تعليق صحفي
المصالحة اتفاق سياسي له أبعاد وآثار خطيرة على قضية فلسطين
اجتمع وفدا حركتي حماس وفتح في القاهرة لبحث ملف ما يسمى بالمصالحة بين الحركتين وإنهاء انقسام السلطتين في الضفة وغزة برعاية النظام المصري وتحديداً جهاز المخابرات العامة، وبعد مشاورات ومباحثات، وجلسات حوار طويلة وصفت بالمعمقة والجادة، خرجت قيادة حركة حماس لتعلن في بيان لها التوصل لصيغة توافق بينها وبين حركة فتح، ولإثبات صدق نواياها، وجديتها في إتمام المصالحة، وإنهاء انقسام السلطتين أعلنت في بيانها حلها للجنة الإدارية القائمة في قطاع غزة، وتمكين حكومة الحمد الله في رام الله لاستلام مهامها في قطاع غزة، وتهيئة الظروف والتحضير لإجراء الانتخابات العامة في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني التابع لمنظمة التحرير.
وما إن تم هذا الإعلان حتى توالت الأخبار في نقل رسائل وتصريحات التهنئة والمباركة لهذا الاتفاق من جهات محلية واقليمية ودولية.
بداية نحن لسنا ضد إنهاء الخلافات والمصالحة بين أهل فلسطين، ولكن على أية أرضية؟ وما هي الأهداف؟ فالمصالحة والاتفاق يكون على أساس أن المؤمنين إخوة، ووجوب وحدة المسلمين، وأما الهدف فهو تحرير فلسطين وتطهيرها من كيان يهود، وإعادة فلسطين إلى حاضنتها الإسلامية، ولكننا نرى الأمور على غير ذلك، وهنا لابد من تسجيل بعض التساؤلات والوقوف على عدة أمور..
1-لم يكن أهل فلسطين في يوم من الأيام مختلفين مع أنفسهم أو متنازعين فيما بينهم في نظرتهم إلى القضية، بأنهم شعب محتل وأرضهم مغتصبة خلاصها يكون بالتحرير وإزالة كيان يهود.
2-من المغالطة، والتضليل السياسي تصوير الأمر على أنه اختلاف على آليات الرعاية لمصالح الناس، وأساليب إدارة السلطة، بل إن حقيقة الأمر أنه اتفاق سياسي بين جهتين متنازعتين في رؤيتهما السياسية، وما يعزز هذا الاختلاف والتنازع اختلاف الولاءات والارتباط بدول إقليمية ودولية لها مصالحها ومشاريعها الخاصة في المنطقة.
وكل أشكال التضييق والمعاناة التي أحيط بها أهالي قطاع غزة على الأقل خلال العشر سنوات الماضية هي محاولة لإجبارهم على الرضوخ والقبول بالحلول المطروحة من تلك الجهات الدولية بمعاونة أدواتها الإقليمية تحت شعارات فك الحصار وإنهاء المعاناة وتحسين ظروف الحياة، والشواهد على ذلك كثيرة، منها طبيعة القضايا المطروحة على طاولة الحوار، وتصريحات العديد من المسؤولين الدوليين والإقليميين وحتى بعض المسؤولين في السلطة والفصائل بأن الاتفاق يمهد الطريق لعملية التسوية والوصول إلى حلول سلمية مع كيان يهود.
3-إذا كانت المصالحة حقاً مطلباً فلسطينياً كما يدعي البعض فلماذا تعطلت خلال عشر سنوات مضت بينما تحركت عجلتها بقوة وبشكل متسارع ولافت مع رفع الفيتو الأمريكي عنها، كما ورد في تصريحات تحدث بها نائب المكتب السياسي لحركة حماس دكتور موسى أبو مرزوق.
4-إن دعم قوى دولية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وتحرك أدواتها الإقليمية من حكام المسلمين في مقدمتها النظام المصري العميل لإتمام المصالحة، لهو وجه من وجوه إثبات أن المسألة ليست شأنا داخلياً بحتاً خاصاً بأهل فلسطين بل له علاقة بالرؤية الدولية لحل قضية فلسطين واستقرار المنطقة بشكل عام.
5-إن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي في اجتماع الأمم المتحدة مساء أمس الثلاثاء لأهل فلسطين للتعايش السلمي مع كيان يهود، ودعوته كيان يهود لاستلهام التجربة المصرية للسلام معهم، والاستفادة منها وتطبيقها في العلاقة مع أهل فلسطين، يكشف عن طبيعة ما يراد لقضية فلسطين وأهلها من وراء تحقيق المصالحة، من تمهيد الأرضية وتهيئة الظروف، والرأي العام الشعبي للقبول بتصفية قضية فلسطين وتكريس وجود كيان يهود، وتطبيع العلاقة معه من قبل الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين والتي أصبح يعبر عنها علناً دون مواربة كما ورد مؤخراً على لسان أمير دولة البحرين وغيره.
كل ذلك وغيره يدل على أن الأمور لا تسير لصالح أهل فلسطين وقضيتها، فبدل أن تتحرك جهود الأنظمة لتحرير فلسطين، وإنهاء معاناة أهلها، ورفع الضيم عنهم، يجتهدون في سوق أهل فلسطين، والضغط عليهم للتنازل عن حقوقهم، والتفريط بقضيتهم وأرضهم، والقبول بوجود كيان يهود واغتصابه للأرض المباركة فلسطين، لتبرير خيانة تلك الأنظمة، وتخاذلها في القيام بواجب التحرير، وتبرير مساعيهم في التطبيع مع كيان يهود بحجة أن أهل الحق تخلوا عن حقهم، ولن نكون ملكيون أكثر من الملك.
لذا وجب على كل المخلصين والشرفاء من الأمة عامة، وأهل فلسطين خاصة وفصائلهم وبالأخص أبناء الحركات الإسلامية أن يحذروا من هذه التحركات والمساعي، ويكونوا أكثر وعياً وتنبها لما يراد لهم ولقضيتهم، وألا يسمحوا بأن يكونوا جسراً يعبر من فوقه المفرطون والمطبعون، ومن أهم الخطوات لتحقيق ذلك فك الارتباط بتلك الأنظمة والارتماء في أحضانها، فلا خير فيها ولا في مساعيها مهما سوقوا وزينوا لنا ذلك، وأما الأمة الإسلامية وجيوشها فعليها الواجب الأكبر والمسؤولية الأعظم وبخاصة جيوشها وأهل القوة فيها بأن يأخذوا على يد تلك الأنظمة، ويوقفوا تلاعبهم في مصير الأمة والتفريط بقضاياها ومنها قضية فلسطين، وليكونوا مفتاح الحل وعنوانه فهم القادرون عليه وأهله، ودولة الخلافة القادمة قريباً إن شاء الله قادرة على تحقيق ذلك وإنجازه.
(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).