"حزب التحرير وفن المثابرة" - صحفية ألوان السودانية-
التفاصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
"حزب التحرير وفن المثابرة"
-صحيفة ألوان السودانية-
أورد الكاتب (حسن جبورة) بصحيفة ألوان العدد (4434) يوم 22/12/2010 في زاويته (عكس التيار) مقالاً تحت عنوان: (حزب التحرير وفن المثابرة) قال فيه:
حزب التحرير- ولاية السودان كيان إسلامي يدعو لبعث وإحياء الخلافة الإسلامية الراشدة، وبالرغم من أن هذا الحزب هو الأكثر انضباطاً والأعلى صوتاً وصدوحاً بآرائه المصادمة، ومثابرته ودأبه غير المقطوع ولا الممنوع في مجال الابلاغ عن قناعاته وتوجهاته.. وأنه لا تمر عليه قضية مهما كبرت أو صغرت إلا ووضع حولها رؤيته التي كثيراً ما أجد نفسي متفقاً معها.. خاصة في عدائه السافر لأمريكا، ونقده اللاذع لحكام الدول الإسلامية والعربية، وحتى حكام السودان.. ومتابعته الدقيقة لشؤون المواطنين فقراً وجوعاً ومرضاً.. بالرغم من كل ما تقدم لم أجد يوماً أن صحفياً أو جهازاً إعلامياً تناول بالنقد والتحليل أو التقريظ ما ظل يصدره هذا الحزب المثابر من بيانات ونشرات صحفية، بل ان هذا الحزب وصل درجة إبلاغ كل من أمسك بقلم ولو كان متدرباً عبر بيان صحفي أنيق، ومظروف أبيض جميل مكتوب عليه اسم هذا الكاتب أو ذاك الصحفي. وقد حاولت احصاء عدد الخطابات التي وصلتني شخصياً، وظللت احتفظ بها منذ أعوام فلم أستطع. وهذه والله مثابرة تثير الاعجاب وتعكس ايمان هؤلاء الرجال بقضيتهم، اتفقنا معهم أو اختلفنا.
أمامي الآن بيان صحفي صادر عن الحزب وممهور برسم الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان- إبراهيم عثمان (ابو خليل) بتاريخ 15/12/2010م تحت عنوان: (أمريكا تمسك بملف دارفور بعد أن ضمنت الجنوب في جيبها)، وقد جاء بعد يوم واحد من إعلان دين سميث مستشاراً لدارفور، وافتتح بيانه كالآتي: (عينت الإدارة الأمريكية السفير المتقاعد (دين سميث) مستشاراً أمريكياً خاصاً للوضع في دارفور، وحول هذا التعيين يقول المبعوث الأمريكي الخاص للسودان (سكوت غرايشن): (إنني مسرور جداً لأنه أصبح جزءاً أساسياً من فريقنا... هو الشخص الذي نحتاجه ليضع التركيز على دارفور). وختم البيان: (إننا في حزب التحرير- ولاية السودان ننبه إلى خطورة الموقف، ونخاطب المخلصين من أبناء هذا البلد لتحمل المسؤولية، والوقوف ضد المؤامرات الغربية والأمريكية، والعمل من أجل إقامة دولة مبدئية، تحسن رعاية الرعية، وتوجد العدل والأمن والأمان للجميع، وتقود العالم كله لما فيه خير البشرية، وليس غير دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة من يضطلع بهذا الدور التاريخي في هذه المرحلة المفصلية في تاريخ الأمم والشعوب)انتهى.
والحق أقول إن حزب التحرير هذا ما كتب تحليلاً في أمر وأخرجه في بيان إلا كانت نظرته صائبة وتحليله منطقي وقراءته للأمر سليمة.
لكن الذي يقدح في رؤية حزب التحرير هذه التجربة الإسلامية، أو قولوا إن أردتم الدقة- المسماة إسلامية جوراً أو عسفاً، فإذا كانت الانقاذ ومنذ عشرين عاماً تدّعي انها تطبق شرع الله، والرئيس البشير قال في القضارف، إن الشريعة الإسلامية ستطبق في الشمال فور انفصال الجنوب، وهذا يؤكد اعتقاد البعض في أن الحركة الإسلامية عملت سراً لفصل الجنوب منذ 1968م وقد نالت مبتغاها الآن. ولكن هل كانت تجربة الشريعة الإسلامية خلال الـ(23) عاماً الماضية تمثل الإسلام وتعبر عن عدالته وسماحته وتكريمه للإنسان كابن آدم أمر الله بتكريمه، أم كانت تجربة فاشلة عمقت في نفوس كثير من الناس أن الإسلام مجرد شعارات يرفعها السياسيون كعصي غليظة يخيفون بها الناس، ويمتهنون كرامتهم ويذلونهم شر اذلال (في البسوى والما بسواش)، فإذا كانت الشريعة التي يريد أن يفرضها الرئيس هي امتداد للتجربة الماثلة الآن سيرتكب المؤتمر الوطني خطيئة لن يغفرها له التاريخ مهما تدثر خلف العاطفة الدينية- أعني ان محاولة اقناع الشعب السوداني أن الحزب قادر على تطبيق شريعة إسلامية (غير) تغطيه بالعدل والحرية والإحسان وتوفر له قدوة حسنة بياناً بالعمل وليس بالشعارات.
نحن لا ننتظر من ولاة أمورنا أن يكونوا مثل العمرين رضوان الله عليهما- لأن هذا من المستحيلات، ولكن الذي يحكم باسم الإسلام يجب أن يطبق تعاليمه وحدوده وقيمه على نفسه أولاً ليكون مقنعاً للآخرين.. أما إذا استمر هذا الحال- الولاة في أبراج عاجية والرعية في القاع يئنون من المرض والجوع والفقر والجهل والعوز، فهذا ما لا يجوز، والأفضل أن يعلن المؤتمر الوطني أنه يحكمنا بالحديد والنار، بعدها نستطيع أن نتعامل معه، فإما غلبنا بالقوة الجبرية أو أطحنا به لنؤسس دولة الشريعة التي نعرف.
أعود فأقول- إذا كان حكامنا قد فشلوا في تطبيق شرع الله كما جاء به الكتاب والسنة فأي خلافة راشدة يسعى لبعثها حزب التحرير (العالمي)؟