مستشارة أوباما وحزب التحرير وأزمة الديمقراطية
داليا مجاهد مستشارة الرئيس الأمريكي للشؤون الدينية (أو الإسلامية) تتعرض هذه الأيام إلى هجوم كاسح في العديد من وسائل الإعلام والمواقع المعلوماتية الغربية لسببين، وربما هما سبب واحد، في قصة جديدة من قصص الديمقراطية الأمريكية. والمتابع لتلك التغطية الإعلامية يلاحظ بوضوح أن للديمقراطية في أمريكا معنى أمريكيا مميزا، إضافة لمعناها الفكري الذي يمجّد الحريات الشخصية والدينية وحرية التعبير وحرية الملكية. وهو معنى يبرز للواجهة بوضوح عندما يتعلّق الأمر بالإسلام السياسي، وخصوصا نسخته المتمردة الرافضة لأمريكا وحضارتها وثقافتها وسياستها جملة وتفصيلا.
تلك هي العقدة في قصة لقاء حواري حصل على قناة الإسلام (Islam Channel) التي تبث من لندن بالإنجليزية، وذلك ضمن برنامج أزمة أو قضية المسلمة (Muslimah Dilemma)، الذي يعالج قضايا المرأة من منظور إسلامي، والذي تقدمه الإعلامية ابتهال إسماعيل. وفي ، انتقلت الأزمة من عنوان البرنامج إلى إحدى الضيفات فيه، وهي مستشارة أوباما.
وتَبرز صحيفة التلغراف على رأس تلك الوسائل في تقريرها الإخباري بعنوان "مستشارة الرئيس أوباما تقول: الشريعة الإسلامية تُفهم خطأ"، حيث ينتقد التقرير مشاركة المستشارة في برنامج تقدمه ناشطة في حزب التحرير (حسب الصحيفة)، ويستضيف نزرين نوّاز كممثلة إعلامية لحزب التحرير في بريطانيا، وهو الحزب الذي تُعرّفه التلغراف على أنه "جماعة تؤمن بتدمير الديمقراطية الغربية وإيجاد دولة إسلامية تُطبق الشريعة في العالم، بدون عنف". ويستطرد التقرير في التلغراف بالقول: "وخلال النقاش الذي دام لمدة 45 دقيقة، هاجمت الناشطتان من حزب التحرير التشريع الوضعي العلماني والرأسمالية والليبرالية الغربية، وطالبتا بالحكم الشرعي كمصدر للتشريع ... بينما لم تتحداهما مستشارة أوباما في طرحهما".
وهنا تكمن أزمة الموضوع، وعقدة تلك القصة الديمقراطية الأمريكية. إذ كيف تسكت مستشارة الرئيس على ذلك الهجوم الكاسح على العلمانية الغربية، بل وقبل ذلك وبعده، كيف تشارك في ذلك البرنامج الذي تقدمه وتشارك فيه ناشطتان من حزب التحرير تروجّان للشريعة الإسلامية.
بل ويستهجن التقرير ما اقتبس عن المستشارة من قول: "أعتقد أن سبب تأييد الكثير من النساء (تقصد المسلمات) للشريعة هو وجود فهم آخر للشريعة لديهم مختلف عما هو شائع في الإعلام الغربي"، وأن غالبية النساء في العالم "تربط ما بين عدالة النوع (الجندر) أو العدالة للنساء وبين التزام الشريعة".
إذاً هنالك إشكالية مركبة ومتصاعدة لداليا مجاهد، فهي لم تفلح في كفاح نقض الديمقراطية والعلمانية، وقبلت بالحوار المتلفز مع ناشطات من حزب التحرير الرافض لأمريكا جملة وتفصيلا، ومن ثم تحدثت بأحاديث تحتمل المعاني الإيجابية عن الشريعة الإسلامية. ولا شك أن الإعلام الغربي لا يقبل أن تصدر أي من هذه الأمور عن مستشارة الرئيس الأمريكي، وحتى لو كان ذلك تحت شعار الديمقراطية، التي يتوقع من داليا مجاهد أن تدافع عنها.
طبعا، لم تقتصر تغطية هذه الأزمة على صحيفة التلغراف البريطانية، بل نقلت عنها وتحدثت عن القصة مواقع عديدة أخرى مثل الصفحة الإخبارية لموقع مواجهة الإرهاب (Counter Terrorism News)، وموقع مراقبة الجهاد، وموقع المدافع الصليبي، وموقع لبريتي ربابلك فورم، وموقع ذا جاوا ريبورت، وموقع ريال كاريج، وموقع مشروع متابعة الإرهاب، ولم تقتصر تلك القصة على المواقع الإنجليزية بل انتقلت إلى لغات أخرى مثل موقع (نيو رلجاس بيل). وبعض هذه المواقع تجاوزت طرح الديلي تلغراف، وبدّلت تعبير "تدمير الديمقراطية الغربية" في وصف حزب التحرير إلى "تدمير الغرب" (مثل ما جاء على موقع ذا جاوا ريبورت). أما موقع هاريز بليس فقد حرّض على المستشارة من خلال عنوان الخبر "مستشارة أوباما والترويج لحزب التحرير".
وربط تقرير الديلي تلغراف ما بين توجهات أوباما لتحسين صورة أمريكا في العالم الإسلامي وبين تعيين داليا مجاهد للعمل في البيت الأبيض، وهي المتحجبة من أصل مصري، والتي انتقلت للعيش في أمريكا منذ كان عمرها خمس سنوات. وينقل التقرير عنها أنها تعرّف دورها في البيت الأبيض في "نقل ما يتطلّع إليه المسلمون إلى الرئيس الأمريكي وغيره من الجهات" من خلال متابعة الرأي العام في العالم الإسلامي.
ولاستكمال القصة هنا لا بد من التعريج على إسهامات المستشارة داليا مجاهد في بحوث الرأي العام لخدمة الإدارة الأمريكية، ومنها كتابها الجديد بعنوان "مَن يتحدّث باسم الإسلام ؟ كيف يفكر -حقًّا- مليار مسلم؟"، وهو نتيجة جهد مشترك بين المستشارة، كمديرة تنفيذية لمركز جالوب للدراسات الإسلامية وزميلها جون اسبوزيتو أستاذ الديانات والشؤون الدولية والدراسات الإسلامية بجامعة جورج تاون. وتتحدث صحيفة المدينة عن الكتاب في عدد اليوم 9/10/2009، بالقول أنه يعالج "إشكالية الحديث باسم الإسلام ما بين المتصدرين للساحة الإسلامية في العالم الإسلامي والمراقبين وربما المتربصين بالإسلام في الغرب"، وأنه يعرض "نتائج أكبر استطلاع رأي عالمي حتى الآن... والذي استند إلى نتاج دراسة علمية ميدانية لاستفتاء عالمي أجرته مؤسسة «جالوب» الشهيرة في قياس الرأي العام".
ودراسة مؤسسة جالوب كانت قبل بضع سنين محل تغطية من قبل بعض وسائل الإعلام العربية: فقد نقلت شيئا من النتائج للدراسة الميدانية التي تؤكد توجه الرأي العام في العالم الإسلامي نحو تطبيق الشريعة، كما نقلت محيط في 3/3/2004، على سبيل المثال.
لا شك أن الغرب يعيش أزمة الديمقراطية في مواجهته للإسلام السياسي، فهو إن طبّقها كما اعتنقها فتحت الباب للترويج للإسلام كبديل حضاري، وفتحت المجال لتوصيف العمل السياسي الإسلامي (مثل حزب التحرير) على حقيقته كمشروع نهضوي عالمي، وفتحت المجال لقياس الرأي العام على حقيقته، وذلك لا شك يتعارض مع مصالح الديمقراطية كنقيض لهذا المشروع العالمي. وإن سمح الغرب أن يتحدث الباحثون والسياسيون عن تحليلاتهم للواقع تبين أن المسلمين يريدون الشريعة كحل شامل لمشاكلهم. وبالتالي فلا يملك الغرب في النهاية إلا أن يبرز الصراع الحضاري على حقيقته ما بين الإسلام وديمقراطيته، ويرفض أية ممارسة إعلامية أو بحثية أو كتابية تبين هذه الحقائق، ويتصدّى للهجوم عليها، وأزمة داليا مجاهد هي نموذج حي لذلك.
هذه هي أزمة الديمقراطية الغربية أمام الإسلام السياسي، أما أزمة الإعلام العربي أمام هذه الأزمة، فهو أن عينه لا زالت عوراء عن إبصارها:
فمرة تلو الأخرى، يبرز السؤال ويكبر: أين الإعلام العربي من رؤية هذه القضايا والمواقف المتعلقة بالخلافة ومشروعها؟ وإلى متى يستمر في متابعة ما يتعلّق بحزب التحرير ومشروعه بعين عوراء ؟ سؤال يبقى مطروحا على كل نافذة إعلامية تدّعي الموضوعية والمهنية وترفع شعار "الرأي والرأي الآخر"، وإن لم تبصر المواقف على حقيقتها توجب أن تستثني من شعارها، فتضيف إليه جملة: "إلا ما يتعلّق بحزب التحرير والخلافة".
الدكتور ماهر الجعبري /عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
9/10/2009