هذا ما نطق به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه انس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره" الترمذي.
لقد حاولت قوى الكفر بكل ما أوتيت من قوة مادية ومعنوية وفكرية أن تطمس هذه الأمة، وتجعلها تحت الأرض لا حراك ولا حياة فيها، إلا أن هذه الأمة أبت إلا أن تقف وهامتها مرفوعة كالطود الشامخ لا تؤثر في شموخه وصلابته رياح ولا أعاصير !!
لقد ضلّلت هذه القوى الإجرامية الشيطانية المسلمين في بدايات القرن الماضي عندما جاءت بشخصيات عميلة مضللة، باسم القومية والوطنية؛ أمثال مصطفى كمال، وحسين بن علي، فقادت هذه الشخصيات الأمة – على حين غفلة منها – فهدمت إسلامها وخلافتها الحارس لهذا الإسلام العظيم !!..
ولم تكتف قوى الاستعمار المجرمة بهدم الخلافة وزوال الإسلام العملي من حياة المسلمين، بل أخذت تعمل على هدم الإسلام كفكر من عقول المسلمين؛ مرةً باتهامه بالرجعية والتخلف، وأنه هو سبب تأخر المسلمين علميا وصناعياً، ومرة بتقييد الحريات وتكبيل المرأة في حياتها الخاصة والعامة، ومرة بالاعتداء على حقوق الإنسان والوحشية والقسوة في تطبيق الحدود، وغير ذلك من أكاذيب وافتراءات ما أنزل الله بها من سلطان!!.. ثم غزت بلاده عسكرياً وجثمت على صدره كي تضمن مراقبة الأمة الإسلامية عن قرب، وترسم الخطط والأساليب الكفيلة بعدم عودتها مرة أخرى إلى الحراك.
إلا أن هذه الأمة الحية الكريمة أبت أن تظل مكبلة واهنة واهية أمام هذه القوى الظالمة المتغطرسة؛ الطامعة في بلادها، العاملة على تكبيلها، الهادمة لدينها ومبدئها، فما لبثت أن نهضت من كبوتها ووقفت على أقدامها تحارب هذا الاستعمار المجرم المفسد، ولما رأى الاستعمار أنه لا مناص من خروجه من أرض المسلمين خلّف مكانه عملاء صنعهم على عين بصيرة في بلاده، ونصبهم على رقاب المسلمين، على حين غفلة من الأمة وعدم وعي منها على هؤلاء العملاء، فقاموا بخدمته بإخلاص وكأنه مازال موجوداً في بلاد المسلمين!!.
لقد قام هؤلاء العملاء – بنفس الأسلوب الاستعماري – بقتل المخلصين من أبناء الأمة وسجنهم، والتنكيل بكل من يدعو للتحرر من الاستعمار السياسي والفكري، وعملوا بكل ما أوتوا من قوة لطمس الإسلام الصحيح من حياة المسلمين، وفتحوا البلاد للاستعمار يعيث فساداً في بلاد المسلمين في كل الميادين .. ولم يكتفوا بهذا التدمير والتخريب المبرمج بل إنهم عملوا مع ذلك على تجويع الناس وسلب لقمة عيشهم حتى من أفواه الجياع .. فأصبح أغلب أبناء المسلمين يعيشون في الفقر المدقع مع أن بلادهم هي بلاد الخيرات والثورات الكثيرة .. وأصبح قسم كبير منهم يسكنون في المقابر كما هو الحال في مصر، وقسم آخر يهاجر إلى بلاد الكفار طلباً لسبل العيش والعمل!! ..فكان حالهم كما قال الشاعر:
كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول!!
فهل ظلت الأمة غائبة عن الوعي، مضللة بأكاذيب هؤلاء الحكام ؟! وهل ظلت شعارات الوطنية والقومية والديمقراطية تنطلي على الناس؟!
الحقيقة أن الأمة لم تعدم المخلصين من أبنائها، ممن عرفوا كل هذه الأعيب وهذه الضلالات فأخذوا بتبصرة الأمة وتوعيتها على واقعها وحقيقة أمرها، وحقيقة حكامها المجرمين المفسدين !!..
لقد أثمرت هذه الدعوة العظيمة المخلصة في صفوف الأمة رغم كل الكيد والتضليل والتخريب لعقول الأمة وبلادها .. نعم لقد أثمرت هذه الدعوة الصادقة المخلصة وبدأت تؤتي ثمارها في بلاد المسلمين، وهذه الثمرة تمثلت في عدة نواحي منها :-
1- الرأي العام الكاسح لصالح الإسلام والمطالبة بعودة حكم الإسلام في كل بلاد المسلمين عرباً وعجماً.
2- الرأي العام الكاسح ضد قوى الاستعمار الغربي وضد عملائه من الحكام.
3- ظهور الجماعات المخلصة من حملة الإسلام والتفاف جماهير المسلمين حولها في كل العالم الإسلامي، وفي نفس الوقت نبذ الخرافات القوية والوطنية والاشتراكية وغيرها
4- الحركة العملية في الواقع للخلاص من أذناب الاستعمار سواء أكان ذلك في الاحتجاجات والإضرابات، أو الانتخابات أو حتى في بعض الأحيان العمل على إسقاط بعض الزعماء كما حصل مع شاه إيران، وما حصل في تونس قبل أيام بإسقاط عميل الغرب زين العابدين بن علي!!..والحقيقة أن ما جرى في تونس هو صورة عملية لما هو موجود في كل بلاد المسلمين لو أتيحت الفرصة للناس للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم بالشكل الصحيح وعدم قمع الجماهير الغاضبة ..
وفي الختام نقول :- إن عتمة الليل لا تقف حائلاً أمام بزوغ الفجر مهما اشتد سوادها وظلمتها، فلا بد من فجر صادق مشرق يتبعها .. وأن الريح المعاكسة للغيوم لا توقف تقدمها للأمام ومن ثم سقوط المطر.. وان كواسر الموج لا تستطيع صد هذا الموج عن متابعة تدفقه، مهما بلغ طولها ومهما بلغت قوة وسرعة واضعيها، فلا بد للموج أن يصل إلى الشاطئ ويبلغ مداه وغايته .. وإن الأمة اليوم هي في ساعات المخاض الأخير الذي يسبق الولادة الطبيعية بعد أن مرّ المولود بكل المراحل الطبيعية في بطن أمه (أمة الإسلام)، وما هذه الدماء الوردية الحمراء التي بدأت تظهر على جسم أمة الإسلام إلا علامات الميلاد الذي أوشك على البزوغ، لتعود لهذه الأمة عزتها ورفعتها وريادتها وكبرياؤها .. لتعود خير أمة أخرجت للناس كما أراد لها ربها جل جلاله، بقوله : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..... "، وكما أراد رسولها عليه السلام بقوله: " أمتي كالغيث لا يعرف أوله خير أم آخره "