ضمن حملة الجزيرة المتواصة منذ سنوات وخاصة بعد ثورات الربيع العربي على (الإسلام السياسي) وتجربته في
الحكم، يستمر نشر المواد الإعلامية المتنوعة وبشكل متواصل وغير منقطع لترسيخ قناعات عند الرأي العام،
وأوضح ما يمثلها مقالة نشرت عام 2017 تحت عنوان "توابع الفشل.. هل يتخلى الإسلام السياسي عن دولة
الشريعة؟"، وأخرى موجهة للرأي العام وأتباع الحركات المحسوبة على (الإسلام السياسي) والقائمين عليها، يلخصها
مقتطف من حلقة برنامج موازين تحت عنوان "قراءة في تجربة الحركات الإسلامية العربية بالحكم" مع عبد الله
النفيسي، حيث يسأل الصحفي "... مرة أخرى كلها تجارب عربية لحركات إسلامية تفشل، هل كشفت هذه التجارب
عن نوع من العوار أو الهشاشة لدى البنية الفكرية للحركات الإسلامية والبنية السياسية كذلك؟" فيجيب النفيسي
"أكيد، ولذلك أنا أدعو الحركات الإسلامية بشتى أطيافها إلى مسألة الإنسحاب التدريجي من المشهد السياسي
والكمون التاريخي مدة عشرين أو أربعين سنة كله واحد ترى التاريخ يحتاج مدى، وهذا الكمون لأسباب ثلاثة بلورة
الرؤية الإستراتيجية وتكوين كادر سياسي وبلورة علاقات دولية ...".
وضمن تلك الحملة الفكرية السياسية تسعى الجزيرة إلى تثبيت قناعات عند الرأي العام بفشل الإسلام السياسي في
الحكم وسقوط فكرة الدولة الإسلامية وفشل جميع الأحزاب والحركات التي تحمل شعار الإسلام والحكم به...
والإستشهاد على ذلك بنماذج لوصول (الإسلاميين) للحكم في عدد من الدول العربية وخاصة تجربة الإخوان
المسلمين في مصر وتونس، وواضح أن الهدف من هذه الحملة الخبيثة هو خدمة الغرب المستعمر الذي يريد
للمسلمين أن يبقوا رهن نموذجه الديمقراطي العلماني في الحكم وبصورته المشوهة في بلاد المسلمين، وبقليل من
النظر يتبين أن الجزيرة تمارس دور السياسة الناعمة في ضرب فكرة الخلافة كنظام حكم لتصنع بعقول أبناء الأمة
ما لم يستطع الغرب صناعته بالحروب والصواريخ والدماء والتدمير.
ولو كانت الجزيرة حقاً تريد أن تتحلى بأدنى درجات الموضوعية والنزاهة ما تعمدت القياس الشمولي ولجعلت
الحديث عن تجربة بعينها وحركة بذاتها أو أنها تحدثت مع إظهار أن هنالك حزبا سياسيا عريقا يعمل في الأمة منذ
عقود وقبل أن توجد دولة قطر بعقدين، وكانت نشراته ترعب الغرب وعملاءه قبل أن توجد قناة الجزيرة بعقود، وأن
هذا الحزب له طريقة واضحة ومحددة ويحمل مشروعا كاملا جاهزا للتطبيق فور تسلم الحكم، وأن أتباعه ومؤيدي
مشروعه بين أبناء الأمة في تزايد، وأنه في تقدم لافت يرعب الغرب ويقض مضاجع مراكز أبحاثه، وهو لم يصل
للحكم حتى يقاس على من وصل ولم ينجح في التغير وإدارة الدولة! ونموذجه في الحكم لم يطبق حتى يوصف
بالفشل وعدم القدرة على إدارة الدولة! وأنه نموذج مبدئي لا يقاس على نماذج قبلت التعايش مع الديمقراطية والدولة
القطرية و"نسيت" أن تضع الأنظمة والدستور قبل تسلم الحكم للقيام بعملية التغيير، وأن الفشل في هكذا وضع نتيجة
طبيعية ففاقد الشيء لا يعطيه، ولكن كيف يتوقع ذلك من قناة تعمل ضمن أجندات الممول ومن يوفر لها الغطاء
السياسي والذي جعل منها أداة سياسية غربية أقرب من أن تكون أداة إعلامية لتناول قضايا العالم الإسلامي!
إن الجزيرة تغمض عينيها عن النماذج السياسية الواعية في تناول قضايا المسلمين وتغلق ستائرها كما فعلت ذات
يوم عندما كانت صيحات الله أكبر تحت مقرها في فلسطين تطالب بالخلافة وهي لا تريد الحديث الواعي العميق
النقي من مفكريين وسياسيين عن الدين وتوحيد المسلمين وإقامة الخلافة وحمل الإسلام بالدعوة والجهاد وتحريك
الجيوش لتحرير فلسطين والإنعتاق من الغرب وعملائه وتحرير الأمة وثرواتها من نفوذه وأدواته، فهذه القضايا
الأساسية التي عليها مدار عزة الإسلام والمسلمين مغيبة وهنالك عمل مقصود لتشويهها ولا مكان لإنصافها لا في
الجزيرة ولا في غيرها من الإعلام الرسمي في بلاد المسلمين.
إنه لمن المؤكد أن الإعلام الرسمي في بلاد المسلمين - في ظل سيطرة الإستعمار وأدواته – سيبقى مختطفا من
جهات لا يهمها الأمة وقضاياها وأحوالها، ولا تخاطب الرأي العام بصدق القول وهي تحاول التحايل بالحديث عن
أمور مختلفة في بلاد المسلمين للتغطية وللوصول إلى النتيجة المطلوبة وهي خدمة مشاريع الغرب والترويج لحلوله
السياسية وبث اليأس عند الأمة ودعوتها لقبول التعايش مع الغرب ونماذجه الكافرة في الحكم، ونحذر الأمة من هذا
الإعلام المسموم ونطمئن المسلمين أن نهضة الأمة وقيام دولتها يلوح في الأفق، وهذا ما يدفع الجزيرة وغيرها لهذا
الهجوم العنيف والمستمر، وذلك لشعورهم بقرب قيام الدولة التي سوف تنسف الغرب وعملاءه وتطبق دستورا
يُفَصِل الإعلام ووظيفته ودوره في خدمة الأمة ومبدئها وحمله للعالم لإنقاذه من الرأسمالية والعلمانية والشذوذ
والإنحطاط والفقر والضياع، ونقول للجزيرة وغيرها إن هذا الخير لا قبل لكم بحجبه أو تشويهه فالشمس لا تغطى
بغربال، وهذا الخير قد تجذر في أعماق الأمة وإن الإنصاف والنزاهة كان خير لكم وأسلم لو كنتم تعقلون.
٣-٤-٢٠٢٣