الرأسمالية والعبث بالبشرية (تجارة الأجنة)
إبراهيم الشريف
أورد راديو "سوا" الثلاثاء 25 كانون الثاني / يناير 2011خبرًا بعنوان : بريطانيا تبحث عن سبل زيادة التبرع بالبويضات والسائل المنوي يبحثون فيه إمكانية تقاضي من "يتبرعون" بالحيوانات المنوية أو البويضات تعويضًا ماليًا.
حقاً إن الرأسمالية المقرفة تُسقط كنظام أية قيمة من حساباتها غير القيمة المادية، مخالفة بذلك الفطرة البشرية التي فطر الله سبحانه وتعالى الناس عليها، فجردت الناس من القيم وأحالتهم إلى آلات لا تفكر إلا في المادة، فهي تعتبر أن ما يحقق الربح يعتبر نافعًا اقتصاديًا ولو كان ضارًا ومدمرًا في حقيقته أو كان تعديًا على الكرامة الإنسانية ..فالمهم هو الربح، وأما منعهم لتجارة المخدرات مثلاً فليس إلا لأنهم رأوا أن ذلك يضر بالاقتصاد وليس لأنه يضر بالإنسان.
وحيث أن تجارة البشر- الأجنة والأحياء والأموات- تمدهم بالأرباح فإنهم لا يتوانون ولو للحظة واحدة عن إقامة الشركات الكبيرة لحصد الأرباح بأي شكل كان، بغض النظر عن القيم الإنسانية والخلقية والدينية، ومن آخر إفسادهم في البشرية إنشاء بنك للحيوانات المنوية والبويضات حيث تُعرض للبيع لمن يريد ولمن تريد، وهناك نطف للمشاهير والعباقرة بأسعار خاصة حتى تختار النساء منها ما تريد وتحدد شكل الجنين كما تريد، فتذهب لتشتري هذه النطف كما تشتري الفستان تمامًا، أو عن طريق شبكة المعلومات العالمية (الانترنت) حينها يكفي المرأة أن تجلس في منزلها وتستعرض صور الرجال أصحاب الحيوانات المنوية ثم تقرأ السعر وتقرر من أي رجل تريد أن تتبضع!
وعندما نطق من يسمون أساتذة أخلاق الطب الحيوي قالوا: ("من المهم معرفة شكل وطول ولون الطفل الذي سيأتي نتيجة عن عملية التلقيح بالحيوانات المنوية المتبرع بها، وذلك لتحديد درجة ملائمة شكله في عائلته، كي يبدو شبيها بإخوته ووالديه ولا يبدو نافرا بينهم كأن يكون أبيض وسط عائلة سوداء.") هذا هو منتهى أخلاقهم.
وإذا أضفنا إلى ذلك مسألة تأجير الأرحام تكتمل الصورة التي ستنتقل إليها المجتمعات في ظل نظام قذر لا يعرف للإنسان قدرًا ولا يعرف للإنسانية قيمة، اللهم إذا كانت ستخدم قيمة مادية مثل "المنظمات الإنسانية" التي هي في حقيقتها منظمات تنصيرية أو استخبارية، تستغل فيها الحكومات الرأسمالية الأشخاص الذين تظهر عليهم الميول الإنسانية بشكل كبير لتخدع بهم المسلمين، وكمؤسسات حقوق الإنسان التي تستخدم لتبرير التدخل في شئون الدول.
وجولة سريعة في تقارير تصدر من الدول الرأسمالية نفسها نرى أن نسبة المواليد من غير زوجين مقترنين في بعض البلدان تجاوزت الـ50% ووصلت إلى 64%، هذا مع اعتبارهم أن الطفل المولود من غير أبيه أو غير أمه أو من غيرهما معًا (في حال شراء النطف) يعتبر عندهم شرعيًا..
إن التفكك الاجتماعي والانهيار الأخلاقي والقلق النفسي يظهر الآن على المجتمعات الغربية رغم تخفيها تحت قناعات الحداثة والتقدم و.. ، وإذا ترك المجال لهذه القذارة الرأسمالية أن تستفحل في الكرة الأرضية فإن الشقاء المحتوم سيكون مصير البشر.( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)
فهل هذا هو النموذج الذي يريدنا العلمانيون والمضبوعون بالرأسمالية أن نصبوا إليه، ساء ما يحكمون.
إن نظام الإسلام الرباني نظّم حياة البشر تنظيمًا معجزًا، وحفظ الكرامة الإنسانية وحفظ كرامة المرأة من أن تصبح سلعة أو مادة للدعاية أو إمتاع الساقطين على أنواعهم، وحفظ النسل ومنع اختلاطه كما يحصل مع الحيوانات أجلكم الله، ونظم العلاقة بين الرجل والمرأة لكل واجباته وحقوقه، وحدد طريقة معينة للارتباط بين الرجل والمرأة، و...
وكذلك بين ما يجوز اعتباره مادة تجارية وما لا يجوز، ولم يطلق الحرية للوحوش الرأسمالية الآدمية كي تتاجر بالأعراض وبالدماء والنسل حتى سمعنا أخيرًا عن مطاعم للأجنة!، وحرص على تحقيق القيم الإنسانية والخلقية والمادية والروحية في المجتمع كي يعيش في حالة توازن تؤدي به إلى الاستقرار والهناءة.
فنظام الإسلام هو الوحيد الذي يجب أن توجه إليه كل طاقة، نظام ربنا الذي قال: (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى)، بينما يجب أن يحارب كل نظام غيره مهما كان، حربًا فكرية لا هوادة فيها حيث لا هدنة ولا قواسم مشتركة.
إن على المسلمين أن يدركوا أن مهمة إنقاذ العالم مما يعانيه من ضنك وجور الرأسمالية ملقىً على عاتقهم فيغذوا السير نحو التغيير الحقيقي الجاد والرامي إلى اقتلاع أنظمة الطواغيت وإقامة الخلافة التي ستطبق الإسلام وتحمله إلى الأمم والشعوب الأخرى رسالة خير وهدى ورحمة.
( نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإِسلام )
25-1-2011.