طالعتنا الأنباء على اعتراض مركز حقوقي معروف على قرارات لحكومة حماس في غزة ألغت بموجبها ثلاثة تجمعات ونشاطات سلمية.
 
وجاء في نص الخبر أن المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يبدي "قلقه الشديد إزاء منع وزارة الداخلية المقالة تنظيم اعتصام دعت له شبكة المنظمات الأهلية، وورشة عمل للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وفعالية بمناسبة ذكرى النكبة نظمها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية خلال اليومين الماضيين في قطاع غزة. و أكد المركز بأن هذه الإجراءات تشكل اعتداءً على الحق في التجمع السلمي المكفول قانونياً ودستورياً ووفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان."
 
وطالب المركز بوقف تدخل الجهات الأمنية ووزارة الداخلية المقالة غير المبرر في الحريات العامة واحترام الحق في تنظيم الاجتماعات العامة والخاصة المكفولة قانونياً ودستورياً.
 
و كرر المركز تأكيده على "أن اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون الاجتماعات العامة والصادرة عن الرئيس الراحل ياسر عرفات بصفته وزيراً للداخلية، تتعارض مع نص وروح قانون الاجتماعات العامة والقانون الأساسي المعدل للعام 2003"، ويكرر المركز مطالبته بإلغائها أو تعديلها بما يتناسب مع القانون.
 
والسؤال الذي يرد: هل تتعامل منظمات حقوق الإنسان بمعايير مزدوجة في تقويم الحوادث والقضايا؟ وهل خرق قانون الاجتماعات في غزة غيره في رام الله؟ وهل خرق هذا القانون تجاه جهات معينة يختلف عن خرقه تجاه آخرين؟ أم أن اللائحة التنفيذية للقانون المذكور التي يعترض عليها المركز منكرة في غزة مستساغة وشرعية في رام الله؟
 
أسئلة تزاحم التفكير حُق لنا أن نسألها ونحن نعاين في أرض الواقع حوادث جساماً لا نرى لمنظمات حقوق الإنسان فيها ذكراً أو باعاً يذكر سوى بعض الأسطر الغائبة في ثنايا كم هائل من التفصيلات المكررة والمطولة في تقاريرها الشهرية أو السنوية.
 
فبينما يعترض المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان على حكومة حماس في غزة لمنعها لنشاطات ثلاثة –وحق له ذلك ما لم تكن أي من تلك النشاطات المذكورة تخالف مبدأ الأمة وشريعتها- فيصدر في حقها بياناً تتناقله وسائل الإعلام وربما يعقد لهذا الغرض مؤتمراً صحفياً أو ما شابه، نراه ونرى غيره من المنظمات الحقوقية تلوذ بالصمت تجاه ممارسات سلطة رام الله المتكاثرة في نفس الموضوع.
 
فالسلطة منذ مؤتمر انابوليس ليومنا هذا وهي تحارب نشاطات حزب التحرير في الضفة الغربية بشراسة دون أن تلاقي تلك التصرفات التي وصلت في بعض الأحيان مراحل الدموية الاهتمام الذي تستحق؛ فقد أقدمت السلطة مؤخراً على منع محاضرة للحزب في الخليل وقامت بإغلاق القاعة وتعرضت للحضور بالاعتداء والاعتقال، وسبقها بأيام معدودة إقدام هذه الأجهزة على منع محاضرة للحزب كذلك في حلحول، وبإعتقال شباب حزب التحرير إثر اعتراضهم على حفلات المجون التي نظمت في قلقيلية تحت غطاء أسبوع قلقيلية الخضراء، ومهاجمة مسجد خباب بن الأرت في الخليل لمنع محاضرة عقدت هناك، ومنع محاضرة في قاعة البلدية في العبيدية وأخرى في يطا صحبها اعتقالات واعتداءات، ومحاضرة في قلقيلية في مبنى البلدية صحبها حالات اعتقال وضرب واعتداءات وحشية وتكسير للعظام عبر قوات مكافحة الشغب، وغيرها الكثير ناهيك عن الممارسات العنيفة التي تمارسها السلطة وأجهزتها القمعية بحق شباب الحزب في قضايا سياسية متعددة، ومن ذلك اعتداء الأجهزة الأمنية على عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين الدكتور ماهر الجعبري وإطلاق النار على سيارته واعتقاله، فهل كل تلك الحوادث بكثرتها وضخامتها وامتدادها من أقصى شمال الضفة إلى أقصى جنوبها لا تستأهل من المركز الفلسطيني أو غيره من مراكز حقوق الإنسان وقفة حقيقية جادة؟!! أم تراها تخشى بطش السلطة؟! أم أن قضية الخلافة وما يتصل بها تعد شأناً مهملاً لهذه المراكز بناءً على توجيهات الممولين لها؟!
 
إن الأصل في مراكز حقوق الإنسان أن لا تميز بين قضية وأخرى أو بين إنسان وآخر، وأن لا تكيل بمكيالين أو أكثر في تعاملها مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، كما أن الأصل فيها أن لا تكون أداة سياسية لصالح جهات على أخرى، وأن لا تتخذ هي موقفاً تجاه جماعة أو فكر ما، وأن تتصف بالجرأة والشجاعة، هذا إن هي أرادت أن تحافظ على كونها ووصفها جماعة حقوق إنسان.
 
لكن الحاصل أن تلك المنظمات –وللأسف- تتعامل مع الحوادث بمكاييل عدة، ولا ننكر أو نغمض هذه المراكز ذكرها لبعض انتهاكات السلطة بحق الحزب هنا أو هناك بالرغم من كونه ذكراً خجولاً.
 
إن الأصل في هذه المراكز أن تنحاز لقضايا أمتها كون هذه القضايا قضايا عادلة تستمد شرعيتها من قبل ومن بعد من مبدأ الأمة وشريعتها، ليكون جهدها لبنة في تخليص هذه الأمة من الضنك والويل الذي ترزح تحته.
 
فهل يصل هذا النداء وتلاقي هذه الرسالة آذاناً صاغية لدى مراكز حقوق الإنسان؟ أم ستصطدم بجدار مهول اسمه سياسة "التمييز الحقوقي والتمييز بين السلطات"؟
الأيام القادمة كفيلة بالإجابة....
 
26-5-2010