الدكتور ماهر الجعبري / عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - فلسطين
من يجرؤ أن يشترط على يهود من يشكّل حكومتهم أو أن يسألهم ما هو برنامجها ؟ ومن يتابع برنامج دولة الاحتلال للتسلّح النووي منذ عقود وأي مؤتمر يمكن أن يعقد لمراقبة ذلك النشاط التسلّحي؟ وفي المقابل، كم هم الذين يجرؤون على التدخل في أدق تفاصيل المحاصصة الفلسطينية وفي تحديد معالم برنامج حكومة الوحدة الوطنية للسلطة الفلسطينية ! وكم هم الذين يستعدون للمشاركة في جهود منع برنامج تسلح المقاومة من رصاصات وصواريخ تنتجها مشاغل الحدادة وحشوات متفجّرة تطبخ في طناجر الأرز!
الجواب واضح، فالمعادلة هي معادلة الأقوياء، واليهود يتصرفون كرقم "معقد" من أرقام الرياضيات "الخيالية" التي تتحكم في مصائر الشعوب بلا حل: فدولة كرتونية لا تقوم لها قائمة إلا بحبل من الناس، ويتوقع تقرير الاستخبارات الأمريكية المركزية زوالها خلال 20 (حسب موقع إسلام أون لاين، وغيره)، لا تكترث بما جمع العرب وما أعدوا وما حشدوا، فبالنسبة لها: إنما جمعوا كيد ساحر. وما يخفيهم ذلك الكيد وما يغيظ، طالما أن إجازات الجند ممنوحة، وطالما أن الأمن القومي يعني عدم فتح الجبهات مع دولة الاحتلال.
وتجتمع الفصائل الفلسطينية وتقضي الأيام والأسابيع في التحاور، للاستجابة لمعادلة العلاقات الدولية، ولتشكيل وفاق وطني يجمع بين المفاوضة والممانعة في منطقة ضبابية تكون وسطى، وتذوب فيها حبّات المقاومة في إناء المساومة، لعلها تنتج كعكة المقاسمة.
فهذه حكومة "إسرائيلية" أكثر تطرفا تتشكل، وهي تسير في مشاريع الحكم الذاتي الذي لا يرقى لشكل الدولة ولو بالاسم دون الرسم. ويصدع أحد أركانها –ليبرمان- في وجه حاكم عربي قائلا "فليذهب إلى الجحيم"، وهو سيتسلم وزارة الخارجية التي ستكون حلقة الوصل بين العرب وإسرائيل، فهل سيسمح له ذلك الحاكم العربي لأن يعلن حربا جديدة من عاصمته ؟ وليبرمان هذا طالب في تصريحات سابقة له "إسرائيل" بالاستعداد لضرب مصر وشن حرب خاطفة ضدها، وهدد في شهر نيسان الماضي بحرق سوريا بزعم أنها تصنع برنامجا نوويا، كما هدد بقتل الرئيس السوري، وقال:" إن إسرائيل ستقتل الأسد وأفراد أسرته وتنهي نظامه في حال نشبت الحرب مجدداً". كما نقلت شبكة محيط يوم 15/3/2009. وحتى أنه لا يقبل التعايش مع نواب عرب قبلوا أن يكونوا نوابا في حكومة دولة الاحتلال فخاطبهم قائلا: "ستأتي حكومة أخرى، وسنعالج أمركم كما يجب". كما نقل موقع عرب 48. هذا هو عنوان الحكومة الإسرائيلية الجديدة الذي سيراه العالم كوجه "إسرائيل" الجديد.
إذاً، تتشكل حكومة حرب "إسرائيلية"، بينما تصمت كل أصوات العالم، ولا أحد يتدخل، حتى راعي دولة الاحتلال (الأمريكي)، فإنه قد نأى بنفسه عن توجيه دفة السياسة وتشكيل الحكومة "الإسرائيلية" هذه المرة. فأمريكا منشغلة اليوم بأزمتين، الأزمة الاقتصادية، والأزمة العسكرية، التي ستعمل على توجيه جهودها فيها لأفغانستان. وهاتان الأزمتان تحتلّان أولوية اوباما وفريقه، كما تدلل التحركات والتصريحات. وبالتالي فستبقى أحاديث التهدئة ملهاة يدور حولها حراك سياسي شرق-أوسطي للفترة القادمة، كجعجعة بلا طحن، حتى تحاول أمريكا الخروج من المأزقين، ومن ثم علّها تجد فسحة من الوقت للالتفات لقضية، ستبقى عصية على الحل من خلال المعادلات المطروحة مهما حاول الفرقاء من ضرب الأخماس بالأسداس.
وفي المقابل تتضافر الجهود لترويض المقاومة على استيعاب أدبيات العمل الفلسطيني الرسمي، والتمرّس على أدواته من سلطة ومنظمة وانتخابات ومجلس وطني، وهي أدوات قد أثبتت فشلها المرة تلو الأخرى. فماذا إذا أعادت الانتخابات القادمة المقترحة نفس النتيجة ؟ هل ستقبل بها الدول الغربية والأنظمة العربية دون ترويض على المشروع الأوحد المطروح للحل رسميا؟
اذاً، هذا الحوار سيبقى دورة تدور، كلّما اقترب منشاره من العقدة، عاد للمربع الأول، وحتى لو تمّ تجاوز العقدة هذه المرة، وتم دفعها نحو المستقبل لعدة أشهر، فإنها ستعود من جديد لتضع نفسها أمام المنشار، وسيتجدد الموقف طالما أن المقاومين ثابتون على رفض التنازل عن الأرض ورفض الاعتراف. وحتى إذا تجرأ "قائد مغامر" على التقدم بلغة دبلوماسية نحو الاعتراف "الملتوي"، فسيضعف موقفه أمام رجال المقاومة، وسيخسر من جديد.
وبالتالي فمحاولة خلط المقامة بالمساومة ستبقى فاشلة، وافتراق السبيلين هو حتما موقف متجدد لا يمكن تجاوزه بانتقاء الألفاظ وتحسينها، ولا يمكن حصول الالتقاء والتوافق إلا بالاندماج الكامل في مشروع أوحد، ولن يكون في تلك الحالة إلا المساومة، فقد جربت ألفاظ "الاحترام والالتزام" من قبل، وبان فشل التراقص حولها. وخلط الأوراق لن يفرز إلا ورقة مفاوضات لن تقبلها الناس. وهذا الدفع باتجاه تشكيل حكومة سلام لن ينجح مهما تذرعت الفصائل به من قواعد، من مثل درء المفاسد ووأد الفتنة وما إلى ذلك من تبريرات لتفويض المفاوض من وراء حجاب.
فإلى أين يسير المتحاورون ؟ إلى الاندماج في حكومة سلام مقابل حكومة الحرب "الإسرائيلية" الجديدة ؟ فإن كان الأمر كذلك، فإن التوقيت السياسي (حتى لمن قرر الردة على الثوابت) غير مناسب. ولن يحصد حينها إلا شوك المسالك الأمنية "الإسرائيلية".
أما إن قرر الجميع مجرد الجعجعة بلا طحن، حتى تبرز أرقام جديدة، وتطرح معادلات جديدة، فإن الدوران في حلقات مفرغة هو عبث سياسي، على أخف وصف.
17/3/2009