صوّت البرلمان البريطاني لصالح قرار بحظر حزب التحرير وتصنيفه "منظمة إرهابية" قدمه وزير الداخلية البريطاني جيمس كليفرلي، بدعوى إشادة الحزب بالإرهاب و"معاداة السامية". وحصد القرار دعم جميع النواب البريطانيين في مجلس العموم واللوردات بعد جلسة مداولة وُصفت بالسريعة، واستند وزير الداخلية البريطاني جيمس كليفرلي، في بيان له، إلى إصدار قرار الحظر على مبرر "إشادة" حزب التحرير بأحداث السابع من تشرين الأول، وتثمينه حراك المقاومة الفلسطينية ضد أهداف (إسرائيلية)، واعتبر البيان عدم إدانة الحزب لتلك الأحداث "تشجيعا على الإرهاب" و"ترويجا للتطرف ومعاداة السامية".
وهكذا يكون حتى البرلمان البريطاني الذي يفترض أنه يضم مشرّعي الديمقراطية والحريات والمنظّرين للقيم الليبرالية والعلمانية، قد انضم إلى السلطة التنفيذية في اعتبار الحزب منظمة إرهابية، في انتهاك صارخ لمبادئهم وقيمهم المزعومة وثقافتهم الكاذبة.
فحزب التحرير الذي يعمل في أكثر من 50 دولة عبر العالم، ومضى على تأسيسه أكثر من 70 عاما، لم تستطع حكومة واحدة أو نظام واحد أن يثبت عليه تهمة الإرهاب أو ممارسة الأعمال المادية أو التوسل بالعنف، وكل الدول التي حظرته وتلاحق شبابه إنما هي تلك الدول التي لطالما وصفها الغرب نفسه بالدكتاتورية والاستبدادية، والتي أدعى الغرب محاربتها ومعاداته لأنظمتها ووصفها بالمتخلفة والرجعية وعدوة الديمقراطية والحرية، كبعض الدول العربية وروسيا ودول آسيا الوسطى. وقد عجزت كل الدول على أن تجد حادثة واحدة تُخرج الحزب من معركة السياسة والفكر والحجة إلى معركة العنف. فما الذي طفح به الكيل لدى ساسة بريطانيا للإقدام على هذه الخطوة التي تتعارض مع القانون عندهم؟! هذا ما يجب أن يلفت النظر ويستدعي التدبر.
وقبل الإجابة على هذا التساؤل ينبغي التذكير بأن هذه ليست المحاولة الأولى للحكومات البريطانية لملاحقة الحزب أو حظره، فقد ظل قرار الحظر مطروحا على طاولة أكثر من رئيس حكومة من بينهم توني بلير وديفيد كاميرون وتيريزا ماي، وتراجعوا عن ذلك لعدم وجود سند قانوني واضح يبرره. فهل حقا وجدوا الآن ما يبرر القرار قانونا؟!
بالطبع لا، فالحزب لم يغير ولم يبدل في فكره أو سلوكه أو معتقداته أو نشاطه، ولن يغير حتى يظهره الله وهو ثابت على مبادئه، فالتغير هو ما طرأ عندهم وليس عند الحزب.
صحيح أن ما ساقوه من ذريعة لحظر الحزب هذه المرة هو تأييد الحزب للمجاهدين في غزة ودعوته لنصرتهم ونجدتهم على عدوهم المجرم الغاشم، كيان يهود، وهو ما اعتبروه معاداة للسامية وتشجيعا للإرهاب، ولكن تلك الحجة والذريعة واضح أنها متهاوية لا ترتقي إلى مستوى النظر، فمنذ متى كان تأييد الأخ لأخيه معاداة للسامية؟! وهل رفض المجازر والوحشية التي يقوم بها يهود بحق أهل فلسطين يعتبر موقفا عنصريا؟! إذاً أين معايير العدل والحق ونصرة المظلوم؟! وهل يعني ذلك أن الملايين الذين خرجوا في العالم ومن ضمنهم من خرجوا في العالم الغربي في مسيرات ومظاهرات رافضة لذلك الإجرام وتلك الوحشية، هل ستعتبرهم الحكومة البريطانية معادين للسامية؟! فهل السامية هي نفسها الوحشية والإجرام والعدوان، حتى يكون من يرفضها يعادي السامية؟!
وعلى صعيد التأييد والدعوة لنصرة غزة وأهلها واعتبار ذلك إرهابا، فأيهم أولى أن يوصم بالإرهاب: المسلم في بريطانيا حين ينصر أخاه المسلم الذي يجتمع معه في الدين والحضارة والثقافة، باللسان فيدعو لأخيه بالثبات والنصر والنجاة من المجازر، أم البريطاني الذي يناصر كيان يهود ويمده بالسلاح والمتفجرات والطائرات والمعلومات الاستخباراتية ويشارك في قتل الأطفال والنساء والشيوخ وهدم المساجد والمدارس والمستشفيات على رؤوس من فيها، ويخرج متفاخرا من بين أحضان الإمدادات العسكرية من على متن الطائرة الحربية؟! فهل من يقف مع المظلوم والمعتدى عليه الذي يتعرض للإبادة والوحشية يُعد إرهابيا، ومن يقف مع المجرم والسفاح ويمده بالسلاح والعتاد والمعلومات الاستخباراتية يعد مسالما وحارسا للإنسانية؟!
فواضح أن حجتهم متهاوية وهي ساقطة من ناحية قانونية، والقرار هو قرار سياسي عند طغمة طفح عندها الكيل، فلم تعد تطيق التمثيل وادعاء صون الحريات وحقوق الإنسان فكشرت عن أنيابها وهتكت سترها بنفسها. إذ ساءهم نشاط الحزب وما قام به من فضح خيانة الحكام المجرمين، عملائهم في العالم الإسلامي، وتحريض الأمة على الإطاحة بالعروش والدعوة إلى تحريك الجيوش لنصرة فلسطين وغزة والمسجد الأقصى، وضاقت صدورهم من فضح الحزب لإجرام كيان يهود ووحشية حكام الغرب المؤيدين له، وتعريتهم أمام قواعدهم الجماهيرية التي باتت ترى فيهم شركاء ليهود في الجريمة وأعوانا لهم في المجازر والإبادة. فاضطروا أمام ذلك أن يخرجوا بعض ما في صدورهم من غل وحقد دفين على الإسلام والحزب الذي لم يوالهم يوما ولم يعطهم أملا في احتوائه أو التأثير فيه.
فكانت مواقف الحزب من طوفان الأقصى ودعوته الأمة وجيوشها للتحرك لنصرة غزة، ومساهمته الواضحة في فضح الغرب وتعرية قادته، كانت القشة التي قصمت ظهر ريشي سوناك فضرب بديمقراطيته عرض الحائط وداس على مبادئ الحرية المزعومة بقدميه ليقرر حظر الحزب. وإذا ما قرر القضاء تأييد الحكومة والبرلمان حين ترفع القضية إليه، فهذا يعني أن القرار هو قرار للدول العميقة في بريطانيا وليس قرارا متسرعا تحت وطأة الضغط، وأنهم سيضحون بكل قيمهم إشفاء لغلّهم.
والحقيقة التي يعرفها ساسة بريطانيا وغيرهم من قادة العالم والأنظمة هي أن الحزب سيواصل نشاطه وعمله ودعوته، وهو لا يكترث بحظر أو ترخيص، ونشاطه في العالم الإسلامي شاهد على ذلك، وهو لم يغير من فكره ومبادئه يوما من أجل مسايرة الأنظمة أو اتقاء شرها، ولن يفعل ذلك، حتى يظهره الله، مصداقا لقول رسول الله ﷺ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»، ونحن نحسب أنفسنا تلك الطائفة الظاهرة المنصورة قريبا إن شاء الله.
والعالم الغربي والحكام العملاء باتوا يعدون أنفاسهم الأخيرة، وقد وصل عدد كبير منهم إلى قناعة بأن المستقبل للإسلام ولدولة الخلافة الراشدة وأن ذلك بات وشيكا، في ظل حالة الغليان التي تحياها الأمة، وحالة التمايز بين الحق والباطل، والذهاب نحو المفاصلة واللقاء المحتوم.
وبريطانيا على سبيل المثال تعلم أن حسابها مع الأمة والخلافة القادمة سيكون عسيرا جدا، فهي من هدمت خلافتهم، وهي من مزقت الأمة واستعمرت بلادها ومصت دماءها، وأنيابها ضاربة في جسد الأمة وإفسادها مستشر في ربوع العالم الإسلامي منذ أكثر من مائة عام. فالعداء بين الأمة وبينها قديم عميق ضاربة جذوره مستحكِم، وهي تعلم ذلك وتستميت في تأخير تلك المواجهة مع الأمة الإسلامية، وتعلم أن تلك المواجهة ستكون عندما تقيم الأمة خلافتها الراشدة الثانية، ولذلك تحارب الحزب وتمكر به لظنها أن ذلك سيحول بينه وبين إقامة الخلافة، وهي في ذلك واهمة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
بقلم: م. باهر صالح
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
المصدر: جريدة الراية