تعليق صحفي

أمريكا والكيان اليهودي مشاكسات لا تفسد للأمن قضية

نشرت الجزيرة نت خبرا تحت عنوان "إسرائيل تخشى قرارات دولية دون فيتو أميركي"، تحدثت فيه عن قلق في دوائر صنع القرار في "تل أبيب" حول إمكانية صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يعتبر المستوطنات "الإسرائيلية" غير قانونية. وذكرت أن هنالك تخوفا يهوديا من رغبة أوباما في الانتقام من نتنياهو في محاولة منه لتكرار ما أقدم عليه الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في ثمانينيات القرن الماضي حين اعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية...

من المعروف أن ثمة أزمة حقيقية بين الإدارة الأمريكية وحكومة نتنياهو، تمثلت في المواجهة الدبلوماسية-السياسية، ولكن ذلك التشابك السياسي المحتدم لا يصح أن يحدث إرباكا في تحليل الموقف بين الطرفين، بل يجب دائما استحضار الثابت السياسي المتعلق بحقيقة العلاقة العضوية بين أمريكا والكيان اليهودي.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تتأزم فيها العلاقة بين أمريكا وحكام اليهود من حزب الليكود، ولا يمكن عزلها عن سابقاتها، ولا عن عقلية حزب الليكود، وهو الذي استند إلى نظرات توراتية، ورفع شعارات أكثر عدائية وتطرفا من منافسه العريق (حزب العمل)، ولذلك ظلت دولة اليهود رافضة لمبدأ الانسحاب الفعلي إلى حدود 1967، وهي تنظر إلى كل فلسطين كأرض لليهود لا يمكن التخلي عن جزء منها.

ومن هنا ظل التباين صارخا ما بين الرؤية التوسعية (الليكودية) والرؤية الأمريكية التي تريد حصر الكيان اليهودي ضمن حل الدولتين. ولذلك  حصلت صدامات دبلوماسية بين الإدارة الأمريكية وحكومات حزب الليكود التي ترفض أي معنى من معاني الكيان الفلسطيني (كدولة).

ولكن مرور أمريكا في سنتها الانتخابية بما تسمّى "حالة البطة العرجاء"، تجعل من الصعب على الرئيس الأمريكي اتخاذ قرارات حاسمة (لا تكون ملحة في أوضاع متفجرة مثل الوضع السوري). وإن حالة أمريكا في هذه السنة تكون أقرب للركود السياسي في الملفات العامة. ولذلك فإن القلق السياسي المذكور في التقرير لا يتعدى حدود "القلق"، ولا يمكن أن تتخذ أمريكا خطوات حاسمة ضد الكيان اليهودي.

ومن المعروف في التحليل السياسي أن أمريكا تستوعب المشاكسات الليكودية لقادة الكيان اليهودي كما يستوعب الأب ابنه المدلل، ولو تذمر منه، ولكن التذمر الأمريكي الملموس يمكن أن يدفع نحو حالة الإحباط أكثر من حالة الرغبة في الانتقام لدى أوباما، ولا يتصور أي تغيير ملموس في طبيعة العلاقة مع كيان يهود؛ وقد اعترف أوباما من قبل (عام 2010) بفشل سياسة الضغط الذي تمارسه واشنطن، وأنه محبط.

إن هذه المواقف لا تخرج عن مستوى التجاذبات السياسية، وهي لا يمكن أن تعبر بأي شكل من الأشكال عن وقوف أمريكا في صف قضية فلسطين، ولا عن اختلاف في الموقف بين الطرفين ضد الأمة الإسلامية، ومن الحرب عليها، لذلك ليس ثمة من وعي سياسي لمن يعوّل على هذه المشاكسات لنصرة قضية فلسطين، وسيظل منطق أمريكا –الظاهر والباطن- متجسدا في عبارة "أمن إسرائيل من أمن أمريكا".