عدادات الكهرباء مسبقة الدفع جريمة اقتصادية جديدة من جرائم السلطة
بقلم: د. عبد الله بدر
تقوم السلطة الفلسطينية منذ مدة بتركيب عدادات للكهرباء مسبقة الدفع (الكرت) في مناطق مختلفة في فلسطين لمن يقبل ولمن لا يقبل من الناس, حتى أنها أحيانا تقوم بذلك بتواجد من أجهزتها الأمنية حتى تخيف الناس, وحتى لا يفكروا في الرفض إن شاءوا, كما تعمل على تهديد من يرفض بالعقوبة.
والحقيقة أن عمل السلطة هذا ليس عملا تحصيليا بريئا لأثمان الكهرباء المترتبة على الناس من خلال أسلوب الكرت, وإنما هو مشروع تضييق وملاحقة للناس ومقدراتهم خدمة لجيب السلطة التي تحارب أهل فلسطين في أرزاقهم, وهو عمل يأتي في سياق هجمتها على أهل فلسطين اقتصاديا بعد أن أسلمت البلاد ليهود, وبعد أن قامت بكل الموبقات السياسية والثقافية والاقتصادية خدمة لمن أوجدها.
والسلطة كما بات يدرك ويلمس أهل فلسطين تعمل على خنق الناس ونهبهم اقتصاديا بشتى الوسائل حتى ينفق رجالها الفاسدون, وحتى تصرف على أجهزتها الأمنية التي تعمل على اسكات صوت من يعمل على محاسبتها وكشفها ومنعها من المضي في غيها خدمة لمن أتى بها. وما أنواع الضرائب التي تتفنن السلطة في فرضها على الناس, ورفع أسعار السلع كالوقود واستئثارها بها إلا مثال على ذلك.
إن هذه السلطة تبدع في استحداث أساليب رأسمالية تنهب بها أهل فلسطين لتكسر إرادتهم وصمودهم, وهي لا تفكر في رعاية الناس, فهذا ليس في قاموسها. وفي هذا السياق تحديدا يأتي مشروع عداد الكهرباء والكرت مسبق الدفع, وربما أتى بعده عداد الماء والهواء!
والناظر في فكرة كرت الكهرباء والذي تعمل السلطة على تعميمه, بل وفرضه على الناس يخلص إلى الأمور التالية:
أولا: إن فكرة الكرت فكرة رأسمالية بشعة هدفها في المقام الأول نهب الناس لصالح سلطة تخدم يهود, وهدفها التضييق على الناس في فلسطين حتى يرحلوا عنها, وهدفها ارضاخ الناس للقبول بموبقات السلطة وجرائمها السياسية.
ثانيا: لا يوجد كيان (إن كانت السلطة كيان) سياسي في العالم يجبر الناس على دفع الخدمة على المرافق مسبقا, وهذا يدل على أن السلطة لا تفكر في رعاية الناس, وإنما تعمل على ملاحقتهم بشتى السبل من أجل نهب مقدراتهم.
ثالثا: إن تذرع السلطة بفرض الكرت مسبق الدفع على الناس بسبب أن بعض الناس لا يدفعون أمر مكشوف مفضوح, وهو كلام مردود, فلا يعالج خطأ من لا يدفع بخطيئة تطال شعبا بأكمله. إن السلطة تكذب على الناس عندما تروج هذا, فهي تفرض الكرت مسبق الدفع ليس لأن البعض لا يدفع, بل لأهداف خبيثة أخرى.
رابعا: إن السلطة تريد أن تستخدم هذا الكرت المشؤوم من أجل التضييق على أهل فلسطين, ليس فقط في جانب الكهرباء, وإنما في جوانب كثيرة في حياتهم. ولو تعلق الأمر بالكهرباء فقط لكانت النتيجة مصيبة واحدة. إن السلطة تريد أن تقبض على الناس بالكامل, من خلال هذا الكرت, عن طريق جعلة أداة لاستيفاء مستحقات لا علاقة لها بالكهرباء مباشرة, من مثل رسوم الخدمات والمياه والغرامات وحتى الضرائب. فعندما ينفذ شحن الكرت ويسعى صاحبه لتعبئته يفاجىء أنه خصم عليه مستحقات كذا وكذا, فلا يستطيع إلا أن يستسلم لكل ما تفرضه عليه السلطة, وإلا فالبديل هو قطع الكهرباء.
وإذا كان أمر ثمن الكهرباء واضحا, فكيف بالضرائب التي تفرضها السلطة من جانب واحد ولا يستطيع المرء أن يناقش فيها, ولا يستطيع إلا أن يدفعها كونها ربطت بكرت الكهرباء؟ إن السلطة تريد أن تجعل من كرت الكهرباء مصيدة لا يستطيع الناس الانفكاك من حبائلها متى قبلوا بها, والله أعلم ما يمكن أن تستخدم هذه الأداة من أجله في المستقبل؟! وقد بدأت المصيدة تعمل بالفعل, ففي أكثر من مكان بدأت البلديات تخصم, وبشكل الكتروني, مباشرة من الكرت بدل خدمات ورسوم. كما بدأت بلديات برفض تعبئة كرت الكهرباء إلا بعد تسوية كل الذمم المالية للشخص عند السلطة كالضرائب والتراخيص وأثمان الماء والغرامات. وبهذا جعلت السلطة الناس أسرى ورهائن عندها, وهذا ليس غريبا عليها, فهي سلطة جباية لا رعاية.
خامسا: والكيانات السياسية الرشيدة والشرعية والراعية إنما تحرص على خدمة الناس في مرافق الحياة المختلفة كالماء والكهرباء والتليفون والتطبيب وغيرها, وهي تجهد من أجل توفير أفضل خدمة ممكنة في هذا الصدد, كما تعمل على خفض تعرفتها (إن لم تلغها بالكامل) من أجل رعايتهم, ولا تأخذ المال إلا بعد أن يستفيد الناس من الخدمات. لكن السلطة العتيدة لا يسبقها أحد, في الأولين ولا في الآخرين, في صنيعها, فهي تحرص أن تستوفي من الناس قبل أن تفكر في خدمتهم, وهذا دليل على ظلمها وارتباطها, وهو دليل واضح على أنها لا تعتبر الناس رعيتها, بل عدوا لها. ولنتصور لدقيقة ما كان ليفعل نظام إسلامي يحكم الناس في هذا الموضوع. والجواب بسيط: يهتدي بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام القائل:"الناس شركاء في ثلاثة: في الكلأ والماء والنار" فيعتبر أن الكهرباء نار لا يجوز أن يستأثر بها أحد, وأنها يجب أن توفرها الدولة للناس تماما كالطعام.
سادسا: والسلطة بتطبيقها لنظام الكرت مسبق الدفع تعمل على خصخصة الكهرباء (وربما الماء بعد ذلك) ليكون في يد النخبة الرأسمالية المرتبطة التي تحكم فلسطين. وهكذا, فهي -أي السلطة-, في كل رؤيتها وتخطيطها الاقتصادي, تتصرف كشركة خاصة لا تقبل إلا أن تكسب وعلى الدوام, ولا يهمها مساعدة الفقراء وغير القادرين. إن السلطة ورجالاتها يعتبرون فلسطين مشروعا اقتصاديا ينفخ جيوبهم وكروشهم, وكرت الكهرباء الذي يأخذ الناس رهينة عندهم أداة فعالة لتحقيق ذلك.
سابعا: والسلطة الفلسطينية العصابة لا تستند في فرضها للعداد مسبق الدفع لأي قانون, لأنها تدرك أنه مخالف للعقود بين الناس وبين البلديات في موضوع الكهرباء. فالعقود تنص صراحة أن الدفع يكون بعد استيفاء الخدمة. ولأن الكرت طريق للنهب والسلب غير شرعية, وحتى غير قانونية عند السلطة, فإن السلطة تعمل على تطبيقه, بالتضليل, وعلى طريقة الشبيحة الذين يشتغلون في الظلام. فهي تهدد الناس إن رفضوا, وتلوح بالقوة من أجل ذلك, وتستخدم القوة بالفعل في أحيان, وتعمل على تضليل الناس حول حقيقة الكرت, وتبدأ بأطراف المدن والمجتمعات الصغيرة. وهي تفعل كل هذا بهدوء وبصمت كاللصوص. ولو أنها استندت لقانون أو كان عملها شرعيا, لما قبلت أن تعيد شبك الكهرباء, على طريقة الخط, لأناس طالبوها بذلك بعد أن ركبت لهم عداد كرت واكتشفوا أنه مصيبة.
أخيرا أٌقول: إن عداد الكهرباء مسبق الدفع فكرة دنيئة تستخدمها سلطة غير شرعية من أجل محاربة أهل فلسطين في مرفق أساسي من مرافق حياتهم, وتحويلهم إلى رهائن لدى رجالاتها الذين فرطوا بالبلاد والعباد. وعلى الناس أن يتنبهوا إلى أن السلطة, من خلال كرت الكهرباء, تتحكم بمقدراتهم وتبتزهم وتعمل على إيرادهم موارد الهلاك والعياذ بالله. قال عليه الصلاة والسلام:"اللهم من ولي من أمر أمتي شئيا, فشق عليهم, فاشقق عليه, ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم, فارفق به." رواه مسلم.
25/5/2012