الابتلاء سنة الله في الأولين والآخرين، وهو سنة لحملة الدعوة الذين اختاروا أن يكون الإسلام قضيتهم وشغلهم الشاغل، ولقد ثبّت الله الكثير منهم عند الابتلاء الذي طال أبدانهم وأرزاقهم ودماءهم، ولسان حالهم يقول: اللهم خذ من دمائنا وأموالنا وأنفسنا حتى ترضى، صابرين محتسبين، لا تلين لهم قناة ولا يخضعون للظالمين، بل ويحيلون أوجاعهم إلى سعادة باحتسابها عند الله، ومن هؤلاء أخونا أبو معاذ الذي ناله من الابتلاء ما ناله.
محاولة كسر العزيمة من البداية
اختار أبو معاذ الذي استدعاه جهاز المخابرات برام الله للتحقيق، اختار أن يذهب إليهم خشية أن يظن هؤلاء أنّ به خوفٌ أو جزعٌ من مقابلتهم، خاصة وأنّ أبا معاذ من وجهاء قومه. فتوجه إليهم بخطى ثابتة لا يخشى إلا الله.
ولأن جهاز المخابرات يعرف من هو أبو معاذ، ويعرف مكانته ووجاهته، خاصة وهو من طلاب الماجستير في الشريعة الإسلامية. أرادوا أن يفردوا عضلاتهم عليه، لظنهم أنّهم قد يكسرون شوكته أو ينالون من عزيمته.
فما أن دخل غرفة التحقيق، وسأله المحقق عن وظيفته، وأجابه أبو معاذ بأنه معلم للشريعة الإسلامية، حتى استشاط المحقق وضرب أبا معاذ وهو يقول: أنت تشتم (الرئيس)!!
أبو معاذ قام عن كرسيه الذي كان يجلس عليه فوراً، صارخاً بوجه المحقق ومتوجهاً إليه. مما أرعب المحقق فتحول إلى نعامة خرقاء تهرب من صفير الصافر، فيهرب من أبي معاذ متجها إلى أحد أركان الغرفة.
يهرع الظالمون إلى الغرفة
وفي هذه اللحظة لما رأى الظالمون حال محققهم، يدخل اثنان آخران من أفراد جهاز المخابرات وينقضون على أبي معاذ بالضرب المبرح، بعد أن أمسك به اثنان وبدأ الثالث بالضرب، هذا فضلاً عن الألفاظ النابية البذيئة التي كانت تخرج من أفواههم الوسخة. ولكن ذلك لم يحل بين أبي معاذ ومواصلة الصراخ عليهم.
القوة لغة لا يفهمها أبو معاذ
لما رأوا أنّ القوة لم تنل من أبي معاذ، فهو ما زال معتزا بنفسه، واثقا من موقفه. يدخل عليه محقق آخر بعدها ليحاول إظهار الوجه الحسن، وهو الأسلوب الذي تستخدمه هذه الأجهزة والذي تحاول من خلاله أن تظهر بأنّ هناك المتوحش وهناك الرحيم الذي يستحق التعامل معه باحترام، لعل الشاب يبدي تعاوناً. ثم يدخل بعدها مدير السجن ومعه بعض المحققين قائلاً لهم حققوا معه في الاحتفال وما يقوله أمام المدرسين.
ثقة بالنفس
قال أحد المحققين لأبي معاذ: ماذا تقول أمام زملائك؟
أبو معاذ: هذا ليس شـأنك، أقول ما أشاء.
المحقق: أنت تحقر الرئيس وتشتم السلطة وأنت موظف فيها وأنا سأحضر لك الأدلة والشهود.
أبو معاذ: إفعل إن استطعت.
المحقق: أنت في تاريخ كذا شتمت (الرئيس) وحقرت من شأن السلطة أمام مجلس أولياء الأمور وأمام مجموعة من المعلمين.
أبو معاذ: لم يكن عندنا احتفال في هذا الوقت.
المحقق: سأثبت لك ذلك.
بعد ربع ساعة عاد مع شخص ثالث، فقال أتعرف فلاناً وفلان؟
أبو معاذ: هؤلاء ليسوا من مدرستنا، أنا معلم في مدرسة كذا.
وبعد أن ذهب المحقق إلى غرفة المدير وناقشه واكتشف أن معلوماته مغلوطه وجواسيسه كذابون، أراد أن يخرج بماء الوجه.
فقال: هيا نكمل موضوعنا، أنت تحرم الانتخابات وتخون السلطة وتكفر السلطة والحكام؟
ولكن أبا معاذ لم تنطلي عليه الحيلة، فقال: أولاً ننهي الموضوع الأول.
فإذا بالمدير يدخل فيقول له يوجد خربطة، يوجد سوء فهم، ومخاطبا محققه: خذ منه المعلومات الأخرى.
قمة في التحدي
خرج المحقق مع مديره، ليعود بعد ربع ساعة، ليقول: أنتم تعصبون الواحد منا يا شيخ، يا عم أبو معاذ.
أبو معاذ: أنت إمعة، معبأ كالساعة لا تفقه شيئا، أي شيء يصلك تصدقه وتبني تحقيقا على أساسه.
المحقق: يبدأ بالاعتذار، أنا ليس بيني وبينك عداوة.
ويستمر النقاش، ويعلو صوت أبي معاذ على المحقق الذي صمت.
فيدخل المدير ليقول لأبي معاذ: اسمع وقع على التعهد.
أبو معاذ: لن أوقع، والدنيا صغيرة، وتلك الأيام نداولها بين الناس، والصفعة بعشر أمثالها.
يغضب المدير فيقول: اسمع، أنا قادر أطلق النار على منزلك وقادر أجعلك تحترم الرئيس وما تشتم الرئيس وأصبح يهدد بالصوت العالي وآخرون من حوله.
أبو معاذ: افعل إن استطعت.
المدير: احتجزك على ذمة التحقيق 24 ساعة.
أبو معاذ: ولتكن 48 ساعة.
المدير: أسبوع.
أبو معاذ: وليكونا أسبوعين.
المدير: أنت غير آبه بشيء، ولا أحد يملأ عينك، وقع على الورقة.
أبو معاذ: لن أوقع، وستعلم ما أفعل بكم.
المدير: سأفصلك من الوظيفة.
أبو معاذ: الرازق هو الله.
ثم خرجوا من عنده وقد ملأ اليأس قلوبهم من أبي معاذ
عاد واحد منهم بعد ساعة تقريبا، ليقول: وقع على التعهد أفضل لك وإلا ستفصل من وظيفتك.
أبو معاذ: لن أوقع
الفكر عدو السلطة اللدود
بعد أن يأست المخابرات من أبي معاذ، وبعد ثلاث ساعات جاء أفراد من جهاز الشرطة ليأخذوه عندهم.
فقيدوا أيديه بالحديد إلى الخلف واصطحبوه معهم، وبعد ست ساعات وبعد أن حان منتصف الليل، بدأ أحدهم بالتحقيق معه.
المحقق: أنت شتمت (الرئيس) وستمكث عندنا في النظارة حتى يوم الأحد، -وكان ذلك يوم الخميس- وسنعرضك على المحكمة.
أبو معاذ بدأ بطرح أفكار الدعوة ورأيه في السلطة والانتخابات، فكرة تلو الأخرى، حتى باتوا يستمعون إليه بأذن صاغية.
لاحظ ذلك المسئولون الذين يخشون تأثير الفكر على نفوس أفرادهم.
فجاء القرار العاجل أن يذهبوا بأبي معاذ إلى النظارة ليقطعوا بذلك عليه الكلام.
وقبل أن يأخذوه إلى النظارة، قالوا له وقع على أقوالك.
أبو معاذ: لن أوقع.
فجن جنونهم.
الشرطة: وقع لصالحك.
أبو معاذ: لن أوقع.
الشرطة تكتشف الضرر الذي ألحقه أوباشهم بأبي معاذ
اقتادت الشرطة أبا معاذ إلى الخدمات الطبية تحضيرا لحجزه.
وهناك أخبرهم أبو معاذ أنّه يعاني من الآم حادة في أسفل البطن، فأحالوه إلى مستشفى، وبعد إجراء الفحوصات الطبية تبين أنّ عنده انتفاخ في أسفل البطن، وأنّ عنده حصوة في الكلى وترسبات أملاح.
فعادوا به إلى ما يسمى بالخدمات الطبية العسكرية، وهناك قال لهم الطبيب العسكري بأنّ أبا معاذ عنده الآم حادة في أسفل البطن، وطلب منه المستشفى أن يعمل صورة تلفزيونية للبطن، وكتبوا له دواء يجب أن يأخذه الليلة، واحتمال عنده حصوة في الكلية ويُمنع تبييته في النظارة.
فخافت الشرطة مما صنعوا بأبي معاذ بعد تعذيبه في جهاز المخابرات، فقرروا إخلاء سبيله بدلاً من علاجه.(موقف الأنذال).
فأخلوا سبيله بعد أن احتجزوا هويته الشخصية ليعود إليهم.
وبعد أن خرج أبو معاذ من السجن وأجرى الفحوصات اللازمة تبين أنّ عنده فتق إربي في الجهة اليسرى من البطن نتيجة الضرب، وهو بحاجة إلى عملية عاجلة.
بعد أن عرفت الشرطة مدى الجريمة التي ارتكبتها سلطتها بحق أبي معاذ، توقفت عن ملاحقته وأعادت إليه هويته الشخصية أملاً منها في أن لا يلاحقها قضائيا وعشائريا.
الداخلية تعتذر لأبي معاذ
ولكن الله سلم أبا معاذ وشفاه، فتعافى بدنه بعد العملية الجراحية.
فقرر أن يلاحق جهاز المخابرات من خلال محام.
حتى أضطر مكتب الداخلية بالنيابة عن المخابرات أن يعرض الاعتذار لأبي معاذ عن ما أصابه ليكف عن ملاحقتهم، ولكن ذلك لم يرض أبا معاذ وواصل ملاحقة من أذاه عشائريا.
وعندما تقوم دولة الخلافة التي لا يُظلم عندها أحد ستأخذ بحق أبي معاذ ممن أذاه وظلمه، وكل من أذى حملة الدعوة والإسلام والمسلمين.
3-9-2010