بعد أيام قليلة من بتّ مجلس الدولة البلجيكي -وهو أعلى هيئة دستورية في البلاد- في قضية الخمار إيجابيا، سارعت الأحزاب البلجيكية كافة إلى التصويت لصالح مشروع حظر النقاب في كل الأماكن العامة بحجة الضرورة الأمنية والدفاع عن كرامة المرأة.
وقد رفضت هذا المشروع منظمات حقوق الإنسان، واعتبرته انتهاكا للحرية الشخصية والدينية؛ إذ صرّح "توماس هامربرج" المفوّض الأوروبي لحقوق الإنسان أنّ منع المرأة المسلمة تغطية جميع جسدها يتعارض مع اتفاقية أوروبا لحقوق الإنسان. وقد كانت منظمة "هيومن رايتس ووتش" قد أعلنت من قبل أن أي حظر من هذا النوع، يقيد من حرية التعبير فيما يخص الهوية الدينية الإسلامية، وينتهك حقوق الإنسان.
ونحن نسأل: إذا كانت منظمات حقوق الإنسان تعتبر حظر النقاب انتهاكا لحقوق الإنسان، فكيف يتجرأ الساسة على التصويت لهذا المشروع والافتخار بتحقيقه؟ وإذا كانت منظمات حقوق الإنسان ترى أن منع المرأة المسلمة تغطية جميع جسدها يتعارض مع اتفاقية أوروبا لحقوق الإنسان، فكيف يجمع ساسة بلجيكا على هذا المنع واعتباره من باب الدفاع عن كرامة المرأة؟
فساسة الغرب ينتهكون حقوق الإنسان، وفق تصريحات المنظمات المتخصصة في هذا الشأن، ومع ذلك يتشدقون بالدفاع عن حقوق الإنسان. وساسة الغرب ينتهكون قواعد الدستور وقيم مبدئهم الأساسية ومع ذلك يريدون من المسلمين احترام الدستور واعتناق قيمهم. فهل بعد هذا التناقض من تناقض؟
إذاً، عن أي حقوق إنسان يتحدث الساسة في الغرب، وهم أول من ينقضها وينتهكها؟ ثمّ لماذا يعتنق المسلم هذه القيم الغربية التي يتبجّح بسموّها الغرب وهي قيم بلا قيمة عند أهلها؟
إن حقوق الإنسان، كما بيّن لنا ساسة الغرب أكثر من مرّة، نظرية غير قابلة للتطبيق حتى عند من يزعم أنه يتبناها ويدافع عنها؟ فحقوق الإنسان فكرة مطاطية بين يدي الساسة يؤولونها وفق هواهم؛ إنها في حقيقتها حق السياسي الغربي في أن يفرض على الإنسان المسلم ما يشاء، أو لِنقُل حقّ السياسي الغربي في أن يحدّد الحقّ للإنسان المسلم، وعلى هذا الإنسان المسلم أن يشكر السياسي الغربي إذا أعطاه حقا؛ لأن الجنس الأوروبي -كما قال الفيلسوف رينان- جنس يلد السادة والأبطال، وأما المسلم فيكفيه أن منّ السياسي الغربي عليه بحقّه في الأكل والشرب.