هذه قصة الشاب أحمد، أحد شباب حزب التحرير، لم تمتد أحداثها لأكثر من ليلة واحدة في سجن السلطة الفلسطينية، ولكنه قد أرى الله من نفسه ما يحب في هذه الليلة، فلنعم الرجل هو،
البداية كانت حيث أحمد وصاحبه يعملان على نشر دعاية لمحاضرة كان ينوي الحزب عقدها في البلدة، فأثناء انشغالهما بنشر الدعاية وتعليق الملصقات التي تدعو الناس إلى حضور تلك المحاضرة التي حملت عنوان: "الإسلام قادم والأمة لا تموت"، انقضت عليهما عناصر من الأجهزة الأمنية ليلقوا القبض عليهما، وكأنهما مجرمان متلبسان بجرمهما، والجرم هنا (حمل الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية!!).
ولم تكتف تلك العناصر بأن قبضت عليهما كالمجرمين، بل بدأت بتمزيق الملصقات وكأن بينها وبين دعوة الإسلام عداوة، ونسي هؤلاء أنهم بذلك يعادون الله ودعوته، ولا يعادون حملة الدعوة فحسب، وصدق الله القائل: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}.
حامل الدعوة لا يرضى لنفسه موقف المتهم
بعد أن نقلوا أحمد وصاحبه إلى مركز المخابرات في المحافظة، بدأ هؤلاء بالتحقيق معه دون أن يعلموا ماذا يخبئ لهم أحمد من صلابة ورباطة جأش لم يعتادوا عليهما.
المحقق: ماذا كنت تفعل عندما جاءتكم السلطة؟
أحمد: كنت انشر دعاية للمحاضرة التي كان سيعقدها الحزب
المحقق: ولكنكم لم تأخذوا ترخيصاً بالعمل!!
أحمد: الترخيص الذي نحتاجه من ربّ العالمين وليس منكم
المحقق: هل أنت من حزب التحرير؟
أحمد: يُشرفني أن أكون من حزب التحرير
المحقق: من أعطاك هذه الأوراق؟
أحمد: هذا لا يعنيك
المحقق: هل تُعطي حلقات؟
أحمد: هذا أيضاً لا يعنيك
المحقق: متى التزمت مع الحزب؟
أحمد : يوم أن هداني ربي إلى الطريق الصحيح
أيقن المحقق حينها أنه يتعامل مع شخص يعرف ماذا يقول، وأنّه يتحدث بعزة المسلم وهمة حامل الدعوة الذي لا يركع إلا لله.
فانتقل بعدها إلى أسلوب أخر لعله يستفز أحمد أو ينال من همته العالية.
محاولة تحطيم المجاديف
المحقق قائلاً لأحمد بطريق السخرية: ماذا فعل حزب التحرير منذ عام 63؟
أدرك أحمد أنّ المحقق جاهل ومستهزئ، فأحب أن يصفعه سريعاً، فقال له: ليس من عام 63 بل من عام 53.
ولم يكتف أحمد بذلك بل أكمل ليلقن المحقق درسا في الثقة بنصر الله، والقناعة بالمسير، والمشي على هدى. فقال:
حزب التحرير قائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإعادة الإسلام إلى الوجود، وهذا فرض رباني كفرض الصلاة، ومتى تحقق هذا الفرض نكون قد كسبنا الدنيا والآخرة وإذا لم يتحقق نكون قد قمنا بما فرضه الله علينا.
فبهت الذي افترى
ثم أراد أحمد أن يصفع المحقق مرة ثانية، وهذا موقف المهاجم الذي لا يرضى لنفسه أن يقف في موقف المتهم. فقال:
ولكنكم أنتم في منظمة التحرير في عام 64 كان شعاركم من النهر إلى البحر وبعدها تنازلتم عن 48 وأصبحتم تُطالبون بـ 67، وبعد برهة من الزمن تنازلتم عن الجزء الأكبر من ال67، وأخيراً دخلتم مفاوضات دون شرط أو قيد.
فما كان من المحقق إلا أن تغير لون وجهه وقال: أنتم غير مرغوب فيكم حتى عند الحركات الأخرى.
أحمد: إنّ من لا يحب حزب التحرير إما أن يكون عميلاً أو منافقاً أو جاهلاً بالحزب أو حاقداً على الإسلام أو له مصالح.
المحقق: ونحن من أي صنف؟
أحمد: أنت تعرف من أي صنف أنتم.
جُرأة في قول الحق
بعد أن أيقن المحقق أنه لن يأخذ من أحمد أخضراً ولا يابساً، أراد أن يتخلص منه، فقال له: وقِّع على أقوالك.
ومع أنّ أقوال أحمد مشرفة وترفع الرأس، إلا أنّه لأن فيها معلومات تفيد أعداء الخلافة كاعترافه بعضويته في الحزب، رفض التوقيع على أقواله، لتبقى المعلومات غير موثقة بالنسبة لهم.
المحقق: لماذا لا تُريد أن توقع؟
أحمد: لأنه من غير المستبعد أن تنقل هذه المعلومات إلى يهود، فأنتم تتبعون دايتون شبراً بشبر وذراعاً بذراع.
المحقق: إن لم توقِّع لن تخرج من السجن.
أحمد: " لرجلك"، ويقصد المبالغة في عدم الاكتراث.
المناورة الأخيرة
أدرك المحقق حينها أنّ أحمد عصي على الانكسار، فذهب أحمد للصلاة وما إن عاد حتى واجهه المحقق بكلام معسول لعله يقنعه بالتوقيع.
المحقق: نحن نحترمكم والى غير ذلك من الكلام الجميل، فوقّع حتى تروح.
أحمد: لن أوقّع، فلا تتعب نفسك أكثر، لن أوقّع.
ولأن المنجي هو الله، والضار والنافع هو الله، والله لا يبخل على عباده المتقين برحمته الواسعة، أفرجوا عن أحمد وصاحبه بعد مبيت ليلة واحدة عندهم، فعاد إلى أهله فرحاً بفرج الله وأجره إن شاء الله، دون أن يضره شيء.
وصدق فيهما قول من قال:
ثواني العاملين لها حساب === ودهر اللاعبين بلا حساب