تتكرر مشاهد المسيرات التي تحركها بعض القيادات الفلسطينية ضد الجدار الذي تقيمه دولة يهود في مناطق الضفة الغربية، وخصوصا في منطقتي بلعين ونعلين، حتى استنّها ناشطون محليون ودوليون سُنّة أسبوعية. وفي ذكرى انطلاقة "فتح"، علّت أصوات قيادات فتحاوية مطالبة بالمقاومة الشعبية، وشاركت بعض تلك القيادات في التظاهرات أمام الجدار، واليوم نقلت صحيفة الخليج عن أحد القياديين في فتح تأكيده "أن مشاركة “فتح” في هذه المسيرة تجسد الواقع والخيارات التي يجب أن تتمسك بها في مقاومة الاحتلال وجداره العنصري".
وفي حديثه لفضائية فلسطين مساء الجمعة 1/1/2010 كرر رئيس السلطة الفلسطينية رفضه للعمل المسلح ضد الاحتلال، وقال أنهم يحرجون الاحتلال من خلال الأعمال الشعبية (السلمية).
إن مسيرة التضليل السياسي الذي تمارسه القيادات الفلسطينية الرسمية مستمرة منذ نشأة منظمة التحرير الفلسطينية، التي ادّعت أنها تريد تحرير ما احتل عام 1948، من خلال الكفاح المسلح، ثم كشفت عن برنامجها الحقيقي القائم على الاعتراف بالاحتلال وقبول الاتفاقيات الأمنية معه مقابل دويلة في حدود عام 1967، وقبول التنسيق الأمني وحراسة أمن الاحتلال حسب متطلبات خارطة الطريق، بعد أن أصبح ذلك الكفاح المسلح "المدّعى" تهمة أمنية.
وتتفاقم مسيرة ذلك التضليل السياسي اليوم من خلال رفع شعارات المقاومة الشعبية وتشجيع الأعمال السلمية التي تدفع بالناس لتلقي رصاص الاحتلال بالصدور العارية من أجل إحراج احتلال يهودي لا يستحي من الله ولا من عباده أمام العالم. بل هو الذي يحرج تلك القيادات وهو يتبختر بجنوده ومستعربيه في مدن الضفة الغربية كلما شاء، ويقتل من يريد، كما حصل قبل أيام في نابلس. فأي تضليل سياسي هذا الذي تمارسه تلك القيادات ؟
إن التظاهرات ضد الجدار تقوم على مفهوم مغلوط، إذ تعتبر المشكلة في موقع الجدار وحدوده لا في وجوده، وبالتالي فهي أعمال في ظاهرها مقاومة، وفي باطنها اعتراف بالاحتلال سواء أدرك المشاركون ذلك أم لم يدركوه.
إن المشكلة مع الاحتلال اليهودي ليست مشكلة جدار وحدود بل مشكلة ووجود يهود على أرض إسلامية خراجيه لا يملك أي فصيل أو زعيم حق التصرّف بها. وهذا الاحتلال لا يمكن خلعه منها إلا بجهاد جيوش المسلمين التي تدكّ حصونه وتجتثّه من جذوره، لا أن تدفعه (أو حتى أن تكنسه) خلف حدود الضفة الغربية الزائفة الباطلة.
والمقاومة التي يقصد منها إيقاع الأذى بيهود على أساس الجهاد الفردي وتحريك المسلمين للقيام بواجب التحرير هي مقاومة مشروعة حسب شرع الله الحنيف، وإن كانت مرفوضة حسب شرعة الطاغوت العالمي، ومرفوضة حسب الأدبيات التي حرّفتها قادة المشروع الوطني الفلسطيني. أما المقاومة التي يراد منها أن تكون ورقة ضغط على طاولة المفاوضات ومشاهد إعلامية على الفضائيات فهي مرفوضة حسب شرع الله ومقبولة حسب شرع الطاغوت.
شتّان بين الكفاح المسلّح المدّعى وبين المقامة السلمية التي تطالب بها القيادات في ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية، وكبيرة هي المسافة بين الأعمال الجهادية التي تقود إلى التحرير الحقيقي وبين الأعمال السلمية التي تقود إلى طاولة المفاوضات. وأمام هذا البون الشاسع نسأل: ماذا بقي من تلك الثورة الفلسطينية المسلحة في ذكرى انطلاقتها ؟