تعيش بلاد المسلمين هذه الأيام فراغا بكافة أنواعه، عسكرياً وسياسياً واستراتيجياً،
فعلى المستوى السياسي، فإنّ الدول في العالم الإسلامي غير مستقرة، وفي أغلب الدول لا يملك رئيس الدولة أية أوامر تتعلق بسيادة البلد واستقراره، وإنما الأمر موكول إلى قيادة القوى الأجنبية عن طريق السفارات الأجنبية، أو عن طريق القوى العسكرية المباشرة كما هو الحال في العراق وباكستان وأفغانستان وهناك دول يوجد فيها احتلال كامل لأراضيها كما هو حاصل في أفغانستان والعراق، وهناك عدم انسجام أيضا في دول العالم الإسلامي بين الفكر المطبق على الأمة وبين ما تحمله الأمة في عقولها، فأغلب الدول في العالم الإسلامي تنص في دساتيرها بأنّ أساس الدستور أو الدولة هو الإسلام، وفي نفس الوقت لا تجد أي انسجام أو تطابق مع ما هو مطبق وبين ما تدعيه في دساتيرها، أي بين أعمالها وأقوالها في الحياة العملية في الدولة والمجتمع، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والحكم.. وهناك أيضا عدم ثبات على رأيٍ واحد عند جميع الدول في العالم الإسلامي في كافة شئون العلاقات الداخلية والخارجية، ويوجد ازدواجية معايير ومكاييل في التعامل مع الناس، بين الأغنياء والفقراء، أو بين طبقة المقربين من الحكم وعوام الناس!! .. وهناك أعمال سياسية تقوم بها الدول في سياستها الخارجية لا يرضى عنها اغلب الناس في المجتمع، مثل التعامل مع كيان يهود، أو فتح سفارات لأمريكا وكيان يهود في عواصم كثيرٍ من دول العالم الإسلامي ...
أما على المستوى العسكري، فإنّ جميع الدول في العالم الإسلامي، وبدون استثناء لا يوجد بين الوسط السياسي المتحكّم بالبلد وبين أفراد الجيش أي انسجام، بل تجد الوسط السياسي يوالي الدول الكافرة ويعمل ضد مصلحة البلد، وينهب أمواله ويفتح أرضه وسماءه للكفار، وفي نفس الوقت تجد أنّ الثقافة التي يتربى عليها الجيش هي ثقافة مغايرة تقول: بخدمة الوطن والمواطن وحماية الحدود والأرض من أي اعتداء وبالمحافظة على مصالح البلد.. وكثيرٌ من الدول التي تُسمي نفسها دولاً ذات سيادة لا تملك أصلاً حماية نفسها مثل مشيخات دول الخليج والسعودية، وبعض الدول أيضاً يرتبط فيها القرار العسكري بقرار الدول المهيمنة عليها سياسياً، ولا تملك أي قرار عسكريٍّ لا في الحرب ولا في السلم، كما هو الحال في مصر والأردن وسوريّا وغيرها من دول ...
وعلى المستوى الاستراتيجي، فإنّ الدول في العالم الإسلامي لا يوجد فيها استقرار داخلي، ولا أمن داخلي مستقرّ بسبب عدم وجود تجانس أصلا بين قادتها وعامة الشعوب، فالقادة في حالة عداء دائم مع الشعوب، وخاصة مع القوى الإسلامية المؤثرة في البلد، وازداد هذا الفراغ الاستراتيجي بسبب وجود ثورات في البلاد العربية الآن، وتهيؤ الجوّ لامتدادها أيضاً لباقي العالم الإسلامي، وبسبب ازدياد الفقر والحاجة التي تجعل من الناس قنابل موقوتة تنفجر بين الفينة والأخرى، وبسبب ازدياد وتفاقم النزاعات الداخلية -في بعض البلاد- والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد الصدامات المسلحة كما هو الحال في العراق وأفغانستان وباكستان واليمن..
وبشكل إجمالي يمكن القول: بأنّ هناك فراغاً شاملاً في أغلب بلاد العالم الإسلامي على كافة المستويات، السياسية والعسكرية والإستراتيجية، وهذا الفراغ يزداد ويتسع يوما بعد يوم، ولا بد من ملئه الآن!!..
وإنّ عملية ملء الفراغ في أي دولة من الدول تكون غالباً بإحدى الطرق التالية:-
1- استبدال القادة السياسيين- عن طريق القوى الفاعلة في البلد- بآخرين، وهذا يكون بواسطة الجيش أو مراكز القوى الأخرى مثل القبائل كما كان حصل في بعض الانقلابات التي وقف وراءها السياسيون في سوريا أو العراق في فترة الستينات.
2- استبدال قادة عسكريين بالقادة السياسيّين، يفرضون قوانين الطوارئ لفترة طويلة حتى يتم تهيئة الأجواء من جديد، ورسم سياسة عامة للدولة، كما حصل في مصر في ثورة الضباط الأحرار سنة ثلاثٍ وخمسين.
3- الاحتلال العسكري الأجنبي، حيث يفرض سطوته وسيطرته على البلد وذلك خوفاً من سيطرة قوىً عسكرية أجنبية أخرى منافسة له.
4- تدخّل الدول المجاورة إما عن طريق ترتيبات سياسية بواسطة الأحزاب داخل البلد، أو عن طريق التدخل العسكري المباشر حتى يتم ترتيب الأمر على شاكلة جديدة، كما حصل في تدخلات إيران وتركيا في أفغانستان والعراق ومساعدتها لأمريكا في ترتيب الأمر، أو كما هو حاصل الآن في تدخلات تركيا داخل سوريّا لصالح أمريكا لحفظ خطّ الرجعة لأية تغيّرات أو مفاجآت تحدث.
5- تمكّن الأمة عن طريق المخلصين من القوى الفاعلة من استلام الأمور، وتطبيق ما تحمله الأمة من فكرٍ نابع من عقيدتها، وهذا الأمر يكون تغييراً ذاتياً لا يستند إلى أيٍّ من الدول الخارجية أو الأحزاب المرتبطة بها، ويكون غالباً عن طريق قوى الجيش المخلصة أو القوى المؤثرة، وبمساندة ومؤازرة أبناء الأمة في ذلك البلد ..
والحقيقة أنّ أيّ تغييرٍ وأي محاولة لملء الفراغ بإحدى الطرق الأربعة الأولى لا يجلب استقراراً للبلد ويبقي الفراغ وعدم الاستقرار تحت الرماد لفترة مؤقتة، ولا يحلّ مشاكله الحاصلة، وإنما تحصل فيه عملية تغيير شكليّة تجميلية للوجوه فقط، أما بالنسبة للبند الثالث وهو الاحتلال العسكري الأجنبي فإنه يدمّر البلد ويجلب عليه الويلات أكثر مما كان، ويجعل البلد كله بيد الدول الكافرة، وبالتالي تبقى حالة عدم الاستقرار والفراغ موجودة فعلياً ..
وأخلص إلى القول: إنّ الفراغ الحاصل الآن في العالم الإسلامي لا يملؤه إلا حزبٌ سياسي مخلص، يلتف حوله المخلصون من أبناء الأمة، ويناصرهم أهل القوة والرأي والأوساط السياسية الفاعلة في البلد، وتقف الأمة –بأغلبها- خلفهم تساندهم الرأي والفكر، وبهذا يُملأ الفراغ بالفعل، وتحصل حالة الاستقرار الصحيح، ثم تحصل النهضة الصحيحة بعد ذلك نتيجة الانسجام بين فكر الأمة وقادتها وقوانينها ودستورها وطريقة حياتها، وتصبح الأمة بعد ذلك في ارتقاء دائم ترتفع من عليٍ إلى أعلى وبمعنىً آخر: أنّ المنقذ الحقيقي لواقع الأمة اليوم في الدول العربية وفي غيرها من العالم الإسلامي هو حزب مخلص يتقدم الأمة عن طريق النصرة الحقيقة، التي لا تستند إلى أية دولة أجنبية، فيقيم حكم الله في هذه الدولة، ويباشر ذلك عملياً في المجتمع، وتسانده جماهير المسلمين بكافة شرائحهم في المجتمع..
نسأله تعالى أن يكرم الأمة بهذا التغيير الحقيقي وأن يملأ فراغها بأهل الإخلاص والصلاح في هذا الشهر الفضيل.. آمين يارب العالمين .