوا السجن إلى نموذج من الانضباط والتعاون والمصابرة مع الذين آمنوا وكل ذلك في إطار حمل الدعوة ونوال رضوان الله عز وجل.
وتستمر المحاولات الفاشلة
ومرة أخرى تحاول السلطة الضغط على شباب الحزب، فتارة يكثرون من الإلحاح على التوقيع، وتارة يقومون بمسرحيات من أجل إيهام الشاب أنّه قد تم الإفراج عنه، كي يتلاعبوا بأعصابه، وتارة يأخذون شاباً من الزنزانة ويضعونه في زنزانة أخرى كي يوهموا بقية الشباب أنّ ذلك الشاب قد خرج، أو يقومون بالافتراء عليه بأنّه قد وقع وخرج.
ولكن كل ذلك لم ينجح في النيل من عزيمة أنور وإخوانه ممن كانوا معه. فباءت محاولاتهم بالفشل.
استغلال الأهل والأقارب
من المحاولات التي تستخدمها أجهزة أمن السلطة أن تسمح لبعض أقارب الشباب بزيارتهم، وهذا أسلوب خبيث يحاولون من خلاله الضغط على الشاب من خلال أقاربه، فقد جاء والد أنور إليه في السجن من أجل أن يعوده أكثر من مرة، وبشفقة الأب وبساطته حاول أن يقنع أنور بالتوقيع ومن ثم الخروج من السجن، حاثا إياه أن يعود لأولاده الذين هم في اشتياق له، وكان كلما حدثت نفس أنور بأن يقسو على والده في الرد، تذكر بر الوالدين وأنّ رضوان الله لا ينال لعاصي، فخفض له جناح الذل من الرحمة، وبنفسية الواثق بنصر الله انقلبت الصورة، فالسجين عندما يرتكب جرما ويقبض عليه يكون في موقف الضعف والحاجة لمن يدعمه معنويا، أما حملة الدعوة في السجون فإنهم أقوياء بربهم وبدينهم الذي حملوه نورا ونارا، فكانوا هم من يثبتون عزائم من يأتي إليهم من أهليهم وأقاربهم.
دعوة في السجن كما هي أيضا في خارج السجن
الدعوة إلى الله عز وجل والى تحكيم شرعه هي كالكلمة الطيبة، وكم من كلمة طيبة أثمرت بعد سنين، وكم من دعوة تجذّرت في قطر وكانت ثمرتها في قطر آخر.
وهذا ما حصل مع الشباب، إذ قدر الله عز وجل أن يلتقوا بأحد المعتقلين من غير شباب الحزب وكان قد سمع بالدعوة من قبل، وبعد نقاش يسير يهيئ الله هذا المعتقل لأن يكون حاملا للدعوة وعاملا للخلافة، فكان لهذا الكسب عظيم أثر في نفوس الشباب المعتقلين هون عليهم ضغائن السجن.
استخفاف بكبراء السلطة
من سذاجة رجالات السلطة أنهم يظنون أنفسهم كبراء على أبناء جلدتهم، حتى إذ ما وقفوا أمام أول حاجز للمحتل زالت كبرياؤهم وتحولت إلى ذلة وهم ينتظرون الإذن من جندي غر لعبور هذا الحاجز أو ذاك الطريق، لذلك فلا عجب أن يكون في أنفسهم عقدة النقص التي يحاولون دون جدوى أن يكملوها، ولكن في غير الوجهة الصحيحة وذلك عبر التسلط على أبناء أمتهم.
فقد جاء عدد من هؤلاء "الكبراء" في زيارة إلى السجن وجالوا فيه، وقام كثير من المتواجدين في السجن بالتودد إليهم، إلا أنّ شباب الحزب بقوا على حالهم وكأن لا شيء أمامهم.
الشباب يغيظون الظالمين
راهن ذلك الجهاز الأمني المسمى بالمخابرات على عزائم الشباب أن يصيبها الوهن، ولكن دون جدوى، كان الشباب يتعمدون إظهار الغبطة والسرور بسجنهم، كي يغتاظ الظالمون.
ويفلس الظلمة
أمام صمود شباب الحزب في السجن وثباتهم على مواقفهم ومنهم أنور، أسقط في يد الظلمة وبدا لهم سوء صنيعهم، وأنّ قلوب الشباب قد اطمأنت بالدعوة، وأن لا قسوة السجن ولا البعد عن الأهل والولد ولا غرور أجهزة السلطة الأمنية بقادر على ثني عود الدعوة في نفوس شباب الحزب، وإذا بإفلاس هؤلاء الظلمة يبان وكأن لم يغن عنهم ما صنعوا، فجاء مدير السجن لأنور يقول له ها قد جاء موعد الإفراج عنك اليوم، وما كان من أنور إلا أن أظهر عدم فرحه ولهفته على الإفراج!!.
فما كان من مدير السجن إلا أن صرخ من الغيظ قائلاً: روحوووووووو................
وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً
حمل الدعوة له صور وأساليب كثيرة منها النصيحة اللينة ومنها القول البليغ المؤثر في النفس، وهذا ما أحب أنور أن يستعمله مع مدير السجن قبل خروجه منه فقبل أن يهم بالخروج من السجن أراد أن يحفر في قلب الظلمة كلمات تهز أركانهم وتنبأهم بسوء صنيعهم.
فبادر مدير السجن بالقول "أنتم ظالمون" والله يقول (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)، ومن ظلمكم أنكم وضعتم أخاً لنا في زنزانة وأطفأتم الضوء وهو رجل يرى بصعوبة، فيا ويلكم عند الله.
فرد مدير السجن معتذرا بالقول لم نكن نعلم أنه يرى بصعوبة، المهم سامحونا، فيرد أنور: تريدون أن تحسنوا صورتكم!! وتخفوا سوء أفاعيلكم!!!
وهكذا خرج أنور سالماً غانماً لم يضره مع الله شيء، نسأل الله له ولإخوانه الأجر والثبات على الحق، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.