فبعد سلسلة الهجمات التي وقعت في مناطق متفرقة من باكستان بدأت في الخامس من الشهر الحالي بتفجير استهدف مكتباً للأمم المتحدة في إسلام أباد، كما تضمنت هجمات على مقرات الجيش والشرطة وفي أماكن عامة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 150 شخصاً، اتخذت الحكومة من الهجمات التي تبنت حركة طالبان عدداً منها مبرراً لشن هذه العملية الواسعة، رغم أنّ من يتابع تسلسل الأحداث يرى أنّ الإعداد لهذه العملية قد بدأ قبل الخامس من الشهر الجاري، فالحكومة قد فرضت منذ أكثر من شهرين حصاراً على المسلمين في وزيرستان، حيث قطعت الحكومة عنهم الطعام والمواد الأساسية، وبدأ نظام زارداري منذ أوائل هذا الشهر الحديث عن ضرورة قيام الجيش الباكستاني بشن هجمات عسكرية في وزيرستان.
ثم إنّالمفاوضات بين الحكومة الباكستانية وأمريكا من أجل تقديم الأخيرة مساعدات مالية للحكومة للباكستانية بقيمة 1.5 مليار دولار مستمرةمنذ أكثر من شهر حول ما عُرف بمشروع كيري – لوغار(نسبة إلى عضوي مجلس الشيوخ جون كيري وريتشارد لوغار)، والذي تم إقراره يوم الأربعاء14/10 من قبل الكونغرس الأمريكي (أي قبل بدء الحرب بأيام)، وسط جدلٍ حادٍ حول مدى مساسه بسيادة باكستان، ولكن الثابت فيه أنّ المعونات قد تم ربطها بحرب باكستان على ما تسميه أمريكا بالإرهاب، بعد أن أكد كيري على أنّ "مشروع القانون لن يتم تغييره، إذا كان هناك سوء تفسير يتعين ببساطة توضيحه". هذا وقد أوردت بعض مواقع الأخبار بأنّ المساعدات لن تُسلم إلى الحكومة الباكستانية مباشرة بل سيتم توزيعها من خلال السفارة الأمريكية في العاصمة إسلام أباد، السفارة التي يجريتوسيعها لتصبح قاعدة عسكرية لوجستية لأمريكا، تضم أكثر من ألف موظف! لذلك لم يكن مستغرباً من المتحدث باسم طالبان، أعظم طارق أن يقول " لقد عرّضت الحكومة سيادة البلاد للخطر لإرضاء أوباما، سنهاجم أنصاره في كل مكان ".
فالحرب بتمويل أمريكي من أجل تحقيق غاية أمريكية صرفة، فجنوب وزيرستان جزء من منطقة القبائل الباكستانية المحاذية للحدود الأفغانية،التي يعتبرها القادة الأميركيون، أخطر مكان في العالم، حيث لجأ آلاف من عناصر طالبان وتنظيم القاعدة إليها بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001. والأمريكان قد تلقوا من المقاتلين في تلك المنطقة ضربات نوعية مؤلمة لقواتهم ولقوات التحالف في أفغانستان، فأمريكا تريد ضرب المقاومة التي نغّصت عليها احتلالها لأفغانستان من خلال شن هذه الحرب، حيث ستتمكن من خلال هذه الحرب من تطويق المقاومة، وستشغل مقاتلي طالبان وتنظيم القاعدة بقتال الجيش الباكستاني بدلاً من قتال الجيش الأمريكي وجيش الحلفاء، وستحرم المقاومين داخل أفغانستان من بابٍ واسعٍ من أبواب المساعدة والمعونة يأتيهم من هذه المناطق الحدودية.فهذه العملية ستقلل من قدرة المقاتلين من هذه المناطق على استمرارهم في تشكيل الامتداد البشري والجغرافي والطبيعي للمقاتلين في أفغانستان، وستقلل من قدرتهم على توجيه الضربات لقوات أمريكا في المنطقة، على الأقل على المدى القريب.
ولما كانت الحكومة لا تريد أن تتعرض لنقمة الشعب المتعاطف مع إخوانه وأشقائه المسلمين في وزيرستان وفي أفغانستان،ولا تريد الحكومة أن يقاتل الجيش وهو مترددٌ كارهٌ للحرب، لذلك لجأت إلى تبرير الحرب وخلق الذرائع أمام الرأي العام بافتعال سلسلة العمليات الهجومية البشعة التي خلّفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، وخلفت أعداداً كثيرة من ذوي القتلى في بؤس وحزنٍ شديدين، وصنعت أجواءً من الخوف والشعور بانعدام الأمن في جميع أنحاء البلاد، إذ كانت الهجمات تستهدف الأماكن المزدحمة كالهجوم الذي حصل في بيشاور. وهذه هي السياسة نفسها التي اتبعتها الحكومة في تبرير هجومها على سوات حيث كان لنشر الشريط المصور الذي أظهر عملية جلد امرأة وشريط المدارس المدمرة أثر كبير في تأجيج مشاعر الغضب الموجودة عند الناس لدرجة أن تعالت الأصوات من داخل الصفوف الباكستانية مؤيدة للعمليات العسكرية، وهو ما ساعد الحكومة على القيام بحرب بشعة ضد المسلمين في الأقاليم الحدودية، فالحكومة الباكستانية إذن تكرر الأسلوب الخبيث نفسه، فتصطنع الذرائع لضرب شعبها لمصلحة الاحتلال الأمريكي.
ولقد فاقم هذه الحالة من انعدام الأمن وحصد أرواح الأبرياء، سماح الحكومة الباكستانية لشركة بلاك وتر "Blackwater" بالعمل في باكستان، وهي الشركة القادرة على تحويل باكستان لعراق ثانٍ من خلال القيام بتفجيرات ضخمة وأعمال قتل وتخريب تخدم الاحتلال الأمريكي، فهذه الشركة التي توصف "بالبنادق المستأجرة"، بإمكانها تنفيذ كل العمليات الإجرامية التي ينأى الجيش أو المقاتلون عنها، فتفجّر المدنيين والأحياء السكنية والأماكن المكتظة بالناس وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ دون أدنى تردد. وبذلك تصنع الحكومة نقمةً عند الناس على المقاتلين، وحقداً عند الجيش على مقاتلي طالبان والقاعدة بعد أن كانوا أحباءهم وشركاءهم في الحروب السابقة ضد السوفييت، وسجل شركة بلاك ووتر الأسود، حافل وشاهد على ذلك.
والمصيبة في هذا كله، أنّ هذه الحرب تقع بين مسلمين، ولا تخدم سوى مصلحة أمريكا وأزلامها، ولكن وقودها هم أبناء الأمة، فهي حرب أمريكية بامتياز لا ناقة للمسلمين فيها ولا بعير. ولقد توعد الله تعالى من يقتل نفساً مؤمنة بريئة فقال سبحانه ((وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)).
فمتى يتوقف الحكام عن التلاعب بدماء المسلمين والمتاجرة بمصالح أمتهم؟! ومتى يدرك المتقاتلون أنّهم وقود حرب ليست لهم، بل هي تخدم أعداءهم؟ متى يدركون هذا فيتوقفون عن سفك دماء بعضهم بعضاً، ويصونون حرماتهم وأموالهم وأعراضهم؟!