نشرت صحيفة البيان الإماراتية تقريراً صحفيا حول الفساد المالي والإداري في السلطة الفلسطينية، استعرضت فيه تشخيص الظاهرة وأفق علاجها، وخصصت جزءا كبيرا منه لتصريحات الدكتور ماهر الجعبري عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين، حيث حمل فيها القيادات السياسية الرسمية مسؤولية الفساد، وبين أن فساد المؤسسات هو نتيجة حتمية لفساد السياسات، والتي هي إفرازات لفساد القيم والمبادئ، وأن قضية فلسطين قد تحولت لدى السلطة وأزلامها إلى مشروع استثماري لاجتذاب أموال المانحين.
 
وهذا نص ما ورد في الصحيفة:
 
فلسطين.. التشريع يخطو إلى مكافحة الآفة ...وشكوى ضد وزير الاقتصاد
 
شرعت السلطة الفلسطينية مؤخرا في خطوات غير مسبوقة لمكافحة الفساد المالي والإداري المستشري في مؤسساتها حتى النخاع، من ذلك قيامها بتعديل قوانين، وتشكيل محكمة للفساد، واعتماد تدريس مادة «الفساد» كمساق في الجامعات الفلسطينية لكن البعض يقلل من جدوى تلك الخطوات لأن مكافحة تلك الظاهرة يحتاج إلى الكثير مما لا يتوفر لدى السلطة الفلسطينية، وبعد أيام فقط من إعلان عن تشكيل المحكمة خلال أكتوبر الماضي تلقت أول شكوى قدمتها جمعية ضد وزير الاقتصاد، «على خلفية إجراءات غير قانونية اتخذها الوزير.. من جهته قال رئيس هيئة مكافحة الفساد رفيق النتشة، إن الهيئة بدأت بالفعل بتحويل عدد من القضايا لمحكمة جرائم الفساد». و«أنها تدرس حاليا 50 ملفا متعلقا بالفساد، وأنها تنظر في قضايا الفساد المالي، وأن عملها يتضمن الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية والشركات الأجنبية المرتبطة بأعمال ومصالح مع السلطة والحكومة الفلسطينية».
 
وقال رئيس «محكمة جرائم الفساد» القاضي حسين عبيدات أن الفساد لا يمكن محاربته بدون إرادة سياسية في البلاد، وبوجود نظام قضائي قوي متخصص وهيئة مستقلة متوفر لها كل الإمكانات وتعاون بين أركان العدالة.
 
في السياق ذاته أعلنت عدد من الجامعات الفلسطينية (بيرزيت ـ القدس ـ الخليل ـ والجامعة الأميركية في جنين) عن اعتماد مساق جامعي بعنوان «النزاهة والشفافية والمساءلة في مواجهة الفساد»، ابتداء من العام 2010 كمتطلب اختياري والسعي إلى الارتقاء به إلى متطلب إجباري في المستقبل بهدف «التركيز على الثقافة العامة وتوعية الشباب والطلاب في المدارس والجامعات وتأهيلهم حتى يكونوا قادرين على الكشف عن مظاهر وأنواع الفساد وآليات محاربتها».
 
مع هذا يقلل الكثيرون من أهمية خطوات السلطة المشار إليها لعدم قدرتها على محاربة الفساد المتجذر، حيث قال الدكتور ماهر الجعبري الأستاذ بجامعة الخليل والقيادي البارز في حزب التحرير الإسلامي في حوار خاص ل«البيان» إن فساد المؤسسات هو نتيجة حتمية لفساد السياسيات، والتي هي إفرازات عن فساد القيم والمبادئ. وأنه «في ظل قيادات تسير ضمن المشاريع الغربية، تحولت قضية فلسطين إلى مشروع استثماري واجتذاب أموال المانحين». وأضاف «فالقيادات هي المسؤولة أولا عن الفساد، بل إن الفساد أداة في كثير من الأحيان لتوريط الأشخاص للسير في المشاريع السياسية، والسياسة الفاسدة تحتاج إلى شخصيات فاسدة لتنفيذها». وتابع «إن تدهور (المشروع الوطني) وتحول المنخرطين فيه عن قيم النضال والتضحية إلى الاسترزاق بالسياسة قد عبّد الطريق أمام الفساد، وغيّب الوازع تماما، وخصوصا في ظل تخاصم فصائلي على السلطة، وتنافس على مكتسباتها. وإن سيطرت العقلية الرأسمالية النفعية تنفي وجود وازع داخلي أو تأثير فعلي للقيم أو الدين.
 
وأشار الجعبري إلى إن الاعتماد على التمويل الأجنبي قد شكّل أرضية للفساد من خلال إيجاد طبقة تسترزق من وراء مشروعات الممولين، وأدى ذلك إلى تراكم خبرات الفاسدين في صرف الأموال بما يحقق الأهداف الشخصية، مع سجلات ترضي المانحين. ونوه إلى أن نهج المانحين أدى إلى تغلغل قيم النفعية الشخصية، مع طرد لقيم الخدمة العامة من عقول القائمين على المشروعات الممولة أجنبيا.
 
وحذر الجعبري من «أن السلطة الفلسطينية ستبقى منشغلة في تحقيق المتطلبات الأمنية للحفاظ على وجودها، ولن تشغلها ملفات الفساد إلا بقدر ما يلزم من تحسين الصورة أمام المانحين، ومن ستر عورات المسؤولين. وذكر أن «غياب السلطان والمحاسبة يمثّل بيئة خصبة لترعرع الفساد، والله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ولقد غاب السلطان والقرآن عن المؤسسات الفلسطينية، فترعرع الفساد.
 
وأكد الجعبري على أن «المحاسبة والرقابة تحتاج إلى نظام تقوّم بحسبه، وسلطان تحتكم إليه، والنظام والسلطان مفسدتان تحت الاحتلال، فمن أين يكون الإصلاح؟ بل سيفسد الاحتلال ما يُصلَح، لأن الفساد هو البيئة المناسبة لتغلغله بين أهل فلسطين، واختراقهم بالأشخاص والسياسيات، لتحقيق مصالحه.
 
فيما يقول الداعية الإسلامي الدكتور وائل الزرد أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الاقصى بغزة في حوار خاص ل«البيان»، «المجتمع الفلسطيني ليس بدعًا من المجتمعات العربية، بل إنه يعاني مثلما تعاني باقي المجتمعات، من فسادٍ مالي وترهلٍ إداري»، وقال «كان هذا ؟قبيل الانقسام السياسي ـ الذي يعاني منه الجميع». ويرى الزرد أن «الحالةُ التي نعيشُها اليومَ في غزةَ أوقفت بلا شك الفساد المالي وشدد «غير أن غياب تفعيل دور هيئة الرقابة العاملة يجعلنا نتوجس خيفة لأنه لا تقارير بين أيدينا تطلعنا عن المصاريف المالية للحكومة في قطاع غزة»، ويعتقد الداعية البارز أنَّ السببَ وراءَ وجودِ حالةِ الفساد المالي والإداري المستشرية يرجع إلى أمرين هما: الأول: غياب الوازع الديني، فالدين بتشريعاته يضع حدًا للتسيب المالي والترهل الإداري، فالدين يكفل للجائع أن يُطعم وللعاري أن يُكسى وللفقير أن يُعال، وكذلك يُلَوِّحُ بقطعِ اليدِ لمن يعتدي على مالِ الغير[وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ]. الثاني : المحاسبة القانونية، فبالرغم من أهمية الرادع الديني في منع الناس من الفساد، غير أنَّ هناك طائفةً من الناس لا يستقيم حالها بالدين، ولذا هم بحاجةٍ لتطبيق قوانينَ صارمةٍ لوضع حَدٍّ أمام الجشعين، وإن كانَ تطبيقُ الدينِ بشموليته يضمن لنا العيش بأمن [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً]. ودعا الزرد الحكوماتِ العربيةَ لأن تسعى جادةً للنهضةِ بشعوبِها لتصلَ بهم إلى حالةِ الرضا عن الأداءِ المالي والإداري لها، حتى يَعْظُمَ الولاءُ وتتيسرَ الطاعةُ.
 
ويتفق مع هذا الرأي الذي أبداه الداعية الزد، مصطفى القيشاوي الناطق الإعلامي لحركة الأحرار الفلسطينية «في حوار خاص ل«البيان «من أهم العوامل التي تساعد على تجاوز الفساد الإداري والمالي هو تعزيز الوازع الديني ومراقبة الله وذلك عبر تنصيب رجال أمناء على المشروع الوطني، ومن ناحية أخرى للرقابة القانونية دور كبير في ردع مثل هذه الممارسات من أجل الوصول إلى نزاهة حقيقية تضمن عدم التلاعب.
 
غزة ـ ماهر إبراهيم
 
4-12-2010