تعليق صحفي

تكافل اجتماعي أم ضريبة متكررة لأخطاء سياسية مزمنة ؟

أقرت كتلة حماس البرلمانية في المجلس التشريعي فرض ضرائب جديدة تحت مسمى التكافل الإجتماعي، وذلك على السلع الكمالية، كما أعلن عن ذلك النائب أحمد أبو حلبية، وذلك لسداد رواتب موظفي سلطة غزة والذين لم تعترف بهم سلطة عباس كموظفين أولا، وما يتبقى من الأموال المجبية فإنه سيوزع للفقراء والعمال العاطلين عن العمل، بحسب ما أعلن النائب المذكور، ومن ثم فقد أثار هذا القرار سجالات عدة كان من أبرزها تعليق الهباش قاضي قضاة فلسطين، حيث طالب بالامتناع عن دفع هذه الأموال بحجة أن من مات دون ماله فهو شهيد.

إن رد فعل الهباش قاضي السلطة ومستشار رئيسها، يجب أن يوجه لنفسه ولسلطته التي تجبي الأموال من الناس للإنفاق على موازنتها التي تذهب غالبيتها لأجهزة الأمن التي تحمي كيان يهود.

وإنه وعلى عكس ما وعدت به حكومات حماس السابقة الناس من الوعود بالسمن والعسل إلا أنها اكتشفت متأخرا حجم الفخ الذي وقعت فيه وزادت من وقوعها فيه عبر السنوات الماضية، حتى يضطر نائب عن حماس انتخب من الناس إلى طمأنة التجار أنهم لن يتحملوا تلك الضريبة، كما قال النائب عن حركة حماس جمال نصار في لقاء له، علما أن ذلك النائب قد جاء بأصوات الناس وليس التجار.

إن الأخطاء التي ما زالت تقع فيها حركة حماس وسلطتها في قطاع غزة، هي نتيجة متراكمة لخطأ كبير وهو دخول سلطة تحت الاحتلال، دون سند حقيقي من بقية الأمة التي ما زالت تحت وصاية الحكام العملاء من كل صوب، وهو ما كان فخا لاستدراج حركة حماس للسير في ذات الطريق التي سارت فيها حركة فتح.

فهل يصح تسمية مثل هذا القانون بأنه قانون تكافل اجتماعي أم أنه في حقيقته ضريبة لأخطاء سياسية ارتكبتها حماس بدخولها في هذه السلطة ووقوعها في الفخاخ واحدا تلو الآخر، وتركها خلال السنوات الماضية تتوسع في حكم قطاع غزة وتفتح الجمعيات والمؤسسات وتتضخم في الكادر الوظيفي، ثم في لحظة فارقة تغلق عنها الأموال والبضائع بحجة هدم الأنفاق، ثم تترك لتتحمل تكلفة هؤلاء الموظفين، لكي يتم مراودتها عن تقديم تنازلات أكثر وأكثر أسوة بحركة فتح التي سبقتها.

وما يزيد الطين بلة أن هذه الضرائب  هي نوع جديد من الضرائب وليست الأولى المفروضة، بل ويزيدها غرابة؛ الإعلان أن المستفيد الثاني منها إن تبقت الأموال هي فئة الفقراء والعمال العاطلين بسبب الأوضاع الاقتصادية.

فهي في حقيقتها ضرائب تجبى لدفع رواتب موظفي سلطة غزة أكثر منها لإغاثة الفقراء.

وإنه وإن كانت سلطة عباس التي روجت وسعت للمشروع السياسي المسمى مصالحة، كي يتبين بعدها أنه ما هو إلا حلقة في طريق خنق حماس والضغط عليها لتقديم التنازلات بعد حرمان موظفيها من أجورهم، إلا أن حماس تلام في أمرين أيضاً:

•        أنها قبلت هذا المشروع الذي سمي مصالحة بدون اتفاق تفصيلي يقدم الحلول الحقيقية في شتى المجالات ومنها رواتب الموظفين، ثم قامت بفرز هيكليات لموظفيها ترفع من رواتبهم ومناصبهم الإدارية.

•        أنها تلام بسكوتها عن حق هؤلاء الموظفين في إطار الاتفاق على المصالحة بفعل رفض المخابرات المصرية فتح أي بند من بنود اتفاق القاهرة الموقع قبل سنوات، بحجة التنفيذ على ما اتفق عليه، فلماذا لا تفضح حماس تواطؤ النظام المصري؟؟.

أما من ناحية سلطة عباس، فإنها لا تقل إجراما عن الأنظمة بحق أهل فلسطين، فهي جزء من منظومة الحصار على قطاع غزة تنفيذا للقرارات الأمريكية التي تريد سحق إرادة أهل فلسطين، لا بل إنها هي نفسها التي لا تجد تمويلا لنشاطها في حفظ كيان يهود، إلا من خلال جبي الضرائب وانتزاع الأموال من الناس لصالح موظفي سلطة تحمي يهود.

إن النظام الاقتصادي في الإسلام فيه الضمان لكفاية الحاجات الأساسية ومصالح الناس، وحتى عند أخذ المال من الأغنياء في الجوائح وهي حالات محدودة فإنها تختلف كما ونوعا عن نظام الضرائب في الرأسمالية المطبقة اليوم، وحتى يطبق ذلك النظام فانه يحتاج لدولة حقيقية لا مجرد سلطة في ظل الاحتلال، فهذه "الضرائب" عند الجوائح تأخذ في الإسلام من الأغنياء وبقدر ما تدعو الحاجة له بعيدا عن المكوس المحرمة لقول رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  "لا يَدْخُل الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ " ، وليست أمرا ممتدا من جنس عمل الحاكم.

وأيضا فان السؤال الذي يوجه لسلطة حماس وحركتها التي سارت في هذا الطريق، هل بدأت بنفسها وبمدخراتها لتحقيق هذا التكافل الاجتماعي، قبل أن تبدأ بالناس وجبي المكوس منهم؟.

إن سلطتين تتمولان من جيوب الناس ولا تجدان منفذا إلا بتبرعات المانحين لهما أقل من أن تمثلان أهل فلسطين وقضيتها التي باتت مقزمة في تأمين رواتب موظفين وخدمات، بل إنها تثبت حالة تصفية قضية فلسطين وحصرها بسلطة قاصرة عاجزة، دون أن تحمل الأمة وجيوشها مسئولية تحرير فلسطين كل فلسطين.

26/4/2015