أجرت قناة "روسيا اليوم" لقاء خاصا مع خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خلالزيارته إلى موسكو بثته أمس (10/2/2010)، ونشرته على موقعها على الانترنت. وعرض مشعل فيه المعوقات الإجرائية للمصالحة، والتي ركّز فيها على موضوع الانتخابات على صعيد السلطة وعلى صعيد المنظمة، وبيّن قبوله للتسوية على أساس حدود 67 وسلام الأقوياء، وعرض مفهوم المقاومة كورقة ضغط في المفاوضات، ورحب بالدور الروسي ومؤتمر موسكو المتعثّر.
***
إن متابعة اللقاء تؤكد أن مشعل قد أتقن تماما لغة الزعماء العرب، فهو يتحدث حول ما أسماه "الصراع العربي الإسرائيلي"، "خاصة في محطة سياسية مهمة، وفيه تفاوض مع إسرائيل وتوجد معركة سياسية ضارية مع إسرائيل" حسب تعبيره. جاء ذلك في جمل معبئة بالمفاهيم التي يقوم عليها حراك الأنظمة العربية العميلة في تآمرها على قضية فلسطين، وفي استجابتها للمشروع الأمريكي، ومتناقضة مع المفاهيم التي تقوم عليها الأمة في عملها لخلع كيان يهود من جذوره بجهاد الجيوش الإسلامية.
ومن ثم ناقض الأحكام الشرعية الصريحة التي تحرم قبول التسوية مع كيان يهود الغاصب، في قوله: "نحن موافقون على التسوية حتى حدود عام 1967، ولكن هذه التسوية تحتاج إلى نضال شديد والى أوراق قوى وعلى رأسها المقاومة". واعتبر في كلامه هذا أن المقاومة هي ورقة قوة تلزم في مطلبه "أن يعيد العرب والفلسطينيون ترتيب أوراقهم التفاوضية، وأن يملكوا أوراق القوة، في مقدمتها المقاومة".
إن المقاومة التي تكون ورقة ضغط من أجل المفاوضات لا يمكن أن تلتقي مع المفهوم الشرعي لجهاد الدفع الذي يحرك المخلصون من أبناء المسلمين، وهي عندها تكون طريقا للباطل، حيث أكد مشعل هذا التوجه بقوله "الجميع يعزف معزوفة السلام بلا أوراق ضغط وأوراق قوة"، مما يُفهم أنه يريد أن يعزف المعزوفة نفسها ولكن مع مقاومة تمكن من استعادة فرصة المفاوضات، وهو يتأسف على ضياع فرصة التسوية حاليا في قوله "اعتقد التسوية اليوم لا فرصة لها للأسف، والسبب هو الموقف الإسرائيلي".
واستخدم مشعل المعاني نفسها التي كان يتحدث بها الرئيس الفلسطيني السابق حول سلام الشجعان قائلا "الذي يصنع السلام هم الأقوياء، السلام لا يصنعه طرف قوي وطرف ضعيف". إذا كان الحال هو الحال والمقال هو المقال، فما هي المسافة التي تفصل حركة حماس عن حركة فتح؟ وخصوصا في ظل مطالبة مشعل بأن "تتشكل إرادة دولية تجبر إسرائيل أن تحترمالقانون الدولي وان تنصاع لمتطلبات السلام العادل والحقيقي في المنطقة"، وهي مطالبة تتطابق مع ما تطالب به سلطة رام الله.
ورغم توضيحه أن اقتراح مؤتمر موسكو جاء بعد مؤتمر أنابوليس (التطبيعي مع كيان يهود)، رحب مشعل بالدور الروسي من خلال عقد مؤتمر موسكو، واعتبر أن "إسرائيل" هي التي تعطل عقده. إذا كان مشعل يرحب بالمؤتمرات الدولية التي تقوم على تقسيم فلسطين، فما الذي تبقّى من المشروع الإسلامي الذي يرفع شعاره لتحرير فلسطين؟
إن حزب التحرير قد بيّن مرارا أن التنافس الجاري هو على مكاسب السلطة، بينما يسير الطرفان نحو الهدف نفسه، ولقد بيّن مشعل أن المصالحة ضرورية "للتسوية النهائية" عندما قال معقبا على سؤال حول رؤيته لتلك التسوية النهائية بالقول: "من هنا تأتي ضرورة المصالحة".
إنه لمن المؤسف أن تتحول الفصائل الفلسطينية التي رفعت شعار المقاومة إلى مؤسسات متنافسة على سلطة هزيلة تعمل بشقيها على تهيئة الظروف "للتسوية النهائية" بعدما أسالت دماء المسلمين في تنافسها السلطوي ذاك، وخصوصا ومشعل يؤكد في تفنيده لمعوقات المصالحة على قضايا الانتخابات ولجانها على صعيد السلطة وعلى صعيد منظمة التحرير وتشكيل المجلس الوطني الجديد وانتخاب لجنة انتخابية جديدة، وهي كلها إجراءات تتعلق بالتنافس على التمثيل في مشروع يصب في التسوية النهائية مع كيان يهود كما يصرّح طرفا السلطة بلا مواربة.
لقد آن للمخلصين من أبناء فلسطين أن يواجهوا الحقيقة المرة، وأن ينظروا بعين الحقيقة المبصرة لتوجهات شقي السلطة نحو "السلام" مع كيان يهود، وأن لا يسمحوا لأحد أن يختفي خلف شعارات مضللة، ومن ثم أن يتوجهوا للأمة لإعادة القضية إلى حضنها، كمخرج واحد ووحيد لحل القضية.