برغم الإعلان عن استئناف المفاوضات غير المباشرة التي ترمي إلى إيجاد أجواء "ثقة" بين الطرفين وفق الرغبات الأمريكية، وبرغم الانبطاح الذي أبداه عباس وجامعة الدول العربية التي منحته الغطاء للعودة المعيبة للمفاوضات المذكورة في ظل استمرار الاستيطان وجرائم يهود وبطشهم بأهل فلسطين، وبرغم كل ما تقدمه السلطة ليهود من خدمات أمنية "جليلة"، يصر كيان يهود –كعادته المستمرة- على إذلال السلطة برئيسها ورئيس وزرائها فوق ما يعتريهما من الذل والهوان.
فقد كرر وزير الخارجية "الإسرائيلي" افيغدور ليبرمان تصريحاته التي ذكر فيها أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتصل شخصيا بمسئولين "إسرائيليين" خلال الحرب على غزة (الرصاص المصبوب) وطلب مواصلة الحرب من أجل إسقاط حركة حماس. وقال ليبرمان، المتواجد في اليابان، في مقابلة أجرتها معه صحيفة "هآرتس" ونشرتها الخميس 13 مايو/أيار إن "عباس شخصيا اتصل بنا ومارس ضغوطا لكي نواصل العملية العسكرية ونسقط حماس".
وتابع أن الفلسطينيين "مستمرون في الادعاء حول (ارتكاب "إسرائيل") جرائم حرب خلال الرصاص المصبوب، لكن عباس شخصيا اتصل بنا ومارس ضغوطا لكي نواصل العملية العسكرية ونسقط حماس وبعد بضعة أيام من العملية ذهب لتقديم شكوى في المحكمة الدولية في لاهاي ".
واعتبر ليبرمان أنه "لا مكان للمحادثات الآن" وشدد على أن "إسرائيل" لن تجمد البناء الاستيطاني في القدس بادعاء "النمو الطبيعي" للمستوطنين.
وحول خطة فياض لإقامة دولة فلسطينية بعد سنتين قال ليبرمان إن "تصريحات فياض لا تهمني" وأن "جميع تصريحاته لا تهدف إلى إقامة دولة فلسطينية وإنما هي تهدف بالأساس لبناء قوة سياسية مستقلة، وواضح أن لديه طموحات سياسية".
لا زالت الحوادث والأيام تثبت أن السلطة لم تتعلم شيئاً يذكر من خلال تجاربها مع يهود في مسلسل المفاوضات المخزي طوال 18 عاماً!! أو أن الذل وتلقي الصفعات وإراقة ماء الوجه بات غذاءً يومياً للسلطة لا تستطيع العيش بدونه!! أو أنها وأزلامها لا يرون حرجاً فيما يوجهه لهم قادة يهود إذ همهم الأول هو إنهاء عذابات يهود مهما كلفهم الثمن وسواء أأرضى ذلك قادة يهود أم أسخطهم فمصلحة الشعب اليهودي مصلحة سلطوية عليا!!!
إن يهود لا زالوا يبرقون الرسائل الواحدة تلو الأخرى للسلطة ولأمريكا من ورائها أنهم غير معنيين بأية مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، فهم يعلنون استمرار بناء الاستيطان في القدس بل ويباشرون ذلك، وهم يحكمون بالفشل على جولة المفاوضات غير المباشرة قبل أن تبدأ، وبرغم ذلك كله وبرغم الجعجعات الإعلامية لازالت السلطة تعلن تمسكها –بناءً على التوجيهات الأمريكية- بالمفاوضات بدعوى إعطاء الوسيط الأمريكي فرصة ولكي تزيد من تعرية "إسرائيل" أمام أمريكا!!! إن هذا لأمر عجاب.
إن رسائل كيان يهود هي رسائل حقيقية وجدّية وإن ظهر بعضها على لسان وزير خارجيتها التي تلجأ إليه الحكومة "الإسرائيلية" في تفجير التصريحات والمواقف كما حصل في تصريحاته تجاه سوريا وما دبره لسفير تركيا، لكنه من قبل ومن بعد وزير خارجية ولا يمكن له كما هو معلوم وفق العرف الدبلوماسي أن يحدد إطار سياسة خارجية على غير هوى من حكومته ورئيس وزرائها.
إن الشعور بالذل لا الذل بعينه يستوجب من العزيز أن يتحرك بأقصى ما يملك من قوة وطاقة ليثأر لكرامته التي حاول العدو أو الخصم المساس بها، وإن إهانة فرد من رعايا دولة ما تعده الدول ذات السيادة اعتداءاً على كرامة الدولة وتجاوزاً للخطوط الحمراء فكيف بإهانة رئيسها أو رئيس وزرائها؟!! لكن كل تلك الأعراف البشرية قبل أن تكون واجبات وفروض شرعية قد حطمتها السلطة والحكام العرب وضربوا للبشرية أبشع صورة في الذل وأغربها.
 فهل يفيق هؤلاء من سكرتهم تحت وطء صفعات العدو لهم؟!! أم تراهم ينتظرون صفعات الأمة حال قلعها لهم ولعروشهم؟!! أم أنهم لن يفيقوا إلا تحت زفرات الموت أو عذاب الآخرة؟!! لبئس ما قدموا لأنفسهم وما جروه على أمتهم من الذل والهوان ولبئس ما كانوا يصنعون.
13-5-2010