تعليق صحفي
المعارضة السورية تصرّ على وضع الثورة في حضن الاستعمار


"توصل وفدان سوريان من الائتلاف «معارضة الخارج» وهيئة التنسيق الوطنية «معارضة الداخل»، إلى تفاهم على مبادئ لتسوية سياسية للأزمة المستمرة، تستند إلى بيان جنيف-1 الذي صدر في يونيو 2012، وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بسوريا، وذلك خلال اجتماعات عقداها أخيرا في باريس، بعدما اقتنع الطرفان بأن لا خيار إلا الخيار السياسي.
ومن جهته، أعلن المتحدث باسم الخارجية التركية تانجو بيلغيتش أمس، أن برنامج تدريب وتجهيز المعارضين المعتدلين للنظام السوري برعاية تركيا والولايات المتحدة سيبدأ غدا الأحد". (صحيفة عكاظ نقلا عن وكالات 28/2/2015).

فرضت أمريكا سياستها على ثورة الشام عبر طرفين: طرف النظام وطرف ما يسمى بالمعارضة، وهي تتمثل في إعطاء المهل حتى ينضج البديل عن بشار في تحقيق وتأمين مصالحها في الشام، وهو ما تطلب سفك الدماء وغزارة هطول البراميل المتفجرة حتى يملّ الناس من التغيير، وحتى يتسرب إليهم وقع منطق شبيحة الأسد: الأسد أو نحرق البلد!
وقد شاركت دول الجوار بهذه الجريمة، كل حسب موقعه وطائفته: فكانت إيران مع حزبها في لبنان هي القوة التي يبطش بها النظام ويريق الدماء، وكانت تركيا ومعها بعض دول الخليج، هي القوى الناعمة التي تعمل على تمييع النفس الثوري، وعلى توريط مجموعة من الثوار في نهج العمالة عبر التمويل والدعم اللوجستي والعسكري المسيس.
وقد التقت مصالح الأطراف كلها على قضية مصيرية لهم جميعا، وهي منع انبثاق الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فتغيّر مسار التاريخ وتعيد بريق الحضارة الإسلامية، وتقضي على وجودهم ومصالحهم في بلاد المسلمين. ولا تتحقق غاياتهم إلا عبر رمي الثورة في حضن الاستعمار وقواه الحاقدة على الإسلام. وهو ما تمخض عن هذا الاتفاق الأخير الذي استند إلى اتفاقية صيغت على عين وبصر القوى الاستعمارية في جنيف.
إن التحدي الذي سيواجه الثوار الآن، هو حتمية النجاح في إحباط هذه المؤامرة على الثورة، ومقاومة اختراقها لعقول وقلوب الناس المنهكة، وهو ما يتطلب الوعي السياسي على مبادئ هذا الاتفاق، وعلى اتفاق جنيف الخياني، كمرجع لذلك.
وكانت جريدة القدس العربي قد نشرت وثائق التفاهمات بين الطرفين في 22/1/2015، وهي تدور حول كلمات مفتاحية من مثل التفاوض وعملية جنيف ونظام ديمقراطي تعددي، واستمرار عمل الوزارات، ومحاربة الإرهاب، وإعلان دستوري، وهيئة الحكم الانتقالية، ورعاية الأمم المتحدة، وقرارات الشرعية الدولية، وتوفير دعم دولي، وانتخابات بمراقبة دولية، واستفتاء شعبي على الدستور الجديد...
إن هذه المبادئ التي تم الاتفاق عليها هي تجسيد فعلي لوضع الثورة في حضن الاستعمار سياسيا وفكريا، إذ هي تستند إلى الثقافة الديمقراطية الغربية في طرح الحلول، وإلى القوى الغربية وعملائها في تنفيذ تلك الحلول. وهي في مجملها لا تذهب - بحال من الأحوال - أبعد مما ذهبت إليه الثورة في مصر واليمن، وإن نتائج الحالتين ماثلة للناس ومشاهدة في الواقع الملموس بما يغني عن البيان، وهو ما يجب أن يكون محلّ عبرة لمن لا يبصر إلا ما يحس. وإن من يجرب المجرب عقله مخرّب.
إن هذه المبادئ تعني بالنهاية تبليع الناس طعم الاستقرار الزائف، وإيقاعهم في شَرَك القوى الغربية وعملائها الإقليميين، عبر مكيدة الحل السياسي.
إن ثورة الشام هي ثورة أمة، وثورة على الرأسمالية وديمقراطيتها، وثورة على أمريكا وعملائها في المنطقة، هي ثورة ضد الاستعمار لا يصح أن تلتقي مع مصالحه ولا أن تتبنى شيئا من ثقافته، ولذلك فإن ثوار الشام يحملون اليوم مسؤولية مضاعفة، في التصدي للنظام والمعارضة على حد سواء، من أجل الحفاظ على طهارة الثورة وبريقها، كي تكون ثورة إسلامية. ولذلك حريّ بثوار الشام الأبرار أن يستلهموا قول الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾.
2-3-2015