غزة والكهرباء بين الظلم والظلمات

حسن المدهون

بين من استنكر وطالب وحث واتهم وحذر يتيه أبناء غزة في السؤال عن السبب الحقيقي وراء أزمة الكهرباء، وما يلحقها من أزمة في الماء وإيصاله إلى المنازل، وأزمة انقطاع وقود السيارات، فغزة ومن فيها يعانون الأمرّين بينما تستمر أزماتهم وتكثر الشائعات والتسريبات والتحذيرات من هنا وهناك.

وما بين تصريحات سفير النظام المصري لدى السلطة الفلسطينية الذي قال بأنه لا يمكن الاعتماد في إنتاج الكهرباء على الوقود المهرب، وما بين تصريح رئيس وزراء سلطة غزة الذي قال أنّ دولا عدة عرضت تزويد قطاع غزة بالكهرباء مجانا، يبقى موضوع انقطاع الكهرباء مشكلة في كلا الحلين وكلا التصريحين.

فكلام السفير المصري حول الوقود المهرب يطرح تساؤلا وهو، لماذا يعتمد أهل غزة على الوقود المهرب، هل لأنّ حكام مصر فتحوا الحدود واعتبروا غزة خاصرة أو حتى زائدة دودية لمصر ومن ثم رفض أهل غزة توريد الوقود بالطرق الطبيعية وقاموا بتهريبه إلى غزة؟!

أم أنّ ما يثار من إشاعات هي أشبه بالمبررات حول أنّ غزة تلك البقعة الصغيرة قد أثرت في الاقتصاد المصري من خلال استهلاكها للوقود المدعوم؟ وهل حقا أنّ ذلك الوقود المدعوم هو سبب أزمة الاقتصاد المصري أم أنّ الغاز المعطى ليهود بسعر النقل تقريبا هو أحد أسباب معاناة الاقتصاد المصري وأحد أسباب مشكلة عدم توفر الغاز للأفراد في مصر!، أم أنّه القدر على أهل غزة أن يناشدوا نظام مصر بأن يعاملهم كما يعامل يهود!، ثم ينتهي مطاف المواقف الرسمية المعلنة بأن يتم تزويد المحطة بكمية محدودة لحين البحث عن جهة ممولة تتولى تمويل استيراد الوقود الصناعي من كيان يهود لغزة بينما يترك الوقود المصري والذي تتربح منه سلطة غزة.

أما تصريح رئيس سلطة غزة، هنية، بأنّ دولا عرضت تزويد القطاع بالوقود مجانا، فهو كلام قديم جديد ولكنه غير قابل للتطبيق، فمثل هذا العرض تقدمت به كل من الجزائر وليبيا من سنوات ولكنه ووجه بالرفض القديم الجديد من قبل النظام المصري، والنقطة المستبعدة هو هل أنه في مثل هذه الحالة ستقوم سلطة غزة بتقديم الكهرباء مجانا أو حتى بفرض قيمة التوليد والتوزيع فقط، أم أنها ستتربح كعادتها من كل ما يمكن التربح منه على حساب أهل غزة؟!

والسؤال الذي يطرح نفسه ما الذي فجر هذه الأزمة الآن ولماذا، لكي يجد المتابع جوابا يصرح به مسئولون من الدرجة الثانية أو الثالثة أو مناصرون هنا وهناك لحركة حماس، بأنّ الأزمة سببها ضغوط أمريكية يمارسها النظام القديم بوجهه الجديد في مصر تجاه حركة حماس والممانعين منها في غزة لإتمام اتفاق المصالحة والذي تم وابرم بجهود جهاز المخابرات المصرية وبما يرضي الولايات المتحدة من اتفاق يقرب حركة حماس من حركة فتح ثم يغطى بكذبة كبرى اسمها المصالحة، فيأتي موقفهم بأننا لن نركع ولن نخضع بينما يسألني صديق  ببراءة شديدة هل يحاصر الإخوان المسلمون حركة حماس!.

وله حق في ذلك السؤال، فما الفائدة من أن تدخل حركة إسلامية أو إسلاميون إلى برلمانات هزيلة لا تملك من أمرها شيئا، ولا تملك حتى إقالة حكومة أو نزع ثقتها، بل إنّها وبسبب الخوف من نقمة أمريكا التي لا يزال حكام مصر يتبعون لها، يطلبون من حماس تجديد التهدئة لعام جديد وكأنهم بعد عام سيحركون الجيوش، ثم تزداد الأزمة ويسكتون عن منع النظام المصري تدفق الوقود لغزة.

وقد تنجح حركة حماس في تسويق الأمر والذي يحمل قدرا من الصحة لأتباعها خصوصا بأنّ ما يحصل ما هو إلا ضغوط أمريكية تجاهها وأنها لن تخضع ولن تركع، ولكن تبقى أسئلة كبيرة بحاجة لإجابات، على الأقل بالنسبة لأهل غزة.

فقد نجحت الجهود في جعل محطة الطاقة الوحيدة في غزة تعمل من خلال السولار العادي الآتي من مصر بعدما كانت تعتمد على السولار الصناعي الآتي من قبل المعابر التي يتحكم  بها الاحتلال، وذلك بعد أن تم الاتفاق بين السلطتين على اقتطاع جزء من رواتب الموظفين في كلا الحكومتين من أجل سداد أقساط فواتير الكهرباء المعطلة من سنوات، بحجة الدفع للشركة المزودة للوقود الصناعي، وكذلك الدفع مقابل  خطوط الكهرباء القادمة من جهة كيان يهود.

وبعد أن تم هذا الاقتطاع، إذ بسلطة غزة تعلن عن نيتها تشغيل محطة الوقود بالاعتماد بشكل كلي على السولار العادي الآتي من جهة مصر، وبذلك تقلل من حجم الأموال التي تدفعها لسلطة رام الله من أجل سداد فاتورة المحروقات الآتية من جهة يهود، علاوة على انخفاض تكلفة السولار الآتي من جهة مصر بفارق كبير عن نظيره الآتي من جهة يهود.

ولكن السؤال الذي يقفز إلى الأذهان هو، لماذا تتربح الحكومة في غزة من ذلك السولار بوضع فرق سعر بين السعر الحقيقي وبين السعر المورد إلى محطة الكهربا ء بحوالي شيكل واحد عن كل لتر سولار مورد إلى تلك المحطة، في الوقت الذي تتخمنا وسائل إعلامها بالحصار والفقر والعوز في غزة! فهل من يعاني الفقر والحصار يلجأ إلى جني الأموال مضاعفة، مرة بالتربح من فرق السعر، ومرة بجني فواتير الكهرباء في غزة والتي تعتبر الأعلى من بين نظيراتها في المناطق المجاورة، في حين  أنّ السولار المعطى لمحطة التوليد في غزة وبعد فرق السعر الذي تبيعه به الحكومة يبقى مع كل ذلك الأوفر بكثير مقارنة بالوقود القادم من قبل يهود، وبالتالي فإنّ كم الأموال المحولة لسلطة رام الله من سلطة غزة لسداد فاتورة الخط الكهربائي ستكون أقل وبالتالي أين يذهب الفرق؟.

والذي يثير أكثر هو الإشاعات التي تُروج في غزة بأنّ الجانب المصري يطالب سلطة غزة بالتوقف عن دفع الضرائب التي تفرضها على الوقود المصري الداخل لغزة والمدعوم، حيث تفرض سلطة غزة ضريبة تقارب الضعف على كل لتر بنزين أو سولار، فهل تلك الضرائب التي تثقل كاهل الناس هي من مقتضيات التصدي لأمريكا؟!.

وهل حملات جمع الأموال التي ابتدأت وزادت وتيرتها بعيد الحرب على غزة بحجج شتى وفي كافة أفرع سلطة غزة هي أيضا مما يساعد الناس على التصدي لأمريكا ومشاريعها والحصار المفروض على غزة أو فلنقل على أهل غزة تحديدا؟!.

والأمر الغريب أنّ تلك الحملات المالية تأتي تارة بحجة جني أموال البلديات، وتارة بحجة رسوم وضرائب وغرامات وزارة المواصلات على المركبات، وتارة بحجة المكوس المفروضة على البضائع الواردة لغزة، سواء من خلال الأنفاق أو حتى ما يتم إدخاله من خلال المعابر من جهة كيان يهود، وهي تثير في الوسط الشعبي أسئلة كثيرة أهمها هل من أقلق  الدنيا بالحصار على غزة يقوم بحصار أهلها وبأيديهم!؟.

وهل يعلم أحد ما حجم الجباية والأموال التي تجبيها سلطة حماس في غزة وأين تذهب، وهل تحترم عقول الناس الذين انتخبوها قبل أربعة أعوام بحجة التغيير والإصلاح، أم أنّ كل الحديث عن التضامن مع غزة وأهلها يبقى حديثا إعلاميا للاستهلاك الخارجي بينما تتحطم الأسطورة عند أول ضريبة تُفرض على البضائع الواردة لها وعلى السيارات وعلى كل شيء تقريبا.

وأكثر ما يثير هنا، هو تلك الحملات المتلاحقة لوزارة النقل والمواصلات من أجل جني الأموال بحجة الترخيص أو التحويل أو بألف حجة وحجة حتى غدت تلك الحملات مثارا للتندر من بؤس الحال.

فقبل أسابيع مثلا، فرضت السلطة في غزة ضريبة جديدة على مواد البناء والمدخلة عبر الأنفاق، بينما ملأت الدنيا ضجيجا حول إعادة إعمار غزة، وعندما يترك الإعمار للناس بأيديهم وبأموالهم تقوم تلك السلطة بفرض مكوس على تلك البنايات عدا عن رسوم الترخيص المدفوعة مقدما لبلدياتها.

وآخر أنواع تلك الضرائب هو فرض ضريبة جديدة على سبعة عشر صنفا من الأصناف الموردة لغزة بحجة دعم المنتج الوطني وكأن غزة فيها الصناعات الثقيلة والحيوية التي تحتاج إلى دعم!!!، فبين رفض كبار التجار دفع  تلك الضريبة الجديدة والتي تدفع مركبة فهي تأتي بعد الضريبة المعتادة التي تجبيها سلطة رام الله على البضائع قبل توريدها من خلال المعابر،  مذكرا بنفس الحجة التي ربما تكررت أكثر من مرة خلال الأعوام الماضية عندما تم منع استيراد بعض المنتجات الغذائية بحجة دعم المنتج الوطني والزراعة المحلية ثم تبين أنّ ذلك المنتج الوطني ما هو إلا ناتج استثمار وزارة الداخلية لبعض أراضي المستوطنات المخلاة، مما يعني في المحصلة أنّ ذلك المنع ما هو إلا دعم لهذه السلطة على حساب الناس بدلا من أن يكون العكس.

أما تلك الصورة التي جمعت المجلس التشريعي في غزة لمناقشة أزمة الكهرباء والتي عقدت في يوم مشمس اضطر أصحاب ذلك المجلس إلى إغلاق الستائر كي لا تكشف الجلسة عن نور الشمس والاكتفاء بالجلوس إلى ضوء الشموع، لإثبات أزمة ومعاناة أمام العالم لا تقل عن أزمة تلك الحكومة عن شعبها، فتقابلها صورة أخرى ومشهد آخر وهي منزل رئيس ذلك المجلس بشقه الغزي وهو ينعم بالأضواء الكاشفة والساطعة بنور السولار المقطوع في غزة بينما تغط المنازل من حوله في ظلام عميق.

وما بين الصورة ونقيضها، وما بين نور الشمس وظلام العتمة ينبغي لتلك السلطة التي تترفع عن النظر لمعاناة الناس ولا ترى فيهم إلا وسيلة لجني وجلب وحلب الأموال أن تكف عن حصار أهل غزة بكثرة الأموال والمكوس المفروضة عليهم بحجة أنّها حكومة والحكومة لا بد لها من ضرائب كما صرح أحدهم ذات مرة في جلسة عائلية.

20/2/2012