لم يبق أحد من المسلمين إلا وفرح لإنجاز أهل تونس بإسقاطهم الطاغية بن علي الذي جوع المسلمين وأذلهم في تونس ونهب ثرواتهم، وملأ بلادهم بالمفسدين والعابثين، وحارب الإسلام وحملة دعوته بالحديد والنار، وملأ بهم السجون والزنازين، فكان طاغية بكل معنى الكلمة. وعلى الرغم من أنّ نصرهم كان طريقه مرصوفا بجماجم الأحرار في تونس إلا أنّ الكل يكاد يجمع بأنّ الغاية كانت تستحق ذلك أو أكثر، فهنيئا لأهل تونس وقفتهم الشجاعة وتضحياتهم النبيلة.
وهنيئا للمسلمين أن وُجد من بينهم كأهل تونس، كسروا حاجز الخوف وقدموا برهاناً للأمة بأنّها ليست عاجزة ولا ميتة، وضربوا نموذجاً حيا لقدرة الأمة على التغيير فيما إذا أرادت وعزمت أمرها.
ولعل هذا من أهم ثمارها الطيبة، رسالة للأمة المظلومة المقهورة، أنّ بإمكانها التغيير، وبيدها السلطان الحقيقي، فالبلاد بلادها، والجيش جيشها. وما تعويل الحكام في ظلمهم وتجبرهم بالمسلمين إلا على خوف الأمة منهم، وخشيتها من بطشهم، وإذا ما زال هذا الهاجس فلا أسهل من الإطاحة بالعروش المهترئة التي لا سند حقيقي لها، ولا سلطان.
وفي موضوع تونس، فإنّ العقبة الوحيدة التي قد تحول بين الناس وتحقيق غايتهم هو فقدان القيادة المخلصة، فالشعوب لا يمكن أن تقود، الشعوب تُقاد، والحركات والأحزاب هي في العادة التي تقوم بقيادة الناس.
وللأسف الشديد فإن أكثر الحركات والأحزاب الموجودة في تونس إنما يسيطر عليها الطمع في الكرسي، وغياب الوعي السياسي والإخلاص للأمة ولقضاياها. فإذا ما احتالت الأحزاب هناك على آهات المسلمين في تونس بزركشة الخطاب ودعم الغرب لها وعلى رأسه أمريكا وفرنسا وبريطانيا، فحينها ستنتهي الثورات العامة نهاية حزينة مظلمة.
فأكثر الحركات هناك إنما جل همها المكاسب، فها هي تطالب بالمشاركة في "الحكومة الوطنية" وتحذر من أن يتم استثناؤها من الحكومة المقبلة من أجل بناء دولة ديمقراطية، وكل ذلك دون أن يصيب أيٌ منها كبد الحقيقة وأس الداء.
فكيف للمسلمين أن ينهضوا، وكيف لهم أن يشعروا بالعدل والإحسان، وأن يتبدل حالهم إلى أحسن حال في ظل الديمقراطية المقيتة، والدستور العفن!!
أليست الديمقراطية التي تنادي بها الأحزاب والحركات هي عينها الديمقراطية التي تحملها أمريكا في غزوها للعراق وأفغانستان، أليست الديمقراطية هي التي أثمرت النزاع الطائفي والمحاصصة في لبنان والعراق، فهل أزدهر العراق أم نهض لبنان؟!.
فلا نهضة للمسلمين إلا بإسلامهم، ولا عدل ولا إحسان إلا بتطبيق شرع الله العظيم، لا بدساتير وقوانين البشر التي يقطر منها الظلم.
فالهاجس الحقيقي الآن في تونس أن يكتفي المسلمون بتغير الوجوه وبعض الشكليات، خاصة إذا ما نجح المجرم محمد الغنوشي في احتواء الأحزاب واسترضائهم بالفتات، في مقابل إبقاء تونس بدستورها الغربي العفن ترزح تحت ربقة الاستعمار الغربي الذي اتخذ البلاد مرتعا له ومسرحاً.
وهو ما يلزم أن تتضافر الجهود من أجل التحذير منه، أن تتضافر جهود المسلمين المخلصين في كل العالم من أجل تحذير أهل تونس الأشقاء من الوقوع في أحابيل الغرب وخططه للبلاد، تحذيرهم من كل رجالات النظام السابق وقادة المعارضة الذين احتضنتهم الدول الغربية لتنشئهم على عين بصيرة. تحذير أهل تونس من أن يرضوا بغير الإسلام بديلاً.
كما ينبغي على الأمة أن تستفيد مما حدث في تونس، بأنّ تدرك أولا وقبل كل شيء بأن بإمكانها التغيير إذا ما أرادت ذلك، بل وينبغي عليها أن تدرك بأن التغيير هو مسئوليتها وليس مسئولية غيرها، فالتغيير مهمتها التي يجب أن تضطلع بها وعلى أكمل وجه، وما ينقص الأمة لإحداث التغيير إلا أن تلتف حول المخلصين، حاملي راية التغيير، وذلك بعد أن تستجمع إرادتها.
كما ينبغي على الأمة أن تبرق رسالة سريعة إلى الحكام وإلى من يقف وراءهم من الدول الغربية بأنها أمة حية، ولم تمت كما حاول الحكام إيهامها. وأن تضمن الرسالة كل معاني الفخر والعزة بأنّ الأمة الإسلامية وإن طال سكوتها وساء حالها، إلا أنها باقية ببقاء الإسلام فيها، فالعقيدة الإسلامية التي نحتت لها مكاناً في قلوب المسلمين لا يمكن أن يتحول حاملها إلى جثة هامدة ما دام فيه عرق ينبض، وهذا هو سر قوة وصبر المسلمين اللذين تحطمت عليهما آمال الغرب وأحلامه في العراق وأفغانستان.
كما ينبغي على الأمة أن تبرق للجيوش رسالة تطالبها فيها بالانحياز إلى قضايا الأمة وتطلعاتها، فالجيوش يجب أن تعيد صياغة دورها في البلاد من حماية العروش إلى الإطاحة بها، وأن تعيد دراسة موازين القوى بشكل صحيح، فما حدث في تونس يكفي لأن تدرك الجيوش بأنه إذا ما تمكن أهل تونس العزل بأيديهم الفارغة من الإطاحة بالطاغية، فكيف بالجيوش وهي تملك ما تملك من القوة الحقيقية والتنظيم العالي والتدريب الكافي!!
وأنا بدوري أبرق رسالة إلى كل اليائسين من الأمة وقدرتها على التغيير، وإلى كل الحاقدين المغرضين المثبطين لهمم الأمة والعاملين، وإلى كل أولئك الذين يرون حلم الأمة باستعادة عزتها وسلطانها في ظل دولة الخلافة أمراً بعيداً، أبرق لهم رسالة أقول فيها: الأمة الإسلامية أمةٌ حية وها هم أبناؤها في تونس.