منع الحجاب، حظر النقاب، محاربة الإرهاب، مواجهة التشدد والتطرف، شعارات أعتدنا على سماعها من أفواه أعداء الأمة من قادة الدول الغربية، في فرنسا حيث الرذيلة وهتك الأعراض وكشف العورات وانتهاك المحرمات هي سمة المجتمع، والفضيلة والعفة والحشمة تطهرٌ "مشين" ينبغي التخلص منه وإخراج أهله من بين ظهرانيهم، وفي البيت الأبيض الذي يحارب الإسلام باسم محاربة الإرهاب والتطرف والتشدد،
ليس ذلك غريباً على قوم تمتلئ صدورهم غيظاً وحقداً على المسلمين ويغيظهم كل تمسك للأمة بدينها وكل توجه وتطلع نحوه، وترتعد فرائصهم بمجرد التفكير بإمكانية عودة الإسلام إلى الحياة في دولة، لكن المستهجن والمستنكر أن تصدر تلك الشعارات والدعوات من معقل من معاقل تعليم الإسلام وأحكامه من الأزهر الشريف وعلى لسان كبيره الذي-للأسف- لم يترك فعلاً مشيناً يسيء للأزهر وعلمائه ويناصر فيه الحكام الطغاة والكافرين في حرب الإسلام وأهله إلا فعله، فهل تصدر تلك الأفعال والمواقف عن مؤمن تقي نقي علاوة عن صدورها عن عالم بالشريعة محيط بأحكامها؟!
ليس الغرض من هذا المقال نقاش مسألة النقاب نقاشاً فقهياً كما أن فعل شيخ الأزهر لم ينطلق من منطلقات فقهية بل من منطلقات سياسية واضحة غلفها بأقوال فقهية وله في ذلك سوابق عديدة، ولا أدل على ذلك من تأييده لفرنسا بمنعها النقاب ومن قبلها غطاء الرأس في المدارس والمؤسسات الحكومية، فمنع شيخ الأزهر ارتداء النقاب في مؤسسة الأزهر هي رسالة عنوانها أن علماء الغفلة من علماء السلاطين ومن ارتمى في أحضانهم والحكام والكفار صف واحدٌ في حرب الإسلام وأهله وأن ما أغاظ فرنسا والدول الغربية من تمسك المسلمين بأحكام دينهم -حتى تلك المتصلة بأحوالهم الشخصية- يغيظهم كما يغيظ أسيادهم، ولسائل أن يسأل هل أصدر شيخ الأزهر قراراً بمنع الزائرات المتبرجات أو الكاشفات لشعورهن من زيارة الأزهر والمعالم التاريخية والإسلامية بل هل أعتبر شيخ الأزهر التبرج فعلاً مشيناً وعادة قبيحة ليست من الإسلام وينبغي الإقلاع عنها أم أنه عدّ ذلك جزءاً من الحرية الشخصية التي ينص عليها المبدأ الرأسمالي الذي يتخذه النظام المصري مصدراً لتشريعاته؟! وهل أبدى شيخ الأزهر امتعاضه من الحصار الخانق الذي يضربه النظام المصري على المسلمين في غزة؟! أم عدّ ذلك جزءاً مما هو لقيصر(مبارك) ولا شأن للإسلام فيه؟!
إن هذه الحادثة وأمثالها تكشف عن مدى الانحطاط الذي وصل إليه علماء السلاطين في موالاتهم للحكام والغرب وعن مدى تفريطهم بأحكام دينهم مقابل دراهم معدودة، ألا تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش.
إن دور العلماء في تاريخ الأمة طوال عصورها كان دوراً ريادياً مؤثراً، فتاريخ الأمة سطر مواقف الصدع بالحق ومواقف العز التي وقفها علماء الأمة فكانت مشاعل هداية لها، فذاك أحمد بن حنبل وذاك أبو حازم وابن جبير وابن المسيب والعز بن عبد السلام وغيرهم، ولقد أدرك الكافر المستعمر منذ اللحظة الأولى أن في الأمة صنفان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس، العلماء والأمراء، لذا نرى بأن الكافر المستعمر قد أعدّ حشداً من علماء السلاطين ليناصروا أتباعه من الحكام وليفسدوا على الأمة دينها، فعلماء السوء والغفلة والحكام هم جوقة واحدة تغرد بتناغم في سرب الاستعمار وتناصره على الأمة في أدق تفاصيل دينها، فهؤلاء هم معاول هدم الدين والعثرة التي تسعى لإعاقة الأمة عن هدفها.
إن في الأمة علماء مخلصين يسعون لنهضتها ويقفون مواقف أسلافهم بالصدع بالحق والجهر به ومناصبة الحكام والكفار العداء كأمثال الغر الميامين الذي اجتمعوا في جاكرتا ملبين نداء الخلافة وساعين لإقامتها في حشد غابت عنه وسائل الإعلام، فهل آن للأمة وبعد هذه المواقف الفاضحة أن تدرك أن علماء السلاطين جزء من واقعها السيئ وأن لا تثق وتنخدع بهم؟! وهل آن لها أن تدرك من هم العلماء بحق فتنفض عمن باعوها في سوق النخاسة وحرّف دينها أو هادن الحكام الطغاة وأسيادهم على حساب قضاياها وتلتف حول العلماء العاملين المخلصين وتسعى معهم ومع العاملين لنهضتها وعزها؟