دعوة الخلافة تخترق جدر التزييف الإعلامي للثورات العربية
التفاصيل
دعوة الخلافة تخترق جدر التزييف الإعلامي للثورات العربية
بقلم: علاء أبو صالح-عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
بالرغم مما ظنه البعض أن ثورات البلدان العربية ذات صبغة علمانية إذ جل مطالبها هي دولة مدنية أو ديمقراطية وفق ما يصور الإعلام، وبالرغم من التزييف الإعلامي لهذه الثورات والانتفاضات المباركة، ومحاولة التعتيم على الجانب المشرق فيها، إلا أن صيت الخلافة ودعوتها فرض نفسه على المسلمين وعلى المراقبين والساسة الغربيين، فيما بقي التعتيم والتهميش هو سيد الموقف لدى وسائل الإعلام.
منذ أن اشتعلت شرارة هذه الانتفاضات في تونس الخضراء، شاهدنا عبر وسائل الإعلام تغطية محمومة واسعة النطاق يظن المتابع لها أنها عمت وطمت ولم تترك شاردة ولا واردة ولم تترك ظاهرة إلا وسبرت أغوارها حتى رسمت صورة كاملة للأحداث كما تدعي، ولكنها في الحقيقة كانت تتخطى دوماً مشهداً كبيرا كالجبال العالية وتحركات جماهيرية ضخمة تدعو إلى التغيير وفق الإسلام وإلى إقامة الخلافة وتغرد خارج سرب التبعية وخارج أطر العلاقة مع القوى الغربية الاستعمارية.
ويرجع تجاهل وسائل الإعلام لهذه الأحداث الجسام والتوجهات الحقيقية لدى الأمة الإسلامية، إما لقصر نظرها وعدم إدراكها أبعد من أرنبة أنفها، وإما لسياسة تهدف من ورائها إلى التضليل والتزييف ومحاولة توجيه الانتفاضات وفق أجندات استعمارية وهو الأمر الذي تجلى عبر مواقف عدة.
وعقب أحداث تونس كانت أحداث مصر وليبيا واليمن، ولازالت وسائل الإعلام تصر على إلباس الثورات العربية نفس الثوب وتكسيها نفس الحلة، بالرغم من اختلاف مقاسها وعدم ملائمة الحلة لثورتها.
وكان ظاهراً للعيان انشغال وسائل الإعلام، في ثورات تونس ومصر وليبيا، بإبراز من يديم النفي ويكرر القطع بأن هذه الثورات لا تهدف إلى إقامة دولة أو نظام إسلامي، مما أوهم المشاهد والمستمع أن المطالبة بنظام إسلامي هو أمر دونه الحرب أو الفتنة وأنه خط احمر ولا يقبل من متظاهر أن يرفع راية التوحيد أو يهتف للإسلام وباسمه فهذا كله خارج قواعد اللعبة، حتى وصل الحال جراء الحملة الإعلامية المحمومة أن يخرج من أبناء الحركات الإسلامية وقادتها من يكاد يتبرأ من أحكام الإسلام القطعية تأثراً بهذا المناخ الذي روجت له وفرضته وسائل الإعلام ومن يقف خلفها.
وهنا حق لكل متابع أن يسأل سؤالاً عريضاً حقيقياً أو استنكارياً؛ ما الذي يدعو تلك الوسائل والقائمين عليها إلى بذل الجهد لنفي هذه الصبغة عن ثورات الأمة لو كانت الأمة بريئة من هذا التوجه، وأن هذه الدعوة لا تربة لها في أوساطها؟!!
وكان ظاهراً للعيان كذلك، كثرة التصريحات لقادة الدول الغربية وتخوفهم الدائم من أن تسفر هذه الثورات عن نظام حكم إسلامي، وبطبيعة الحال الغرب لا يخشى نظاماً كالنظام التركي فهو إليهم أقرب، ولا نظاماً يدّعي الثورية وهو غارق في التبعية كالنظام الإيراني، ولا نظاماً يفصل الدين عن الدولة بل يسخره لخدمته وتوجهاته المشبوهة كالنظام السعودي، وإنما يخشى دولة مبدئية تغير مجرى التاريخ وتقتلع النفوذ الاستعماري من المنطقة وتلاحق فلوله لتخلص العالم من شروره.
فقد تراكمت تصريحات قادة الغرب من أمريكان وأوروبيين ويهود، كلينتون، كاميرون، أشكنازي، نتنياهو، ساركوزي، برلسكوني...
وسعى وزير الخارجية اليهودي ليبرمان لتشخيص الواقع ولاسيما مشهد الثورة المصرية بالقول: "إن العالم مقسم اليوم إلى قسمين، معتدلين ومتطرفين. والصدام هو بين حضارتين، حضارة العالم الحر المعتدل وحضارة العالم المتطرف. ... فالإسلام السياسي هو الذي يسيطر على الشرق الأوسط ولا توجد قوة إقليمية تصده".
والسؤال العريض هنا، ما الذي يدفع الغرب وقادته لهذا التخوف الحقيقي في ظل إعلان وسائل الإعلام وترويجها أن هذه الثورات محض ثورات خدماتية وأنها علمانية ديمقراطية؟!، ما الذي يدفعهم لهذا التخوف إن كانت وسائل الإعلام تنقل الحق والحقيقة؟
مضت الأحداث على هذه الشاكلة ومضى التكتيم الإعلامي واطرد حتى بدأت تتصاعد في أوساط المسلمين أصوات تدعو إلى الخلافة والالتفاف حول الساعين لها والذين كرسوا جهدهم لاستعادها؛
في تونس، مسيرات تجوب الشوارع "لا شرقية ولا غربية...لا ديمقراطية ولا وطنية ...بل خلافة إسلامية"، ويتجاهل الإعلام ذلك بالرغم من أن صور تلك المسيرات قد ملأت الفضاء عبر الشبكة العنكبوتية، وعبر الفيس بوك على وجه الخصوص، لكن تبقى هذه الأحداث التي تعبر عن نبض الأمة الحقيقي خارج التغطية!!.
في مصر علت أصوات تجاهلها الإعلام، خطب جمعة، فضائيات دينية، جماهير تدعو إلى تحكيم الإسلام في ميدان التحرير وسط ساحات النقاش وفي مدن الإسكندرية ومناطق أخرى من مصر، والإعلام كما في كل مرة غائب بعذر وبدون عذر.
في ليبيا، دعوات لتطبيق الإسلام بالرغم من شن القذافي حملة لتشويه صورة الدولة الإسلامية ودوام إلصاقها بأعمال العنف، حتى صرح قادة الكيان اليهودي بأن طابع الثورة في ليبيا طابع إسلامي. وهو ما لم سعت وسائل الإعلام إلى تجاوزه.
وما لم يتم الكشف عنه، في ظل تجاهل الإعلام الرسمي والمسمى بالحر، كثير، وتبقى دعوة التغيير على أساس الإسلام هي تطلع الأمة الحقيقي والذي يدفعها للحركة ويكسبها الأمل في غد مشرق، ويبقى ما تبقى من فسحة ضيقة عبر شبكة الانترنت والاتصال الحي هو سبيل معرفة تلك الأخبار.
إن ما تمارسه وسائل الإعلام من محاولة إلباس تحرك الناس ما لا يرغبون ويتطلعون، سعيا لخدمة أجندات خارجية، هو غصب وقهر إعلامي لسرقة جهود الأمة وتضحياتها، لكن الأمة التي انتفضت على من قهرها وسلب سلطانها لا شك أنها لن تبقى مخدوعة بمن يسعى لتضليلها.
إن إرادة الناس للتغيير على أساس الإسلام وتطلعهم لعودة دولته والحكم بأنظمته التي توجد الطمأنينة والاستقرار هو واقع محسوس ولسنا بحاجة لوسائل الإعلام لتصف لنا واقعاً نحياه، فنحن نرى واقع الأمة ونعيش معها ونشاركها الشعور والفكر ولسنا من كوكب آخر.
إن خبث ودهاء ومراوغة وتضليل وسائل الإعلام لن تفلح في إحباط مشروع الأمة الحضاري، ولو لبست تلك الوسائل ثوب الحرص على الأمة، فهي كالثعلب المكار إذ برز يوما في ثياب الناسكين، فلن يفلح الثعلب في ابتلاع أمة وإن تآمر معه كثيرون، ولن تغطى الشمس يوماً بغربال، ولن تطفأ الشمس مهما كثر عدد النافخين وستنقطع أنفاسهم، وسيظهر أمر الله ودينه ولو كره الكافرون.