لقد احتارت عقول الغرب الكافر، وهي تنظر إلى بلاد المسلمين، وتشاهد ما يجري فيها من أمور عظام، والسبب في هذه الحيرة، هو أن الغرب الكافر يقيس الأمور دائماً بمقياسه الماديّ السقيم، ويغفل عمّا وراء هذه المادة من قوىً روحيّة عظيمة!!..
فالكفار قد اطمأنت نفوسهم من قبل، ووصلوا إلى حدّ القناعة الفكرية أن هذه الأمة لن تقوم لها قائمة أبداً، بعد أن هدموا الحصن الحصين لها (دولة الإسلام)، وعملوا عبر سنوات طويلة من الحرب المادية والفكرية، لإبعاد المسلمين عن دينهم في شتىّ بلاد المسلمين؛ عرباً وعجماً، ورأوا المسلمين وهم يتمسّكون بأفكار القومية والوطنية، ويرسّخون الإقليمية بين بلادهم، وفوق ذلك كله يتوجه البعض منهم إلى تبني الفكر الغربي؛ من حريات وديمقراطيات وغيرها، ويتركون أحكام دينهم، كما حصل في بدايات القرن الماضي وأواسطه من بعض المفكرين، ومن سار خلفهم من مضبوعين بالثقافات الغربية...
لكن هذه الطمأنينة لم تدم طويلاً، وذلك عندما بدأت الشعوب تنهض في بلاد المسلمين، وتقف ضد استعمارهم المقيت، وتعمل على التخلّص من وجودهم العسكري نهائياً، ولفظتهم كما تلفظ النواة، وكان هذا الحدث الجلل – تحرير بلاد المسلمين من الاستعمار – مقدمةً لتذكير الأمة بدينها العظيم، بعد أن رأت -بأمّ عينها- ما عليه الكفار من دين، ومن أخلاق حملوها إلى بلادها في سياساتٍ استعمارية مقيتة.
بعد ذلك هيأ الله تعالى لهذه الأمة الكريمة رجالاً أبراراً، حملوا مشعل الهداية لهذه الأمة الكريمة ليذكروها بماضيها المجيد، وحاضرها الهابط المتردي..، وشيئاً فشيئاً أخذت الأمة تعي على حاضرها وعلى واقعها، وأخذت تعود إلى أصالتها وجذورها، وقد ساعدت أحداث كثيرة في تنامي هذا المدّ الإسلامي العظيم، نحو الأصالة والجذور العريقة؛ منها ضياع فلسطين بيد اليهود، ووقوع المسجد الأقصى المبارك؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، تحت الاحتلال، وذلك في ظلّ الدول التي تتغنى بالقومية العربية والوطنية.
ثم كانت حرب الخليج، وانكشفت القيادات والدول في العالم الإسلامي على حقيقتها، وسقطت آخر ورقة توتٍ تغطّي بها عورتها، فكانت الضربة القاضية المميتة لأفكار القومية والوطنية، وفي نفس الوقت الضربة القاضية لسياسات الاستعمار السياسي في بلاد المسلمين، ولأفكاره الكاذبة الملفّقة؛ مثل الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطيات المزيفة !!
أما الأمر الثالث في تنبه مشاعر الأمة وعقولها، والتفافها حول دينها فهو الحرب الهابطة التي قادتها أمريكا، ودول أوروبا، وما زالت تقودها ضد الإسلام بطريقة مباشرةٍ وغير مباشرة تحت اسم (الحرب على الإرهاب)
فهذه كانت القشة التي قصمت سياسات الغرب، وأكاذيبه في بلاد المسلمين، وأصبحت الأمة جميعاً بكافة أطيافها – باستثناء عملاء الحكام ومن والاهم – تتخذ من الفكر الغربي وسياساته عدواً لدوداً لها، وزاد في هذا العداء والنبذ ما حصل مع الفكر الغربي من انتكاسة فكرية كبيرة؛ تمثلت في الأزمات المالية، والأخلاقية والاجتماعية وأظهرتها في الآونة الأخيرة الإحصائيات الرهيبة في بلاد الغرب؛ كالشركات المنهارة ومستويات الفقر والغنى، والجرائم المتعددة المتجددة، والأمراض الفتاكة؛ مثل الإيدز وغير ذلك!! ...
والحقيقة -التي باتت تظهر كالشمس في رابعة النهار- هي أن الأمة تريد دينها، وترفض الحكام، وكل مظاهر الاستعمار السياسي والعسكري في بلاد المسلمين، وترفض الفكر الغربي جملةً وتفصيلاً، وأما بعض الأفكار التي تنادي بها، وتدعو إلى تحقيقها في أرض الواقع؛ كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان فإنها - أي الأمة- تريدها على اعتبار أنها لا تخالف الإسلام ولا تناقضه؛ ففكرة الديمقراطية مثلا تريدها على أنها تعني اختيارها لحاكمها عن طريق الانتخاب، وليس على اعتبار أنها تعني التشريع بدلا من الله، وهي ترفضها بهذا المعنى ، وكذلك الحريات تريدها على اعتبار أنها تعطيها حقوقها المسلوبة وتجعل لها الإرادة في التصرف بأملاكها، وفي حياتها بعد الكبت الرهيب الذي مارسه عليها الحكام المجرمون، ولا تريد الشعوب المسلمة الحرية بمعنى إباحة الزنا وإباحة اللباس الفاضح وغير ذلك!!...
انه لم يعد أمام الأمة إلا حصن واحد فقط حتى تصل إلى هدفها، هذا الحصن هو الجيوش المضلّلة التي يتحصّن بها عملاء الاستعمار من الحكام، وقد بدأ هذا الحصن أيضاً يتصدّع شيئاً فشيئاً، لأن الجيوش هي جزء من الأمة، ويجري عليها ما يجري على الأمة، ولن يطول المقام طويلاً بهذه العروش المهترئة العفنة، حتى تنقَضّ عليها هذه القوى العسكرية في بلاد المسلمين، لتسقطها أرضاً، وتتحول هذه الثورة العارمة في بلاد المسلمين إلى ثورات مساندة، والتفاف حول الجيوش والقيادات المخلصة الجديدة لحمايتها من قوى الاستعمار ومكره وشرّه ..
فالمسألة لم تعد سوى مسألة وقت لاختراق هذا الجدار (الحصن) الأخير المتترّس خلفه حفنة من العملاء السياسيين، دون أية قناعة للأمة بهم ولا بأفكارهم، وإذا تم الاختراق في أية دولة من الدول في بلاد المسلمين، فإنه سيحدث زلزال مدوٍّ يطيح بكل العروش القائمة في العالم الإسلامي، وستنتقل شرارة الانقلاب إلى كل البلاد واحداً تلو الآخر؛ تماماً كما انتقلت شرارة الثورة في بلاد المسلمين، لأن الظرف مهيأٌ لهذا الأمر، والجيوش تعرف الحقيقة، وتعيها تماماً كما يعيها الناس في كل البلاد ...
إن المستقبل القريب سيشهد عودة الإسلام في ظل دولة الإسلام بإذن الله، ليفرح المسلمون بنصر الله، وليحملوا أمانة هذا الدين إلى كل البشرية، ليكونوا شهداء على الناس كما أراد لهم ربهم جل جلاله بقوله: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس .... }