بقلم: أ. يوسف أبو زر
دون أن يتضمن طلبا لوقف اطلاق النار، أصدرت محكمة العدل الدولية اليوم الجمعة قرارها بشأن الدعوى المرفوعة إليها من قبل جنوب أفريقيا ضد كيان يهود بتهمة الإبادة الجماعية، وقد ردت المحكمة طلب الكيان برفض الدعوى فيما أثبتت كونها هي جهة الاختصاص للدعوى، كما أصدرت المحكمة إجراءات مؤقتة تطالب كيان يهود باتخاذ إجراءات لمنع الإبادة الجماعية ومنع التدمير في قطاع غزة، وأن يتأكد الكيان من أن جيشه لا يرتكب الانتهاكات المشار إليها، وطالبت الكيان باتخاذ إجراءات لمنع التحريض المباشر على الإبادة الجماعية، داعية الكيان إلى ضمان توفير الاحتياجات الإنسانية الملحة في قطاع غزة بشكل فوري.
ما سبق كان هو مخلص القرار الصادر من محكمة العدل الدولية، حيث لم يأت في تلك الإجراءات الطارئة التي أصدرتها المحكمة على أي طلب بوقف إطلاق النار، ولقد أشاد كل طرف من جانبه بالقرار، أما كيان يهود فقد نقل عن مصادر فيه ارتياحها ورضاها بالقرار ووصفه بـ "الإنجاز" القضائي الكبير، كونه رفض طلب وقف إطلاق النار، مع إقرارهم بالضرر الدعائي لصورة الكيان.
إن قرار المحكمة لم يكن في جوهره إلا مطالبات ببعض "التجميلات" بينما الحرب مستعرة، والإبادة مستمرة، بل إن المطالبات في "الضمانات" و"اتخاذ الإجراءات" و"مراقبة الانتهاكات" قد وجهت للكيان المجرم نفسه، ليكون هو الضامن لنفسه بأسلوب ارتكاب الجرائم، أما ارتكاب الجريمة الأصلية بذاتها فكأنه قد أخذ إقرارا بالمضي بها، وذلك من خلال الإقرار باستمرار الحرب وعدم النص على وقف إطلاق النار.
إن محكمة "العدل" ليست استثناء في المؤسسات الدولية التي تسخرها الدول الكبرى لتنفيذ سياساتها، وتمرير خططها، وشرعنة ظلمها، ولو تسمت تلك المؤسسات بـ "العدل" او " الأمن" أو "الإغاثة" أو غير ذلك من الأسماء المضللة، فهي لم تكن يوما في تاريخها نصيرا للمظلومين من شعوب الأرض، بل إن التضليل هو في أن تتخذ تلك المؤسسات التي أنشأتها الدول الكبرى الاستعمارية وسيلة أو مرجعية لإزالة المظالم، وذلك لأنها ببساطة تعني استجداء المقتول لقاتله والمظلوم للظالمين.
وأما بالنسبة للمسلمين، فإن التعويل على مثل تلك المؤسسات تضليل، ومضيعة للوقت وإطالة للمعاناة، واعتماد الأمة على عدوها من الدول الكبرى ومؤسساتها هو انتحار، وانتظار النصرة من عند غير نفسها أو طلب النصر من عند غير الله هو خذلان، فالقضية ليست خصومة تبت فيها محكمة أو ينتظر فيها قرار، بل هو فرض فرضه الله عزوجل على المسلمين بنصرة أنفسهم وبعضهم بعضا، ووقف العدوان على إخوانهم في غزة، وقلع كيان يهود، وخلع كل من يحول بينهم وبينه من حكام العار، وهم قادرون، قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ).
26-1-2024