تعليق صحفي
ما الفرق بين تقديس الرئيس وتقديس الخيانة وتقديس التنسيق؟
قال المتحدث باسم حركة فتح أنه من غير المسموح مطلقا التشكيك في مواقف الرئيس محمود عباس الوطنية الثابتة والواضحة والمتمسكة بالثوابت الوطنية الفلسطينية والتي هي محل إجماع وطني فلسطيني والتي أقرها المجلس الوطنية الفلسطيني في العام 1988 (دنيا الوطن في 5/4/2016).
إن منطق تقديس رئيس السلطة الفلسطينية مفضوح مكشوف، وإنه لمن المعلوم أن رئيس السلطة قد اعترف بنفسه على نفسه عندما أقر في كتابة طريق أوسلو أنه أجرى مفاوضات سرية مع اليهود منذ السبعينات من القرن الماضي، حتى عندما كانت تلك المفاوضات جريمة حسب وثوابت منظمة التحرير الفلسطينية التي تم تميعها، بمولد هذه السلطة الفلسطينية من علاقة سفاح محرم بين المفاوضين واليهود. وهو قد أقرّ في كتابه طريق أسلو أنه رفع شعار الاتصالات السياسية مع اليهود منذ سبعينات القرن الماضي (عندما كان الجميع يعتبرها خيانة).
وإذا كان محمود عباس اليوم على رأس السلطة والمنظمة وحركة فتح، ويتفاخر بالألقاب الرئاسية مما يظنّه المنتفعون رفعة مناصب، فإن التاريخ سيختم على سجله بالعار، وسيسجّل الأحفاد المحررون أبشع الأوصاف في صفحة سيرته السياسية المظلمة، ولن تنفعه كلمات تلميعية من حركته، ولا عبارات الثناء والإطراء من الساسة الذين يدورون في فلكه. ولا يمكن للتاريخ أن يمر على مفاوضات أوسلو دون تحميل عباس الجريمة التاريخية من الدرجة الأولى بحق قضية فلسطين، ودون تحميله –ومنظمته- جريمة اختزال قضية فلسطين من مشروع تحرر إلى مشروع حكم ذاتي تحت الاحتلال،
إن مقررات المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر الذي انعقد في تشرين الثاني 1988، التي يشير لها الناطق باسم فتح، ورغم أنها جاءت بعد ما يقرب من سنة على انطلاق الانتفاضة الأولى، وبعد مقتل خليل الوزير أبو جهاد، ومع ذلك كانت تجديدا وتأكيدا لنهج انبطاح منظمة التحرير الفلسطينية وركضها نحو الاعتراف بالاحتلال، ولم يكن ذلك الاعتراف –ولن يكون- رأيا عاما حتى يقال أنه محل إجماع. وفي تلك المقررات تجرأ المنبطحون بالمجلس الوطني على التصريح "بعزم منظمة التحرير الفلسطينية على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة للصراع العربي الإسرائيلي"، بدل أن يتوعدوا قيادات اليهود برد قوي على مقتل رفيق دربهم "أبو جهاد"، وبدل أن يستلهموا نفس الثورة والانتفاضة من أطفال الحجارة.
وفي ذلك المؤتمر "الوطني!"، بدل أن يتباحث المؤتمرون في ترتيبات الانتقام من رؤوس الإجرام اليهودي، أبدى المجلس استعداده الكامل لحفظ أمن الاحتلال ضمن الحل السياسي الذي يلهث خلفه، حيث نصّت مقررات المجلس على "ترتيبات الأمن والسلام لكل دول المنطقة".
لذلك جدير بمن يتحدثون في السياسة أن يدركوا أبجدياتها قبل التفوّه بالأباطيل دون وعي على الحقائق التاريخية، وجدير بمن يصغون لمن يحملون الألقاب السياسية والإعلامية أن يقرؤوا التاريخ حتى يفهموا سخافة "الواقع الوطني" وبطلان نهج التقديس السياسي والتنسيق الأمني على حد سواء.