إن الحرب الصليبية التي أعلنها جورج بوش لم تنتهِ بعد بل هي مستعرة تتوالى جولاتها في أفغانستان والعراق وفلسطين وغيرها، فتهرق دماء آلاف المسلمين، وما زيارة بوش الحالية إلاّ واحدة من هذه الجولات الكارثية التي يحركها الحقد على الإسلام والمسلمين والحرص على مصالح يهود.
فقد جاء بوش في هذه الجولة الصليبية يحمل السم الزعاف والمهالك للمسلمين، وخاصة أهل فلسطين، فهو قد جاء ليقدم أقصى ما يمكنه من خدمـات أمنية ومادية لدولة يهود في فلسـطين، بالإضافة إلى تطمينهم بأنه لن يسمح لإيران بان تمتلك أسلحةً نوويةً، وليزيل قلقهم الذي اعتراهم بعد قـرار لجـنة الاستخبارات الأمريكية بـ(تبرئة) إيران من أنها تسعى الآن لامتلاك السلاح النووي. وكل ذلك كجزء من الحملة الانتخابية للحزب الجمهوري لكسب أصوات اللوبي اليهودي ...
إن خدمات بوش الأمنية لدولة يهود قد برزت في كل تصريحاته حتى قبل أن يبدأ زيارته، فقد تركزت زيارته حول كونها استمراراً لما قدمه ليهود في مؤتمر أنابوليس المشؤوم. قال جيمس برادلي مستشار بوش للشؤون الأمنية في 3/1/2008 (هناك ثلاثة مسارات انطلقت في أنابوليس: الأول المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين لإيجاد إطار اتفاق بخصوص الدولة الفلسطينية، والثاني تطبيق خارطة الطريق، والثالث بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية ... وستكون لديه [الرئيس] الفرصة ليشجع هذه المسارات الثلاثة وليُظهر دعمه لها) ثم أجاب على سؤال فقال (إن زيادة قدرات قوات الأمن الفلسطينية هي جزء من بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية والقيام بالتزاماتها بموجب خارطة الطريق لتوفير مزيد من الأمن)
وبالتدقيق في هذه التصريحات يتبين أن الذي انطلق في أنابوليس وما يأتي جورج بوش للوقوف عليه بنفسه هو ذات المشروع الأمني المسمى سلطة فلسطينية المصمم خصيصاً لخدمة يهود والأمريكان لا غير: فإن المسار الثاني الذي أشار إليه برادلي (المرحلة الأولى من خارطة الطريق) هو مسار أمني، تقوم السلطة بموجبه بمحاربة شعبها من أجل (تفكيك التنظيمات المسلحة والقضاء على جميع أشكال العنف)، أما المسار الثالث المتعلق ببناء مؤسسات الدولة فإن برادلي قد عرّفه بقوله (إن زيادة قدرات قوات الأمن الفلسطينية هي جزء من بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية والقيام بالتزاماتها بموجب خارطة الطريق لتوفير مزيد من الأمن [أمن من يا ترى]). أي أن مسارين معلنين من مسارات أنابوليس هما مساران أمنيان يتعلقان بحفظ أمن يهود، ولذلك يكون المسار الثالث (المفاوضات) شيء ملحق بالناحية الأمنية، فجوهر المفاوضات وسقفها الأعلى لا يتعدى شكل وتفاصيل هذا الجهاز الأمني التابع ليهود المسمى سلطة أو "دولة" فلسطينية زوراً وبهتاناً وتضليلاً.
وعليه فإن جورج بوش قد جاء إلى الضفة الغربية ليطمئن بنفسه على أن بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية يجري بحيث يحقق هذا الكيان المصطنع وظيفته الأساسية كخادم تابع للكيان اليهودي، ويتضمن ذلك "تطهير" هذه المؤسسات من كل من لا يعتنق الولاء لأمريكا ومشاريعها، وإبعاد وتهميش كل الرافضين للاستسلام والخنوع ليهود ولأمريكا، خاصة المخلصين من أبناء التنظيمات.
والسلطة الفلسطينية أثبتت أنها تلميذ نجيب لدايتون وجونز، فكانت باكورة خططها الأمنية إسقاط شهيد شارك في مسيرة سلمية في الخليل والاعتداء الوحشي وإصابة المئات من المحتجين سلمياً على مؤتمر أنابوليس في أنحاء الضفة الغربية، وانتهاك حرمات المساجد، ثم كانت حملتها الأمنية في نابلس حيث مهدت الطريق لجيش يهود لاجتياح المدينة فكان تقاسماً وظيفياً واضحاً لم تستطع جعجعات السلطة الاستنكارية إخفاءه. ولذلك فإن زعيم الحرب الصليبية سيُسر بإنجازات السلطة وإجرامها بحق شعبها وستبدي السلطة تجاوباً تاماً مع كل الإملاءات الأمريكية واليهودية، سواءٌ التي يحملها بوش أو التي يحملها أصغر ضابط "إسرائيلي"، لأن من يهن يسهل الهوان عليه، والسلطة قد ضربت في الهوان مثالاً سبق الأولين والآخرين.
إن من يستقبل بوش ومن يرحب به، وقد ولغ جيشه الصليبي في دماء المسلمين ولا يزال، يكون شريكاً له في جرمه قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(، وإن من يصدّق كذِب وتضليل الكفار وأعوانهم من سلطة وحكام فإنه يغفل عن قول الله تعالى: (لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ).
إن هذه السلطة التي جاء بوش ليُشرف بنفسه على صناعتها حافظةً لأمن يهود، على عين بصيرة، ما هي إلا مشروع مقيت من مشاريع الكفار، لا يخرج عن كونه ذراعاً أمنياً لدولة يهود، وهذا الجهاز لا يصلح بالترقيع والتحسين والتجميل، فلا يصلح - كما قيل - برحيل حكومة فياض أو غيره من أزلامها، صحيح أن فياض (وجماعته) له مكانة خاصة عند جورج بوش، ومن أجل ذلك سيجتمع به اجتماعاً منفرداً لا يكون فيه أبو مازن (حسب تصريحات برادلي)، فالمشكلة هي مشكلة السلطة من حيث هي ومن حيث أساسها الذي تقوم عليه، وبغض النظر عمن يكون على رأسها ويتحكم فيها، سواءٌ أكان حركة تجاهر بعلمانيتها أم حركة ترفع شعار الإسلام، أم خليط من هذا وذاك.
وعليه فإننا نحذر المسلمين في فلسطين من خطورة هذه الزيارة، ليس لأنها تجعل السلطة حارساً أميناً يسهر على سلامة اليهود في فلسطين فحسب، بل لأنها تجعل بوش يتعامل مع بلادنا ليس فقط كجزء من السياسة الخارجية بل كذلك كجزء من السياسة الداخلية في الحملات الانتخابية الأمريكية!
إننا ندعو أهل فلسطين لإعلان تبرؤهم من الحكام ومن السلطة وأزلامها الذين يمكنون بوش ويهود من رقاب أهل فلسطين ويتآمرون عليهم وعلى مقدساتهم، وأن يعلنوها مدوية صريحة (لا أهلاً ولا سهلاً ولا مرحباً بالصليبي الحاقد بوش)، (ولا أهلاً ولا سهلاً بمن تُسفك بسلاحه دماء أهل غزة صباح مساء).
ونقول إن الأمة لن ترحم الخونة والمتآمرين عليها، فهي قريباً بإذن الله وفي طليعتها حزب التحرير ستملك زمام أمرها وتقيم دولتها وتبايع خليفتها، وتطبق شرع ربها، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.