تعليق صحفي
"انتفاضة السكاكين" تربك حسابات السلطة ويهود، وتشكك في إنجازاتهم
أعلنت وزارة الصحة أن عدد الشهداء بلغ 44 شهيدا منذ مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر وحتى ظهر الأحد، 30 شهيدا منهم في الضفة و القدس و14 شهيدا في قطاع غزة. وقالت وزارة الصحة في بيان صدر الأحد أن عدد الإصابات التي وصلت للمشافي الفلسطينية بلغ 1829 جريحا أصيبوا بالرصاص الحي والمطاطي خلال المواجهات مع جيش الاحتلال في القدس و الضفة وغزة منذ بداية الشهر الجاري. (وكالة معا الإخبارية)
فيما قررت حكومة يهود عزل الأحياء الفلسطينية في القدس المحتلة، عن باقي المدينة، عبر إقامة جدار إسمنتي في محيطها، لأسباب وصفتها بـ"دواعٍ أمنية". القدس العربي
بينما دعا رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، الفلسطينيين إلى "المقاومة الشعبية السلمية، والنضال السياسي والقانوني". بي بي سي العربية. وقالت جريدة الجريدة الكويتية أن دولة يهود اقترحت إعادة قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي ترتدي اللباس المدني إلى الحرم القدسي الشريف، كما كان متبعا قبل اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000. وكالة معا الإخبارية.
ما من شك أن الأحداث الأخيرة التي باتت تُعرف بانتفاضة السكاكين، قد أربكت السلطة ويهود كثيرا، وأشعرتهم بمدى فشل جهودهم المضنية وعبر السنوات الطويلة الماضية في مسيرتهما الترويضية والتصفوية.
فقد ظن يهود أنهم من خلال ترويض السلطة ومنظمة التحرير وتحويلهما من الخنادق إلى غرف المفاوضات والتنسيق الأمني، بأنهم قد تمكنوا من ترويض أهل فلسطين، وأنّ مسألة تصفية قضية فلسطين باتت مسألة وقت وأنّ أمامهم المتسع من الوقت للحصول على كل ما يريدون دونما مقابل يذكر أو يُلمس أثره على أرض الواقع في ظل حالة الانبطاح والخيانة التي تعيشها السلطة بأقبح صورها.
وفيما يتعلق بمن يسمون "عرب الداخل والقدس" وهم المسلمون الذين يعيشون في القدس وما احتل عام 1948، فقد كان يهود يبنون أحلامهم وخططهم على أنّهم قد تماهوا مع المجتمع اليهودي وأنّ حالة الذوبان كفيلة مع الوقت بإنهاء أثرهم، وغرهم في ذلك بضعة نفر ترشحوا ودخلوا برلماناتهم "الكنيست" وأصبحوا يتعاملون مع دولة يهود كدولة لهم.
وظن عباس وسلطته بأنّ قبضتهم الأمنية ومسيرتهم التصفوية قد أحكمت السيطرة وتغلغلت في الشارع الفلسطيني حتى جرأ ذلك عباس على المفاخرة بالتنسيق الأمني والترويج للخيانة على أنها البطولة والحكمة، هو ومن حوله من الأبواق والمرتزقة الذين باتوا يستلهمون الإبداع من كبيرهم ويحاكون أسلوبه كصائب عريقات.
وظنت أمريكا من وراء يهود والسلطة بأن الأمور تحت السيطرة وملف القضية الفلسطينية ليس عاجلا وملحّاً وأنّ مصيره إلى التصفية والسلام المزعوم.
حتى جاءت هذه الأحداث الأخيرة لترش الماء على بيوتهم الرملية، والزيت على نارهم الخابية، فبدأ قادة يهود يستعيدون وعيهم، والسلطة تصحو من نومها.
إذ أدرك يهود بأن أهل فلسطين لا سيما القدس لم تصبهم حالة الذوبان التي كانوا يفترضونها وأنّ ولاءهم ما زال لأمتهم ومقدساتهم، وأنّ همومهم تدور حول الإسلام وقضاياه، حينما شاهدوا الهبة الشعبية الفردية تطغى على الأحداث الأخيرة، لذلك قرر يهود حاليا عزل الأحياء الفلسطينية عن اليهود في القدس ليتفكروا في أمرهم لاحقا ماذا هم صانعون بهم والحال كذلك.
وكذلك أدركت السلطة أنّ مسيرتها التخاذلية وبرامجها التصفوية لم تفلح في ترويض الجيل الجديد رغم أنه لم يعايش إلا أجواء السلام، ولم يشاهد إلا استخذاء السلطة وتحولها لذراع أمني بشكل مذل ليهود. ليشكك ذلك في مدى السيطرة التي كانت تفترضها السلطة بأنها متحققة لها، ومدى التمثيل الذي تزعمه.
وفوق هذا وذاك، خرجت الأصوات وارتفعت لتتساءل: أين الحركات والفصائل التي تدعي تمثيل القضية وأهل فلسطين، أين هم من دعم الأحداث أو التخطيط لها في ظل حالة الفردية الطاغية على البطولات، ليسلط ذلك الضوء على مقولة يرددها البعض بأنّ الشعوب قد سبقت الحركات والفصائل بوعيها وإخلاصها.
صحيح أنّ أمريكا والسلطة ويهود سوف يبذلون الجهود ويبرمون الاتفاقيات ويقودون المبادرات التي سيسعون من خلالها إلى وأد الحراك وقطف الثمار، ولكن ذلك لن يغير المعادلة الأصيلة، بل ستبقى تلك المبادرات والاتفاقيات رهن يهود والحكام والسلطة وطبقة المرتزقة ولن تجد سبيلها إلى قلوب أهل فلسطين والمسلمين عامة بعد حالة الانفصام التي تولدت بين الأمة والحكام.
والشيء الأكيد في كل ما يحدث هو أنّ الأحداث الأخيرة قد أربكت السلطة ويهود وشككت في إنجازاتهم، بعد أن كشفت عن معدن الأمة وأهل فلسطين، وأنّ السلطة والحكام لا يمثلونها، بل هم في واد والأمة في واد آخر، وبرهنت الأحداث على مدى حاجة فلسطين إلى جيوش المسلمين لتتحرك من ثكناتها فتدك حصون يهود وتحرر الأقصى الأسير والحرائر المستغيثات.