علاء أبو صالح/عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
قبل فتحها احتلت فلسطين مكانة مرموقة لدى المسلمين فقد ربطها العلي القدير ببيته الحرام برباط الإسراء فباركها وبارك أكنافها، وشرفها بآيات نزلت من لدن حكيم خبير (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وبأن جعل سبحانه بيت المقدس قبلة المسلمين الأولى حتى ستة عشر شهراً بعد الهجرة ، وبعد فتحها في السنة الخامسة عشرة للهجرة على يد الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر وتسلمه مفاتيحها من سفرونيوس وإعطائه له ولأهلها النصارى عهده وميثاقه بناءاً على طلبهم بأن لا يساكنهم فيها اليهود والذي أصبح يعرف بالعهدة العمرية، خضعت فلسطين لسلطان الإسلام وأصبحت جزءاً هاماً من ديار المسلمين .
لقد كانت فلسطين درةً في جبين الأمة ومركز ثقل فيها لذا طمع فيها الطامعون وتربص بها الكفار من كل ملة ونحلة لكنها كانت كلما اعتدى عليها معتدٍ تحطم فيها مهما طال عدوانه وظلمه فقد كانت فلسطين مقبرة للصليبيين والتتار ففيها حطين وعين جالوت وستكون كذلك لأعداء الله يهود قريباً بإذن الله .
بدأت قضية فلسطين في العصر الحديث بمكر وتخطيط من أعداء الله الأنجليز الذين دفعوا دهاقنة يهود للطلب من السلطان عبد الحميد أن يسمح لهم بسكنى شواطئ فلسطين في العام 1901م وقاموا بمحاولة إغراء السلطان بعرضهم أن يملؤا خزينة الخلافة العثمانية بالمال في الوقت الذي فرغت منه ، لكن رد السلطان عبد الحميد كان رداً يليق بخليفة -وإن كانت الخلافة ضعيفة آنذاك- لقد كان رده للصدر الأعظم الذي بدوره نقله لهرتزل (انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع ، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين ...فهي ليست ملك يميني ...بل ملك الأمة الإسلامية...لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه ...فليحتفظ اليهود بملايينهم...واذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن ) وقد صدق توقعه رحمه الله فبعد هدم الخلافة ضاعت فلسطين وتمكن منها الكافرون .
في عام 1917م كان وعد بريطانيا ليهود بتمكينهم من فلسطين المسمى بوعد بلفور ، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وقيام عصبة الأمم بفرض صك الانتداب البريطاني على فلسطين كان من مواد هذا الصك أن تنفذ بريطانيا وعد بلفور ، قامت بريطانيا بإتخاذ الإجراءات التي تمكن يهود من فلسطين ومن ثم كانت هيئة الأمم وقرار التقسيم رقم 181 عام 1947م وهو القرار الذي قضى بتقسيم فلسطين الى بين أهلها والمعتدي عليها وكانت حرب -أو قل مسرحية- عام 48 التي مكنت اليهود من الجزء الأعظم من فلسطين تحت ذريعة أن يهود قد هزموا جيوشاً عربية سبعة ، ومن ثم تسارعت الدول في الاعتراف بهذا الكيان الى أن أخذ الصبغة الشرعية الدولية عام 1949م حيث قُبلت دولة يهود كعضو في الأمم المتحدة ، ومع مر السنين نشأت قضية فلسطين التي أصبحت تعرف في الساحة الدولية بقضية الشرق الأوسط وقامت الدول المؤثرة في الموقف الدولي بطرح حلول ومشاريع لهذه القضية منذ نشأتها الى الآن مع وجود بعض التغيرات ، الحل الأول وهو مشروع الأنجليز الذين طرحوا فكرة دولة علمانية واحدة تضم كلاً من اليهود والنصارى والمسلمين على أن تكون الغلبة لليهود وهم الذين سيحكمون فلسطين كاملة ، والمشروع الثاني هو مشروع أمريكا المتمثل في إقامة كيانين واحد لليهود وبجواره كيان للفلسطينين وبرز هذا التوجه بصورة جلية وواضحة في أواخر حكم الرئيس الأمريكي الأسبق أيزنهاور عام 1959م ، ولأجل هذا الغرض سعى الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر الى أنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وسيراً لتمكين هذه المنظمة من مفاوضة يهود لإقامة كيان فلسطيني منفصل عن الأردن يعترف بالأراضي المحتلة عام 48 كأراض يهودية اتخذت جامعة الدول العربية بضغوط من حكام مصر -السائرين في ركاب العمالة الأمريكية ليومنا هذا- قراراً بجعل المنظمة الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين عام 1975م، بقيت الدول الغربية الإستعمارية ممثلة في كل من أمريكيا وأوروبا وعلى رأسها بريطانيا تخوض -بنفسها وعبر عملائها من حكام العرب- صراعاً سياسياً سعياً لتنفيذ مخططاتها في فلسطين وإدراكاً منها أن من يمتلك النفوذ والسيطرة على فلسطين يمتلك السيطرة على المنطقة بأسرها ، وفي خضم هذا الصراع السياسي عاشت فلسطين والمنطقة أعمالاً عسكريةً وحروباً مصطنعةً ومؤامراتٍ وأعمال قتل وتشريد وبطش وتنكيل واقتتال كان أهل فلسطين دائماً من يدفع ثمنها، فكان تسليم ما تبقى من فلسطين ليهود عام 67 من قبل ملك الأردن بأوامر إنجليزية خشية تنفيذ المشروع الأمريكي بإقامة كيان مستقل للفلسطينيين في الضفة وغزة وكانت حرب 73 حرباً تحريكية وتبعها اتفاقية كامب ديفيد ، وأحداث أيلول الأسود وجرش واجتياح لبنان عام 1982م وإعلان الاعتراف بدولة يهود في مؤتمر الجزائر عام 1988م الذي أقر بالأراضي المحتلة عام 48 كأراضٍ يهودية وأعلن إقامة كيان للفلسطينيين على الأراضي المحتلة عام 67 على الورق وكانت اتفاقية اوسلو الاولى والثانية فإنشاء السلطة وخطة خارطة الطريق وخطة شارون وانسحابه من طرف واحد من غزة ووعد بوش بإقامة الدولة الفلسطينية من جديد وانفصال غزة والضفة وحصار غزة وأخيراً عدوان اليهود الوحشي على قطاع غزة وما تبعه من تحركات سياسية في مؤتمر شرم الشيخ لإعمار غزة وجولات الحوار الفلسطيني الداخلي ومحاولة إحياء منظمة التحرير وضم الحركات الإسلامية لها لإشراكها في العملية السياسية والقمة العربية المرتقبة في الدوحة آواخر الشهر الحالي .
هذه هي أبرز المحطات التي مرت فيها قضية فلسطين بين إجمال وبعض تفصيل ، وبعد هذا الاستعراض السريع لنشوئها وفي خضم التطورات المتلاحقة في وقتنا الراهن وأمام المكر والمخططات الدولية الرهيبة وتكرر العديد من مشاهدها كان لا بد لنا من التذكير ببعض الحقائق لتكون منارات لنا في كيفية التعامل مع هذه القضية حتى لا ننزلق في مستنقع مخططات القوى الاستعمارية وحتى نحافظ على هذه الارض المباركة الطيبة .
من هذه الحقائق :
1.إن فلسطين هي أرض إسلامية وقضية احتلالها ووجوب تحريرها هي قضية إسلامية تخص الأمة الإسلامية بأسرها وهي ليست للفلسطينين أو العرب وحدهم فهي قبلة المسلمين الأولى وفيها مسرى نبيهم وإليها يشدون الرحال وكل محاولة لفصل هذه القضية عن عمقها وامتدادها الطبيعي هي تضييع لها ومحاولة مشبوهة لتمكين الكفار منها ومن بلاد المسلمين ، فلم تكن فلسطين محلاً لأطماع الكافرين لينشئوا فيها كياناً سرطانياً وخنجراً مسموماً إلا لمكانتها وأهميتها ووقوعها في قلب بلاد المسلمين فإحتلال فلسطين وإقامة كيان ليهود فيها كان جزءاً من المعركة الشاملة بين الكفار والمسلمين والتي تعود جذورها الى دحر الصليبين عنها عام 1187م ولا أدل على ذلك من مقولة اللورد ألنبي عندما دخل الأنجليز فلسطين في عام 1917م قائلاً "الآن انتهت الحروب الصليبية".
2.إن قضية فلسطين هي قضية بلاد احتلت واغتصبت من قبل عدو غاشم وبدعم من القوى الغربية الإستعمارية وحلها لا يكون إلا عبر تحريرها فهي أرض محتلة يجب تحريرها ولا حل لها سوى التحرير سواء تمكن أهلها أو المسلمون من ذلك اليوم أم لم يتمكنوا ، فلا يصح أن ينظر لها نظرة أخرى ، فهي قضية عسكرية صرفة ولا يصح أن تصبح قضية سياسية ومحلاً للمخططات والمشاريع الدولية ، بيد أن الحكام الرابضين والجاثمين على صدر الأمة قد حولوها الى قضية سياسية ليتخذوها مدخلاً لتنفيذ مخططات أسيادهم وكبرائهم في واشنطن ولندن ، ولن تعود هذه القضية الى وصفها الحقيقي إلا في ظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي أخبرنا عنها وعن قتالها لليهود الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله (لتقاتلن اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه حتى ينادي الحجر والشجر فيقول يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله) .
3.من السذاجة والسطحية إن لم تكن من العمالة أن يظن المرء في الدول الغربية العدالة أو النزاهة والحيادية في علاج قضية فلسطين فجميع المشاريع السياسية التي تطرحها كل من أوروبا وأمريكا تهدف من منظور كل منهما ورؤيته الى ضمان هيمنة اليهود ليس على فلسطين فحسب بل على المنطقة العربية بأسرها وما صراعهم السياسي إلا سعياً منهم لتنفيذ أجنداتهم للسيطرة على المنطقة لا شفقة بأهل فلسطين أو حرصاً على فقرائهم ومساكينهم وإلا فهؤلاء هم من أقاموا لليهود كياناً وشردوا أهل فلسطين المسلمين وهم من أمدوا هذا الكيان ولازالوا بالأسحلة الفتاكة والنووية والمال والعتاد والرجال من حاملي الجنسيات المزدوجة ، فمشروع أمريكا يريد دولة يهودية خالصة قوية تمتلك النفوذ في المنطقة وتسيطر عليها وتخشى إن كانت هناك دولة علمانية أن يذوب اليهود فيها فلا يعود لهم وجود أو تأثير ، وأوروبا تريد دولة علمانية على كامل فلسطين تكون الأغلبية فيها لليهود فيحكمون فلسطين كاملة لا فلسطين المحتلة عام 48 فحسب وتكون دولة فلسطين العلمانية هذه عضواً في جامعة الدول العربية فتكون كياناً طبيعياً مقبولاً يستطيع أن يتغلل في المنطقة فيحكم قبضته عليها ، كما أن جميع هذه المشاريع-وإن كانت الغلبة اليوم لفكرة إقامة دولة فلسطينية- تؤكد دائماً على ضرورة ضمان أمن دولة يهود وهذا لا يخلو منه تصريح لأي مسؤول غربي كان ، أما نظرة هؤلاء لأهل فلسطين فقد أجمعوا وأجمعت القرارات الدولية على التعامل معهم على اعتبار قضيتهم قضية سكانية إنسانية لا غير فيجب أن يتم إيواء مشرديهم او تعويضهم أو غير ذلك من الحلول ولم تنظر إليهم بإعتبارهم أهل بلد قد احتلت اراضيهم واغتصبت .
4.إن الصراع مع كيان يهود ليس سوى جولة من جولات الصراع مع القوى الإستعمارية الغربية الكبرى لذا كان من الخطأ والخطر أن يتم استبعاد القوى الإستعمارية الكبرى من هذه المعركة واعتبارها طرفاً آخر وحصر المعركة مع كيان يهود فحسب ، فدولة يهود ليست سوى قاعدة عسكرية متقدمة لهذه الدول وسيفٍ مسلطٍ على رقاب المسلمين وحجر عثرة في سبيل وحدة الأمة ، وبقاء هذه النظرة للقوى الغربية الاستعمارية قائمة من شأنها أن تجنبنا الوقوع في الفخاخ والمؤامرات التي تحيكها أمريكا وأوروبا للمنطقة ومن شأنها أن تجعلنا ننظر الى هؤلاء النظرة الصحيحة بوصفهم أعداءاً للأمة الإسلامية لا وسطاء أو شركاء أو مانحين أو أصدقاء وشتان شتان ما بين النظرتين فنظرة تبقيك متيقظاً منفكاً عن المؤامرات والمخططات الإستعمارية ونظرة ترميك في أحضان هؤلاء الثعابين ولنا في قول الحق سبحانه منهجاً وسبيلاً حيث قال سبحانه (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ).
5.لقد بات واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار أن حكام بلاد المسلمين مجرد مطايا وادوات بيد الكفار المستعمرين وأنهم لا يحركون ساكناً ولا يقومون بأي عمل سوى لخدمة أسيادهم لذا كان من الانتحار السياسي أن يتم الركون إلى هؤلاء واعتبارهم وسطاء أو شركاء وهم في الحقيقة مجرد عملاء ولو كان هؤلاء صادقين ما تركوا فلسطين لقمة سائغة ليهود .
6. كما أصبح واضحاً أن الدول الإستعمارية الكبرى وأتباعها من الحكام العرب لا يقدمون أموالاً لمجرد مساعدة أهل فلسطين أو إعمار غزة أو إغاثة ملهوفيهم وإنما تقدمها كثمن سياسي ومقابل سير الأطراف المعنية في المخططات والمشاريع الغربية ، ولنا في قول الحق سبحانه دليل وبرهان (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) والواقع يشهد أن جميع المساعدات التي قدمتها وتقدمها الدول الإستعمارية والمسماة بالدول المانحة هي أموال سياسية .
7.لقد أسقطت أحداث غزة الأخيرة وحرب تموز عام 2006 برقع الدجل والخداع عن حكام دول الطوق والدول العربية التي زعمت أنها خاضت حروباً لأجل تحرير فلسطين فلم تتمكن من هزيمة يهود ، لقد أثبتت الأحداث الأخيرة كذب الهالة الخداعة التي احاط الحكام بها كيان يهود ليبرروا استسلامهم وخيانتهم لفلسطين فقد تبين لكل من كان على عينه غشاوة ان يهود وجيشهم نمر من ورق وأنهم لا يقوون على مواجهة ثلة قليلة مخلصة من أبناء المسلمين فكيف بهم لو واجهوا جيشاً جراراً مخلصاً لله ولرسوله وللمؤمنين؟!!
8.لقد أثبتت الأحداث الأخيرة فشل الحلول الترقيعية لقضية فلسطين وأن لا حل لقضية فلسطين سوى بتحرك الجيوش لتحريرها واستئصال شأفة يهود منها وما دام هؤلاء الحكام يجثمون على صدور الأمة ويكبلون جيوشها فلا خلاص للأمة إلا بتغييرهم وإقامة الخلافة الراشدة مكانهم وتنصيب خليفة يقاتل من ورائه ويتقى به ليسير بهم ومعهم تحت راية التوحيد لتحرير فلسطين وكل شبر أحتل من أرض المسلمين .
إن قضية فلسطين لا يحررها من رجس يهود حكام يرتمون في أحضان الأعداء ويتنازلون لهم عن مقدسات الامة جهاراً نهاراً ، حفاظاً على عرش هزيل أو تاج ذليل ، ففلسطين قد فتحها الفاروق عمر وحررها من رجس الصليبين صلاح الدين وحفظها من كيد اليهود عبد الحميد وهي تحتاج الى أحفاد عمر وصلاح الدين وعبد الحميد ليحرروها من رجس يهود .
إن بإمكان المسلمين القضاء على عدوهم وإعادة كل شبر أحتل من أرض الإسلام لا بل فتح ديارهم ونشر الخير في ربوع العالم وأن يعودوا منارة الدنيا وخير أمة أخرجت للناس .إن بإمكانهم كل ذلك ومفتاحه إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة فلا بد لهم من السعي لإقامتها حتى يُعزوا ويفلحوا .
14/3/2009