وضعت صحيفة "التايمز" البريطانية الجيش الايطالي، ومعه الحكومة، امس، في قفص الاتهام، بعدما نقلت عن مسؤولين عسكريين قولهم إن الايطاليين دفعوا أموالاً لقادة طالبانيين ولأمراء حرب في أفغانستان لتجنب شن هجمات عليهم، من دون إعلام الحلفاء، ما يمكن أن يكون قد أدى إلى سقوط قتلى فرنسيين، وهو ما نفته روما والحلف الاطلسي، وعاد وأكده مسؤول أفغاني كبير.
وذكرت الصحيفة إن جهاز استخبارات إيطالي دفع عشرات الآلاف من الدولارات إلى المسلحين للحفاظ على هدوء منطقة ساروبي في إقليم باكتيكا إلى الشرق من كابول، عندما كانت القوات الإيطالية متمركزة هناك. واضافت إن القوات الفرنسية التي استولت على المنطقة في النصف الأول من العام 2008 ولم تكن تعرف شيئاً عن المبالغ المزعومة، وكانت تحمل القليل من الذخيرة ظنا منها أنها في منطقة غير خطرة، فوجئت بكمين قتل فيه 10 جنود فرنسيين.
.......وفيما نقلت الصحيفة البريطانية عن مصدر استخبارات غربي رفيع المستوى، وصفه للتصرف الإيطالي بأنه "عار مطلق"، قال مسئول أفغاني كبير لـ «وكالة فرانس برس»، ان "العديد من دول حلف شمال الاطلسي" تدفع أموالاً للمتمردين لكي لا تتعرّض قواتها لهجمات، مشيراً الى ان هذا الامر منتشر على نطاق واسع، الا في صفوف البريطانيين والأميركيين. ورغم ذلك، قال متحدث باسم حلف شمال الاطلسي (نحن لا ندفع الرشى.. ولا نموّل المتمردين).
*****
يوماً بعد يوم تتكشف حقيقة الدول الغربية وحقيقة المأزق الذي قد تورطت فيه في أفغانستان والذي غرقت في وحله من رأسها إلى أخمص قدميها، وها هي الأنباء تُظهر حقيقة أن القوات الغربية برغم إمتلاكها الأسلحة المتطورة وأحدث التقنيات الحربية إلا أنها تخفي خلفها رجالاً قد خارت عزائمهم، ودولاً من ورق لا تقوى على الصمود أمام ثلة من المسلمين هنا وهناك، فلم يحكِ التاريخ يوماً عن دول محتلة تدفع أمولاً أو فدية أو "إتاوة" لمن تحتل أرضهم وتستعمرها. وذلك كله ينبئ بالحقيقة التي طالما غفل عنها المسلمون وضُللوا، وهي أن هذه الدول لا تقوى على مواجهة المسلمين في ساحات الوغى، وأنه لولا خيانة حكام المسلمين وتآمرهم الذي مكّن الكافرين من رقاب المسلمين وقدمّ خيراتهم وبلادهم لقمة سائغة للمستعمرين ما تجرّأ هؤلاء على المسلمين، ولا طمعوا في خيراتهم.
ويظهر الخبر من جانب آخر مدى خضوع الدول الغربية لأمريكا وسياساتها، وهو بالتالي يتضمن رسالة أخرى لشعوب الدول الغربية من أنهم يقادون رغماً عنهم لمسالخ الذبح لصالح السيد الأمريكي، الذي يستأثر لنفسه بالغنيمة بينما يطالب "شركاءه" بتحمل الغرامة والخسارة.
إن مثل هذه الحادثة لم تكن لتحصل لا في التاريخ ولا في الحاضر ولا في المستقبل لو لم يكن من احتلت أراضيهم هم المسلمين، ولو لم تكن عزيمتهم قوية لا تلين لها قناة ولا تعصف بها رياح أو هزات أو أعاصير.
إن في المسلمين طاقة لو حسن استغلالها ولو وظفت توظيفاً حقيقياً في ظل دولة تقودهم بصدق وإخلاص وتوجههم نحو فتح الأمصار ونشر الهدى والخير للعالمين لكان المسلمون هم طليعة البشر ولعادوا كما كانوا من قبل الجيش الذي لا يقهر، ولعاد إمامهم يخاطب الغمام: اذهبي حيثما شئت فإن خراجك إلي، ولجسّد المسلمون بحق مفهوم "خير أمة أخرجت للناس".
فلمثل ذلك اليوم من التمكين ولمثل تلك الغاية من تحقيق الخيرية فليعمل العاملون.