تعليق صحفي
إنه ماراثون العبودية لأمريكا ولوجهة النظر الرأسمالية!
تحدثت دوروثي شيا نائبة القنصل الأمريكي العام بالقدس عن سعي الإدارة الأمريكية إلى سد "الفجوة الجندرية" بين الجنسين مشيدة بما تم تحقيقه في هذا المجال في الأراضي الفلسطينية، واصفة هذا السعي بالماراثون وأن مكان الفلسطينيين فيه بات متقدماً.
وبعبارات مغلفة بالحرص الكاذب، والتطلع المضلل نحو واقع مجتمع أكثر شمولاً ومثالي تسعى له الإدارة الأمريكية في المنطقة، أشادت شيا بدور المرأة الفلسطينية وتحصيلها للعلوم، وأعجبت بنساء تم ارسالهن عبر القنصلية الأمريكية لبوسطن الأمريكية للمشاركة في مؤتمر القيادة كجزء من البرنامج التبادلي المعروف باسم نساء-إلى- نساء، وأشارت إلى وجود برنامج تيك كيرلز الذي يشجع الفتيات على الالتحاق بمهن أكاديمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا.
وللتعليق على ذلك نذكر الأمور التالية:
1. إن الحديث عن حرص الإدارة الأمريكية على إيجاد مجتمع أكثر شمولاً ومثالي في منطقة الشرق الأوسط وفي فلسطين على وجه الخصوص، هو كلام داحض ولا ينطلي إلا على السذج وسطحيي التفكير. فالإدارة الأمريكية لا تكترث بالبشر في هذه المنطقة فكيف لها بأن تهتم بإيجاد العدالة في مجتمعاتهم؟! فهي قتلت أكثر من مليون مسلم في العراق، ودمرت أفغانستان، وأوعزت لأداتها الأسد بالتنكيل بأهل الشام الذين تطلعوا للتحرر من الهيمنة الاستعمارية، وها هي تقتل المسلمين في سوريا والعراق رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً تحت ذريعة محاربة الإرهاب، أفبعد كل هذا تأتي لتزعم حرصها على تحقيق مجتمعات أكثر شمولاً وعلى تحقيق السلام والازدهار؟!!
2. إن فهم توجهات الإدارة الأمريكية في المنطقة والعالم لا بد أن ينبع من فهم مبدئها الرأسمالي الذي يحدد وجهة نظرها في الحياة، فالمبدأ الرأسمالي لا يعترف سوى بالقيمة المادية، ولا يقيم وزناً للقيم الروحية والأخلاقية والإنسانية، فمخططاتها للمنطقة مخططات استعمارية لنهب المنطقة والحيلولة دون أن تنعتق من عبوديتها وتقيم الخلافة على منهاج النبوة، وكل محاولة تصوّر أن برامج الإدارة الأمريكية برامج إنسانية هي تضليل يخبئ تحته العمالة والتبعية التي ترمي إلى تسويق المشاريع الأمريكية الإفسادية الاستعمارية في المنطقة بثوب إنساني كاذب.
3. إن الواقع الذي يريد الرأسماليون نقل المرأة المسلمة إليه ليس مجهولاً حتى يُوهموا الناس بمثاليته أو جماله، بل هو واقع مجسّد في الدول الغربية التي تتصدر هذا الماراثون المزعوم والتي تتعامل مع المرأة كسعلة وتقوّمها بقدر ما تدر من أرباح أو دولارات، فتجارة الجنس والدعارة، ورمي النساء على قارعة الطريق أو في بيوت العجزة إذا بلغت من العمر عتيا، والفساد الأخلاقي واختلاط الأنساب والفحشاء والسلوكيات البذيئة، هي علامات هذا الواقع "المنشود!" الذي تصوره شيا ومن تعلق بحبال الغرب والمريضة قلوبهم بالمثالي.
4. إن خصوصية فلسطين، وسعي أمريكا "لتشريع" وجود الكيان اليهودي المحتل فيها، اقتضى منها أن تولي اهتماماً بارزاً في تخريب أهل فلسطين ثقافياً وأخلاقياً وذلك لتعبيد الطريق أمام مخططاتهم التفريطية الرامية إلى قبول أهل فلسطين بكيان يهود المحتل على معظم أرض فلسطين وتخليّهم عن مقدساتهم وأرضهم المباركة، لذا سخرت القنصلية مشاريع إفساد لنشر الرذيلة والتبعية والثقافة الغربية في صفوف أهل فلسطين.
5. إن تدخل أية قنصلية أو سفارة في إعادة هيكلة مجتمع ما هو الاستعباد بعينه، وتعاون النظام القائم في هذا المجتمع مع القوى الخارجية بهذا الصدد دليل ساطع على تبعيته وعمالته، وهو عينه ما تفعله السفارات والقنصليات في فلسطين حيث تخضع السلطة لشروط وإملاءات المستعمرين الذين يسمون زوراً بالمانحين والذين يتلاعبون بمناهج التعليم وبتربية أبنائنا وبوسائل الإعلام وحتى في خطب المساجد، وهو ما تفعله بقية الأنظمة في البلدان العربية أيضاً.
6. إن الرأسمالية كمبدأ، ودولها الكبرى وعلى رأسها أمريكا، قد بان زيف دعاويها "الإنسانية" الكاذبة وتشدقها بحقوق المرأة على وجه الخصوص، فظهرت بصورتها الحقيقية التي تمتلئ إجراماً وإفساداً فتسخر العالم وتقتل البشر وتهدم الشجر والحجر وتعيث في الأرض الفوضى والفساد وتهدم الأسر وتسعى لانحلال المرأة لاستغلال انوثتها اقتصادياً، وكل ذلك لتحقيق مصالح المستعمرين من بارونات النفط والمال وزيادة أرصدتهم البنكية، لذا فقد مضى عهد التضليل وباتت الأمور واضحة كالشمس في رابعة النهار.
إن المسلمين ينظرون اليوم للثقافة الغربية على أنها ثقافة دخيلة استعمارية ولأمريكا والدول الغربية على أنها دول استعمارية عدوة للإسلام والمسلمين، ولمشاريعها كمشاريع مشبوهة، وأموالها كأموال ملوثة لشراء الذمم وتنفيذ المخططات الاستعمارية، فهم يتلون قول الله سبحانه (لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) وقوله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ).
إن المسلمين يتطلعون اليوم أكثر من أي وقت مضى لإقامة الخلافة على منهاج النبوة التي تنقذهم من براثن المستعمرين وتدافع عنهم وتخلص البشرية من العبودية للرأسمالية الوحشية، فتنشر الخير والهدى للعالمين، الخلافة التي تخشاها أمريكا والدول الاستعمارية وأدواتهم الحكام فرموا المسلمين عن قوس واحدة خشية عودتها، الخلافة التي آن أوانها ولاحت في الأفق بشائرها، وإنا لنرى تحققها قريباً بإذن الله.
(وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا)
11-10-2014