صلاح: سأخرج من السجن بشروطي !!
 
لقد سطر الشاب صلاح، أحد شباب حزب التحرير، بمواقفه في التحقيق أحد أنصع صور التحدي والصلابة أمام أجهزة السلطة الفلسطينية التي اعتقلته وحاولت بهمجيتها وأساليبها أن تنال منه دون جدوى، فاستحقت قصته أن تُنشر لتعطي للناس صورة عن حقيقة رجال الحزب، ولتكون عبرة لمن لم يعرف في السلطة الفلسطينية لغاية الآن من هم شباب حزب التحرير، المتوكلون على الله، العاقدون العزم على المضي قدماً في مشروع نهضة الأمة الإسلامية مهما كلفهم ذلك.
 
كاللصوص وقطاع الطرق
بوقاحة السلطة وبلطجيتها المعتادة في مداهمة البيوت وتنفيذ عمليات الاعتقال بحق من تريد دونما غطاء قانوني، حتى وإن كانت تستصدر الغطاء من موظفيها، قامت قوات من الشرطة بمداهمة محل الشاب صلاح ومن ثم تفتيش المحل، واعتقال الشاب دون أن يكون بحوزتها مذكرة اعتقال أو تبليغ حضور أو إحضار أو غير ذلك من الأوراق التي يعتبرونها هم قانونية تحفظ ماء وجوههم أمام قضائهم، ويأتي هذا التصرف من جهاز الشرطة الذي يعتبره المراقبون أكثر الأجهزة انضباطاً بالقانون.!!
ولأنّهم في العادة لا يجرؤون على ارتداء زيهم العسكري في المناطق التي تصنف بمناطق (ب)، أو لأنّهم يتصرفون كاللصوص وقطاع الطرق، وكلاهما خزي، فقد اقتادوا الشاب إلى مركز الشرطة بسيارة مدنية ودون أن يرتدوا زيهم العسكري.
ماذا يتوقع هؤلاء أن يجدوا في محل الشاب؟
سلاح الشباب ومصدر قوتهم وعملهم الدائم، إنّه الفكر والدعوة.
 
التحدي منذ البداية
المحقق: هذه النشرات لك ؟ وهل أنت من حزب التحرير؟
الشاب فضل التحدي منذ البداية، ولم يشأ أن يفهم المحقق ولو للحظة واحدة أنه قد اهتز له جفن.
فغامر بإعطاء المحقق معلومة تفيده هو ويهود ودايتون في بناء قاعدة بيانات يرجعون إليها عند الحاجة، وكل ذلك من أجل التحدي الصريح.
نعم هذه النشرات لي وأنا من حزب التحرير.
المحقق وهو يتجاهل حاجة الأمة الماسة لحزب مخلص يعمل من أجل استعادة عزة الأمة وانتشالها من مستنقع التردي والتبعية والتخلف، حزب يسعى لإقامة الدولة التي تنتصر للمسلمين ولحرماتهم التي تنتهك صباح مساء، ولمقدساتهم التي تُداس، ولبلادهم التي احتلت، فيسأل الشاب، لما أنت في حزب التحرير؟
ويأتي الجواب المختصر للسؤال الذي جوابه حاضر في ذهن المحقق ولكنه أبى إلا أن يتغافل، فقال له الشاب بلسان الواثق: من أجل نهضة الأمة بالإسلام عن طريق إقامة دولة الخلافة الراشدة.
 
 ويبدأ التخويف
المحقق يحاول إخافة الشاب قائلا له: أنت اعتديت على السلطة، لأنّ هذه النشرة اعتداء على السلطة، -ويقصد بالنشرة البيان الصحفي الذي أصدره الحزب وفضح فيه سلوك السلطة الهمجي مع الندوة التي كانت من المقرر عقدها في قاعة بلدية قلقيلية، حيث أغلقت السلطة القاعة ومنعت الندوة واعتدت بالضرب على كبار ووجهاء قلقيلية.-
ولكن حجة الشاب تسبق السيف، فأجابه:
بل السلطة هي التي اعتدت على الحزب، فمنعت الندوة، وضربت الحضور، واعتقلت الناس. فأسقط في يدي المحقق ولم يجد ما يجيب به.
المحقق: من أين أتيت بهذه النشرة ؟ ومن أعطاك إياها؟.
الجواب على غير ما يتوقع المحقق ويشتهي، وهو الجواب الذي لا يتصور المرء غيره من حامل دعوة صادق مع الله ومع الناس معاً. فقال:"لا جواب عندي، فنحن لا نعطي معلومات عن الحزب".
ولماذا؟
لأنه حرام شرعاً، لأنه قد يلحق الضرر بالحزب وشبابه.
فوقع اليأس في قلب المحقق فرأى أن يحوله إلى الأمن الوقائي لعل الأمن الوقائي ينتزع من الشاب ما عجزت عنه الشرطة.
 
الأمن الوقائي، الأسطورة الكاذبة!!
الأمن الوقائي وكالعادة يظن نفسه أنّه الذي يأمر فيُطاع، ويزمجر فيُهاب، فيتصرف وكأنّه شديد البأس فيحكي انتفاخاً صولة الأسد. ولكن أنى لهذه المظاهر الخادعة أن تنطلي على من اعتصم بحبل الله فبات كالجبل الأشم، لا يهمه رضى أحد سوى الله، ولا يفكر بمداراة أحد ولو بالكلام على حساب الدعوة التي وضعها كالتاج على رأسه.
فما أن كان السؤال الأول: من أنت حتى توزع هكذا نشرات، ومن أعطاك إياها؟
الجواب باختصار، هذا أمر الله. ولن أقول لك شيئا عن مصدرها!!
المحقق يصرخ عالياً ويبدأ يشخط: أنت هنا في الأمن الوقائي، يجب أن تجيب عن كل الأسئلة!. وإن لم تقولها باللين ستقولها بالقوة!.
المحقق، خذوه إلى الزنزانة. يظن أنه بذلك سينال من عزيمة صلاح الذي أبى أن يجيب المحقق على السؤال بعد أن أخرجوه من الزنزانة بعد فترة ليقول لهم: لا جواب عندي.
جن جنون المحقق، حتى وصل الأمر به من غيظه أن يسب على نفسه ومن معه وكسر كرسياً كان أمامه.!
تدخل أحد مساعدي المحقق لما رأى من سوء حال المحقق، ليقول للمحقق: عذبه وكسره ليقول من أين جاء بالنشرات.
ولكن صلاح مصراً: لن أقول لك.
يبدو أن المحقق قد أدرك شخصية صلاح، فهو ليس بالرجل اللين ولا بالجبان، إذا لا فائدة من إكمال مشوار القوة.
 
فيبدأ التذاكي والخداع
صلاح، أنت شخص غير محترم في بلدك وأنت تدرس بدون إذن، المحقق يقول.
صلاح: الإذن من الله وكتمان العلم حرام.
ولم ينس صلاح أن يشير إلى آخر الزمان الذي تتغير فيه المقاييس ليقول للمحقق بأنه لا يكترث بما يُقال عنه فيقطع بذلك الطريق عليه.
فلم ينجح المحقق في تهبيط عزائمه.
لعل الإطراء والمديح يعمي القلوب
المحقق: صلاح، أنت محترم وعائلتك محترمة لا نريد لك الإهانة، نريد الإفراج عنك ولكن قل لنا؟
لم يغب عن صلاح حرمة الإضرار بالحزب وشبابه، فهو يعرف أنّها دعوة رب العالمين التي تستحق التضحية بالغالي والنفيس.
صلاح: لن أقول لكم شيئاً عن الحزب وشبابه وجسمه.
المحقق وبعد أن ضرب الطاولة التي أمامه حتى أصابت سقف المبنى، يرجو صلاح أن يعطيه المعلومات، وبلا فائدة.
حينها لعله خطر في ذهن المحقق أن يغرر بصلاح، ظاناً أن صلاح قد يكون ممن قد يشك في إخوانه ممن حملوا الدعوة معه وقبله وبعده، أو لربما ظنه ممن يتبعون أشخاصا لا أفكاراً، وشخصيات لا قناعات.
فيبدأ يذكر له شابين من الحزب ليقنعه بأن أحدهما اعترف والآخر كان سهلا لينا ولم يكن مثلك، فلما لا تكن مثلهما يا صلاح. ولكن أنى لصلاح أن يقع في أحابيلهم، فالجواب جاهز عنده:
أنا لست فلان ولا فلان، أنا صلاح الدين. ولن أقول لك شيئاً، لأنه حرام شرعاً.
 
الدنيا كلها تعرف أنّ الحزب صادق لا يكذب
بعد أن فقد المحقق الأمل في أن يأخذ معلومة واحدة من صلاح، رغم السجن والتهديد والوعيد والكذب والخداع، في تحقيق استمر ساعات طوال، أمر بنقله إلى موقع أخر ليحاول غيره انتزاع الاعترافات من الشاب الذي استعصى على الانكسار.
 فبعد سجنه لأكثر من ست ساعات في غرفة ضيقة يبدأ محقق جديد التحقيق معه، ليبدأ نفس الأسئلة، من أين أتيت بالنشرات؟ والجواب لم يتغير: لا جواب.
المحقق: النشرة فيها كذب، السلطة منعت المحاضرة ولكنها لم تضرب الناس!
صلاح: بل ضربتهم، والدنيا كلها تعرف أن الحزب صادق لا يكذب.
المحقق: لماذا تتحمل العقوبة وحدك، اعترف؟
صلاح: الجواب جواب الله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }.
وقع اليأس في قلب المحقق، أخرج مع السلامة، وكان ذلك الساعة الواحدة ليلاً.
 
 كأس الهزيمة علقم
لقد كانت ثقيلة على الأمن الوقائي الذي رسم لعناصره صورة الجهاز الذي لا يستعصي عليه أحدٌ أن يتجرع كأس الهزيمة من شاب لا حول له ولا قوة، فلا واسطة ولا عقيد خلفه ولا عشيرة تحميه، سوى أنّه توكل على الله.
فما أن سار الشاب مائة متر خارج السجن حتى عادوا بقرارهم وأعادوا اعتقاله!!
وبعد احتجاز لليوم التالي، المحقق عاد ليفاوضه، بأن يعترف على شابٍ واحد فقط ومقابل ذلك يخرج من السجن أو تسجن حتى تعترف. المحقق يعرف أنّ من يهن يسهل الهوان عليه، فهو لا يريد في البداية سوى أدنى تنازل. ولكن صلاح كان له بالمرصاد.
صلاح: أقول لكم كما قال يوسف عليه السلام: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ }
نعم، إنه الجواب الذي ما بعده جواب، وإنّها الحكمة التي تفيض من ثنايا الكلام.
 
سنفرج عنك بشروط
دب اليأس مرة أخرى في قلب المحقق من أن يحصل على شيء من صلاح. ففكر المحقق أن يفر ولكن ولو بغنيمة واحدة.
نفرج عنك يا صلاح ولكن بشرط.
صلاح: بل أخرج وبشروطي أنا فقط.
المحقق: ممنوع إعطاء الدروس في مسجد بلدكم، وممنوع التعرض للسلطة.
صلاح: بل سأستمر بإعطاء الدروس في المسجد.
المحقق: إذا لا تتعرض للسلطة والأنظمة.
صلاح:لا، هذا يخالف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن عمل الحزب الكفاح السياسي ومنه فضح المؤامرات وكشف خطط الاستعمار والحزب سيفضح الأنظمة على رؤوس الأشهاد.
المحقق: اذهب مع السلامة.
حقاً إنها مواقف الرجال، فجزى الله أخينا خير الجزاء على صبره وثباته، وجعل ذلك في ميزان حسناته، اللهم آمين.
29-6-2010