قصة اعتقال عبد الرحمن هذه، قصة باتت تتكرر في الآونة الأخيرة كلما أعلن الحزب وحملة الدعوة عن نيتهم عقد محاضرة أو فعالية تذكر الأمة بأهمية العمل لإقامة الخلافة وتستنهض هممهم، فما أن يتوجه الشباب والأنصار والناس إلى هذه الفعالية حتى يجدوا أمامهم قوات السلطة التي استمرأت أن تسلك مع الخلافة ودعاتها مسلك الغرب الكافر والأنظمة العميلة التي تقف في وجه عودتها، ولكن أنى أن يفت ذلك في عضد شباب الحزب بما حملوه من إيمان راسخ وعقيدة تخر لها الجبال، بل على العكس من ذلك فقد نما عود شباب الحزب واشتدت سواعدهم فباتت عصية على الانكسار، وهذه القصة مثال:
 
البداية ... تلبية النداء ...
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
لبى عبد الرحمن النداء الذي وجهه إخوانه شباب حزب التحرير في بلدة يطا-الخليل من أجل حضور محاضرة في قاعة البلدية، بيد أن ما لم يعرفه عبد الرحمن وإخوانه أنّ السلطة قد أغلقت قاعة البلدية، وبدأت حملة مسعورة لمنع عقد المحاضرة واعتقال كل من تطاله أيديهم. فما أن وصل عبد الرحمن مشارف يطا حتى علم بأنّ السلطة قد منعت المحاضرة، وأنّ قوات كثيفة قد تمترست أمام مقر المحاضرة من أجل منعها، فلم يكن منه وإخوانه أن يعودوا أدراجهم قافلين، بل كان الإصرار قرين عبد الرحمن ومن معه من حملة الدعوة للتوجه إلى المكان وذلك لتكثير سواد حملة الدعوة ولإيصال كلمة الحق للظالمين، وكأن قول الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }ماثل أمام أعينهم.
 
محاربة لدعوة الله ودوس على القانون
لو حاكمنا السلطة بشرع الله – وهو الأصل- لوجدنا أنها غارقة في الإثم من أعلى رأسها إلى أسفل أخمصيها، فمنع الدعوة إلى فكرة الخلافة إثم ومبارزة لله بالعدوان، ولو أردنا أن ننظر للسلطة من خلال قوانينها لوجدنا أنها أول من يدوس على هذه القوانين التي تنص على أن تنظيم فعالية أو محاضرة في قاعة مغلقة لا يحتاج حتى إلى مجرد إشعار السلطة. وهذا ما كان من السلطة حيث منعت عقد المحاضرة بالقوة، وبدلاً من أن يعود جنودها أدراجهم ويجلسوا في منازلهم ليبكوا على خطيئتهم، أو حتى يستترون من الناس من سوء صنيعهم، بدلاً من ذلك دفعتهم المكابرة والعناد والاستكبار إلى محاولة اعتقال كل من تصل إليه أيديهم، وحتى من كان في الشارع، فكان عبد الرحمن وإخوانه ممن طالتهم أيدي الظالمين.
 
دايتون يريد صوراً جديدة
يقول صلى الله عليه وسلم (كل أمتي معافى إلا المجاهرين)، وهذا هو حال أفراد الأجهزة الأمنية الذين استمرؤوا الولاء والتبعية لأمريكا، فبمجرد وصول الشباب إلى المعتقل، حاولوا أن يأخذوا صوراً شخصية لعبد الرحمن في المعتقل، فكان أن واجههم عبد الرحمن بالقول: لماذا؟ لكي ترسلوها إلى دايتون _ الجنرال الأمريكي الذي كان يشرف على قوات السلطة_ فكان الجواب نعم، لكي نرسلها إلى دايتون فهو يريد صوراً جديدة.
فحتى أفراد الأجهزة الأمنية العاديين باتوا يعلمون بأنّ سيدهم الفعلي هو الجنرال الأمريكي، فيا له من ذل وصغار يأباه الرجال لو كانوا أحراراً!!
 
لا يشرفني أن يكون لي بكم علاقة
لقد تحولت العلاقة مع هؤلاء الظالمين الذين قبلوا دخول أجهزة أمنية، مهمتها الوحيدة حماية كيان يهود، والوقوف في وجه الإسلام، إلى شبهة ومحل ذم، مع صفتهم الأمنية السوداء.
فما كان من عبد الرحمن عندما طلب منه المحقق رقم التليفون أو المحمول، إلا أن رفض إعطاءهم أية أرقام له، على الرغم من أنهم يعرفونه ويعرفون مكان سكنه، بل وزاد على ذلك بالقول بأنني لا أريد التواصل معكم بأي شكل من الأشكال، فطار جنونهم واستشاط مديرهم غضبا، وأخذ يسب نفسه وقواته بكلمات بذيئة تنم عن البيئة السائدة في مثل هكذا أجهزة، ومن فرط انفعاله وإقراره بفشله قال للمحقق أمام عبد الرحمن "الغ كل ما اتفقنا عليه" في إيماءٍ بالتهديد.
وخرج مدير السجن من الغرفة والمحقق معه مستسلمين، وأخذ يتشاور مع حاشيته فقال له أحدهم "كلهم مثله، ماذا ستأخذون منهم ؟!!".
 
وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر
لقد حرص عبد الرحمن بعد أن أخرج من غرفة التحقيق إلى غرفة الاحتجاز أن يتناصح مع إخوانه المعتقلين الآخرين، مذكراً إياهم ونفسه بالصبر على البلاء، وبأهمية عدم إعطاء الظالمين ما يريدون، كالسؤال عن حملة الدعوة الآخرين أو عن أرقام التلفونات أو غيرها من معلومات ولو كانت بسيطة. في موقف يدل على إدراكهم لمعنى الحزبية والتفاني من أجل الدعوة، فهم رجال دولة حقيقيون.
 
المعلومات لن تكون على طبق من ذهب
لا شك أنّ حامل الدعوة معروف في مجتمعه ووسطه، ذلك أنّ الدعوة والفكرة إن تمثلت في إنسان فإنها لا تطيق أن تبقى حبيسة نفسه، ومن حمل الدعوة الحرص على إظهار المبدأ والفكرة، وطبيعي لمن انصهر بثقافة معينة أن تُعرف ميوله وتوجهاته وكذلك انتماؤه.
ومع ذلك فإنّ مكان وتوقيت كشف الانتماء إنما يحدده الموقف وشكل الرسالة التي يريد أن يوصلها الشاب لمن يتصل به أو يناقشه، ولذلك قرر زياد _أحد شباب الحزب ممن كان مع عبد الرحمن_ أن لا يعطي هذه الأجهزة الأمنية أية معلومة حتى لو كانت عندهم، لأنّه يعلم تماما أنها ستفيدهم هم ومن وراءهم من أجهزة استخبارات يهود وأمريكا، بل وحتى جهاز المخابرات الأردني.
فعندما سأله المحقق أمام عبد الرحمن، هل تنتمي لحزب التحرير، رد عليه زياد بقوة: انتمائي لا يعنيكم، وهو هنا وإن كان يدرك أن الضابط والمحقق يعلمان بأنه من حزب التحرير، ولكن زياد قرر أن لا يكون لقمة سائغة لمن يجاهر علانية بأنه يعطي معلوماته أولا بأول إلى دايتون، وأن لا يقدم لهم المعلومة على طبق من ذهب.
فأسقط في يد المحقق حتى قال لمن حوله "ماذا ستأخذون من هؤلاء إذا ؟!".
 
أساليب خبيثة للتحايل على الصلابة
استدرك المحققون بعد التعامل مع كل من عبد الرحمن وزياد وفشلهم الذريع معهما، بعض الأساليب التي من شأنها إيقاع الأذى النفسي والضغط على الشباب من خلال الكذب والتدليس عليهم، بمحاولة عزل بعضهم عن بعض بغية أن تخور قواهم ويسيرون مع المحققين فيما أرادوا.
ومن هذه الأساليب أن يقوم المحقق بعد استدعاء أحد الشباب إلى التحقيق ومن ثم إخراجه من غرفة التحقيق بعزله عن بقية المعتقلين وعدم إرجاعه إلى نفس الزنزانة، ومن ثم الكذب على البقية بأن الشاب السابق قد اعترف ووقع وخرج، ظناً من المحققين أنهم بذلك يضعفون من عزيمة حملة الدعوة ويحملونهم على التعاون معهم.
ولكن الأمور سارت على غير ما يتمنى المحققون، فبعد إخراج كل من عبد الرحمن وزياد إلى الساحة الخارجية وعدم إعادتهم إلى الزنازين، وإدخال الشاب الأول قال لهم في أنفسهم قولا بليغا، وكذلك الشاب الثاني ثم الثالث حتى فرغوا من كل الشباب، ولم يجد المحققون في كلام الشباب إلا القوة والعزيمة والقول البليغ الذي يؤثر في النفوس، وهكذا كان التحقيق مع الشباب ينزل كالصفعات المتتالية في وجوه المحققين.
أسلوب خبيث آخر: دس الجواسيس داخل السجن
من الأساليب الخبيثة التي يبدو أنّ أجهزة السلطة قد تعلمتها من كيان يهود في تعامله مع الأسرى، أسلوب بالغ الوضاعة والخبث ألا وهو الإتيان بمعتقلين أو بمندوبين ودسهم داخل السجن والزنازين من أجل أن يكونوا عيونا على حملة الدعوة ينقلون إلى المحققين ما قد يساعدهم في الضغط على شباب الحزب، وإشاعة أجواء الخوف والتثبيط.
ولكن الله أنار بصيرة الشباب لمثل هكذا تصرف الذي حاول من خلاله الظالمون تثبيط المعنويات والفت في عزيمة الشباب والحث على توقيع تعهدات للسلطة الوهمية وأجهزتها.
وبدلاً من الاستجابة لهم بدأ الشباب باستهدافهم بالأفكار، الأفكار الصادقة المليئة بالحرارة والتي يصدقها الواقع، والتي لا يمكن لأي إنسان إلا أن يستجيب لها، فكان هذا هو الأسلوب الأنجع في التعامل مع هؤلاء المرجفين المدسوسين، فلم يملكوا بعد ذلك إلا التراجع والتهرب من حملة الدعوة، بعد أن تم مجابهتهم بسهام الفكر القوي الذي يزلزل النفوس دون الخوض في الأمور الأخرى.
 
ذعر المحققون، والنائب العام يكاد يجن
لم يكن السجن ليفت من عزيمة الشباب، حتى أنهم قد أعادوا سيرة المسلمين الأوائل الذين حملوا الدعوة دون أن يأبهوا بعرض من الدنيا زائل، فادخلوا شعوبا في دين الله. وهكذا كان حملة الدعوة في السجن نوراً يضيء للآخرين الطريق ونارا تحرق الظلم، مما أثار الرعب والذهول من قوة الأفكار التي كان الشباب يناقشون بها.
وها هو النائب العام بعد أن تم تحويل حملة الدعوة إليه وبدأ وبمجالستهم واحداً واحداً، ومحاولته حثهم التوقيع على تعهد من أجل الإفراج عنهم، ها هو يصرخ ويصيح في أحد السجانين قائلا: "لا تحضروا لي أحداً، رأسي يكاد ينفجر".
 
"وقع ... وروح"!!
بعد أن أعادوهم إلى السجن لرفضهم التوقيع، استمات مدير السجن والسجانون والجنود وكل من في السجن حتى مسئولي التموين فيه وهم يرددون شعار "وقع وروح"، فلم يبق من مدير السجن إلا أن يستأجر عمالاً من خارج السجن لأجل ترديد هذه العبارة على مسامع حملة الدعوة، لعله بذلك يهبط من عزائمهم، حتى أنه قد استخدم الأهل في الضغط على المعتقلين، وذلك بمحاولة إقناع أهل الشباب بأن المسألة بسيطة وأن الأمر ما هو إلا توقيع على تعهد باحترام قوانين السلطة ومن ثم يتم الإفراج عن ذويهم، وما علم هذا الغر أن مثل هذه القوانين هي ما قام هؤلاء الرجال من أجل إفنائها، وكل هذا يتم أيضا في ظل أجواء الكذب والتدليس من قبل السجانين بأن فلان قد وقع.
 
محاسبة للظالم وتحذير من دوران الدوائر
كان مدير التحقيق قد ترك اثنين من الشباب في الزنزانة دون أي غطاء طوال الليل والنهار رغم البرد، فما كان من عبد الرحمن إلا أن ابتدره في إحدى جلسات التحقيق بالمحاسبة على هذا الظلم وبالقول له: ألا تخشى عقاب الله؟؟؟ ألا تخشى من دائرة الدوائر؟؟؟.
ثم أخذ بالهجوم عليه وبتذكيره بتقوى الله وعقابه، وأنّ الله بالمرصاد للظالمين الذين يظلمون الناس، فأخذ يبرر بأنهم استفزوه وآلموه في الحديث، فقال له، مهما حصل منهما الأصل أن لا تتصرف هذا التصرف، ثم أخذ يتفلت ثم انصرف.
 
ومن يتق الله يجعل له مخرجا
بعد كل المحاولات اليائسة والتي استمرت أياماً من أجل النيل من عزيمة الشباب دون جدوى، فإنّ الله عز وجل قد آذن بالفرج، فها هو أحد السجانين يقترب من عبد الرحمن ويقول له خذ أغراضك لقد جاءك الإفراج. وحينها يستحضر عبد الرحمن قوله تعالى : (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً).وصدق الله العظيم.
29/7/2010