تعليق صحفي

السلطة تحمّل الناس مسؤولية فشلها في رعاية شؤونهم،وتقصيرها واضح كالشمس،وإلقاؤها اللوم على الناس تهرب وتضليل!

يكثر الحديث من رجال السلطة وبعض وسائل الاعلام عن تحميل أهل فلسطين المسؤولية عن انتشار فيروس كورونا، بسبب عدم التزامهم بالتعليمات الصحية الخاصة بمواجهته!وفي ذلك حرف للأنظار عن التقصير الكارثي للسلطة في التعاطي مع الجائحة،وهروب من تحملهاالمسؤولية عن رعاية الناس وتقديم العون لهم.

فالسلطة يجب عليها أن تعالج كل المعيقات التي تقف أمام مواجهة الجائحة سواء كانت معيقات تتعلق بالتجهيزات أو الإدارة أو الاجراءات أو توعية الجمهور، أما أن تتخلي السلطة الفلسطينية عن مسؤوليتها في مكافحة الوباء وتلقي باللوم على الناس فيعد تهربا غير مسؤول ويقود إلى تدمير مناعة الجمهور ووضعهم أمام مشكلة لا حل لها!  فالجائحة لا تحل على المستوى الفردي بالمطلق ولا تجابه بالتخلي عن المسؤوليات وإيكالها لتفهم الناس، فهل تخلت السلطة يوما عن جمعهاالمحرم للضرائب أو تحصيلها للرسوم مثلا وأوكلت ذلك لتفهم الجمهور وتعاونهم؟!فلماذا عند الحديث عن المسؤولية الحقيقية في رعاية الناس تترك الأمر لتفهم الناس ووعي الجمهور؟!

إنّ توفير الكوادر الطبية وإدارتها بفاعلية في ظل الطوارئ وتقديم الخطط ومواكبة المستجدات هو من واجبات السلطة التي اقتصر أداؤها على استنساخ خطط الغرب واتباع تعليمات منظمة الصحة العالمية حتى وإن كانت لا تتلاءم مع الواقع في فلسطين، وعلى حفلات التصوير الجماعية للمسؤولين وكيل المديح والتصفيق للموظفين أصحاب الرتب العالية على قيامهم بأقل من واجبهم، وعلى  محاولات  فرض سيادة وهمية على الناس ومظاهر العسكرة وتصدر عناوين الأخبار والمواقع، فأصبح تعامل السلطة مع الجائحة مهرجانا إعلاميا تحتفل فيه بإنجازات وهمية لا قيمة حقيقية لهاعلى أرض الواقع ولا رصيد لجهود السلطة فيها.

إنّ التزام أهل فلسطين بإجراءات السلامة في بداية الجائحة كان مثالا للانضباط والتفهم، فكان الالتزام بالإغلاق والحجر المنزلي  أكبر من سيادة السلطة وأعلى من الرصيد الصفري لاحترام الناس لها والثقة بها، وذلك لتفهم الناس لواقع الأرض المباركة وضرورة تحمل المسؤولية في ظل عجز السلطة وهزالة إمكانياتها، لكن السلطة لم تستثمر في ذلك، بل ساهمت في حالة التشكيك بجدية مواجهة كورونا بل بخطورة كورونا كجائحة من خلال أدائها الاحتفالي البهلواني وفساد القرارات  بالقوانين التي كشفت الفساد المالي وانتهازية القائمين على السلطة والتشديد على الناس ومحاولة فرض مظاهر السيطرة في مقابل تخليها عن مسؤوليتها الرعوية تجاه الناس.

 فحفلات التصوير الجماعية للمسؤولين في السلطة وقادتها وإقامة المهرجانات والاجتماعات الحاشدة واستغلال الظروف للترقيات الوظيفية الفاسدة، ونهب المال العام أوجد حالة من التشكيك والإرباك عند عامة الناس، فالتناقض الواضح في تعاطي رجال السلطة مع الجائحة قاد الناس إلى زاوية الشك في جدية الاجراءات ونوايا السلطة التي لا تحظى بثقة الناس عبر تاريخ حافل من الفساد والتنازل عن الحقوق والمقدسات لصالح المنافع الشخصية والمناصب الوهمية.

فالسلطة لم تستثمر بجدية في المرحلة الأولى من الجائحة في توفير المعدات اللازمة أو وضع الخطط الحقيقية الجدية التي تساهم في مواجهة الجائحة وتلائم الوضع المعقد في الأرض المباركة وتستعد للمرحلة الأصعب، وعلى الجانب الآخر أفقدت الناس ثقتهم بالإجراءات ووضعتهم في حالة من الشك والريبة عبر سلوكها المتناقض وفسادها المالي وانتهازية رجالها واستغلالها السياسي للحدث لبسط سيطرة موهومة على الناس، فالسلطة هي المسؤولة عن الحالة التي يعيشها أهل فلسطين الآن.

إن السلطة الفلسطينية بأدواتها التنفيذية تتحمل المسؤولية كاملة عن الوضع الذي تعيشه الأرض المباركة في ظل جائحة كورونا، فالتخطيط وإدارة الأزمة بشكل حقيقي وجدي بالموارد والكوادر والبنية التحتية الطبية المتوفرة والتعامل مع حاجات الناس ومتطلباتهم وتأمين حقوقهم المالية واحتياجاتهم الأساسية هي من واجبات السلطة التي لا يجوز أن تلقيها على كاهل الناس وتتهرب منها تحت ذريعة واهية واتهامات باطلة للناس.

إن أهل فلسطين على قدر المسؤولية والوعي والالتزام والتضحية، وإن السلبيات التي أوجدتها السلطة بتصرفاتها المتناقضة والفاسدة يمكن أن يتجاوزها أهل فلسطين إن شعروا بجدية وأمانة المضطلعين بالشأن العام، فلن يدخر أهل فلسطين جهدا ولا عطاء ولا تضحية في مواجهة الكوارث والمصائب ومنها جائحة كورنا، لكن ذلك الجهد والعطاء والتضحية والتفهم يحتاج لمن يقدّره ولأهل ثقة وتفان وجدية واخلاص وأمانة تفتقر لها السلطة ورجالها.

إن على السلطة ورجالها ووسائل اعلامها التوقف عن اتهام الناس وتحميلهم المسؤولية، وعلى السلطة أن تستنفد جهودها ومواردها بجدية ومهنية وإخلاص لأهل الأرض المباركة الذين جلدت ظهورهم بالضرائب والمكوس ولم تقدم لهم عونا على قدر ما سلبت منهم، فالأموال لم تستثمر في القطاع الصحي ولم يستثمر الوقت في إعداد البنية التحتية للمستشفيات ووضع الخطط الجدية لمواجهة تزايد أعداد المصابين بالفايروس في هذه المرحلة، والناس في ضيق من قطع الرواتب وسوء سياسة السلطة واجراءاتها المتخبطة.

إن مواجهة جائحة كورونا في الأرض المباركة يمكن ادارتها والتكيّف معها إن وُجد الاخلاص والتفاني لخدمة أهل فلسطين، وأهل فلسطين لم يدخروا يوما تضحياتهم في مواجهة أي كارثة أو مصيبة وثقافتهم الاسلامية تدفعهم للتضامن وتفعيل منظومة التكافل والانفاق على من تجب عليهم النفقة والأخذ بأسباب الوقاية والحجر اللازم شرعا ضمن حدوده الشرعية لا السلطوية، فالسلطة يجب أن تقوم بواجباتها الحقيقية ولا تتهرب بجبن وتضليل وتلقي اللوم على أهل فلسطين الذين لا تغيب عنهم حقيقة تقصير السلطة واستغلاها الواضح لمآسيهم، فالأجدر بها أن تضع كل امكانياتها وتعمل بجدية لمواجهة الجائحة بدل اتهام الناس والتهرب الجبان من المسؤولية، فغضب الله وسخطه على كل من غش الناس وأهلكهم، وسخط أهل الأرض المباركة وغضبهم سيطول كل مقصر ومتخاذل ومتآمر وخائن لأمانته.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ)

1-7-2020