بسم الله الرحمن الرحيم
 
هكذا يكون العلماء أيها الشيخ ..ورثة الأنبياء لا سنداً للأشقياء
 
حمد طبيب- أبو المعتصم
 
هذا هو الأصل الشرعي الذي بينه الإسلام في سلوك العلماء وصفاتهم، وكل حياتهم الدنيا؛ أنهم هداة للخلق بالحق، وإنهم ترسٌ صلب في وجه الباطل؛ يتصدى له في كل مناسبة، ويكشف للأمة زيغه وزيفه وضلاله وإفكه، وأنهم القادة والسادة؛ يتصدرون الأمة في المهمات والملمات وكافة الأحوال ...كل ذلك امتثالاً لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء ... } وحديث المصطفى عليه السلام: "العلماء ورثة الأنبياء لم يورثوهم ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوهم علماً فمن اخذ به اخذ بحظ وافر.. "
لقد سلك هذا الطريق الرباني الهادي علماء كثرٌ في تاريخ هذه الأمة الوضاء، وأعطوا صورةً مشرقةً لهذا الدين العظيم، وهذه الأمة الكريمة، فسطروا بسيرتهم وسريرتهم أروع صور الصدق والإخلاص والالتزام بمنهج الأنبياء في حمل الرسالة والتضحية في سبيلها بالنفس والمال ...
 
فكان منهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله الذي آثر السياط والسجن على أن يقول في كتاب الله ما ليس من صفاته،.. وعندما جاءه البعض ممن أخذوا بالتقية اتقاء شرّ التعذيب وأهواله، قال لهم الإمام مقالةً ما زالت نوراً يُستضاء به لأهل الحق والثبات، قال لهم :( إذا كان العالم يقول تقية والجاهل يجهل ما يقول، فمتى يظهر الحق ؟!).
 
وهذا العز بن عبد السلام؛ عالم مصر في زمن المماليك، آثر الخروج من البلد على أن يداجي وينافق لملوك مصر من المماليك في حكمٍ قرّره رب العزة جل جلاله، وعندما رأى الناس فعل هذا العالم خرجوا خلفه بالآلاف يجوبون شوارع القاهرة!!..، عندها أدرك ملوك مصر أنه لا خيار أمامهم في الامتثال للحق ...
  
وهذا سيد قطب رحمه الله يمكث في السجن، ويحكم عليه بالإعدام، وقبل إعدامه يبعث له أذناب الحاكم بعض مشايخ الحاكم ليقولوا له: أكتب يا سيد قطب كلمة واحدة في هذه الصحيفة، تعلن فيها رضاك عن الحاكم، فيجيبهم قائلاً: (إن السبابة التي تشهد في اليوم والليلة خمس مرات أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لتأبى أن تكتب كلمة استخذاء لفاسق)!! ..
 
إنه ما يزال في الأمة اليوم رجالاً كأمثال هؤلاء السادة القادة، فالخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى تقوم الساعة، مصداقاً لقوله عليه السلام: " أمتي كالغيث لا يُعرف أوّله خير أم آخره " وهؤلاء الرجال كثر والحمد لله، ومنهم من يحمل مشعل الهداية بحزم وعزم لا يخشى في الله لومة لائم ..ومنهم من مكث أو ما زال يمكث في سجون الظالمين السنوات الطوال دون أن تلين له قناة، أو يعطي دنيةً في دينه ونفسه رغم تلك السنوات الطوال من السجون والقهر والتعذيب!!..، ومنهم من قضى في سبيل الله شهيداً فارتقى في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ...
 
ولكن وللأسف الشديد فمع هذا الخير والخيريّة في هذه الأمة الكريمة الطيبة يبقى شيء من زبدٍ فوق الماء، يتنكر لهذه الأمة وتاريخها ولدينها وطريقتها، ويأبى أن يسير مع الماء الزلال الصافي، ويرضى أن يكون دائما مع الخوالف!!..
 
فقبل أيام قليلة مضت يبرز علينا أحد مشايخ الفضائيات بشكل رتيب، ليبارك وصمة العار التي ألصقها الكفار زوراً وبهتاناً بدولة قطر، وسمّوها فوزاً وانتصاراً باهراً، خرج هذا الشيخ على الفضائيات في خطبة الجمعة كعادته ليقول : "..... إنه وعلى غير عادته فرح بهذا الانتصار بعد علمه بتصريح الرئيس الأمريكي عقب فوز (قطر) بتنظيم كاس العالم لعام 2022م حين ذكر (أوباما) أن اختيار دولة (قطر) كان اختيارا سيئاً....) ""خطبة الجمعة 27/ 12/ 1431هـ انظر موقع القرضاوي""
 
والسؤال الذي نسأله لهذا الشيخ: هل الأموال التي بأيدي حكام قطر أو أي بلد من بلاد المسلمين هي ملك لهم أم هي للأمة الإسلامية، وهل الأصل الشرعي أن تُنفق هذه الأموال على الكُرةِ وملحقاتها مما يخدُم الدول الكافرة، ويهدمُ الأمة وأبناءها، أم أن تنفق على الملايين من أبناء المسلمين لا يجدون كفافاً ولا سداداً من عيش؟؟!! هذا من جهة، ومن جهة أخرى ألا يعلم هذا الشيخ حجم البلاء الذي سيلحق بالمسلمين في دولة قطر نتيجة استضافة هؤلاء الكفار من أصحاب المنكرات والعادات السيئة القبيحة وهم بالملايين؟!، ألا يعلم هذا الشيخ أن دولة قطر ملزمة منذ الآن بتهيئة قطر لتكون على النسق الأوروبي في عاداتها وأعمالها ومؤسّساتها، فتهيئ دور البغاء والزنا لمن أحبّ أن يمارس الزنا من الضيوف، وتهيئ نوادي الخمر والقمار والرقص لمن أحب أن يرتاد مثل هذه النوادي، وتهيئ حتى نوادي اللواط للشاذين جنسياً من كلا الطرفين !!
 
كبرت مباركة تخرج على لسان هذا الشيخ إن يقول إلاّ ( مجانبةً للحقّ والاستقامة والصواب)، لا يليقُ بالعلماء ولا حتى بالمسلمين البسطاء، وليس غريباً على هذا الشيخ أن يقول ذلك وقد طالعنا قبل أيامٍ من مباركته لهذا المونديال على إحدى الفضائيات ليجيب أحد السائلين: ما رأيك أيها الشيخ إذا طولبت النساء بخلع الخمار داخل حرم الجامعة في بلاد الغرب؟؟، فيجيب بأنه لا بأس في ذلك ولا إثم عليها، ثم يسأل السائل فيقول: حتى ولو طولبت بارتداء لباس السباحة في نوادي الجامعة أو غير ذلك فيجيب: لا بأس في ذلك ""انظر الرابط""
 
وقد نسي هذا الشيخ أو تناسى الآيات الكريمة التي تأمر المرأة بارتداء الخمار أمام الأجانب حتى لو اضطرت للهجرة من ديار الكفار إلى بلاد المسلمين بدون محرم امتثالاً لأمره تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا 97 إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً 98 فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوًّا غَفُورًا 99 وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) 100/ النساء
 
وقوله:   (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) / الممتحنة10
 
لقد أصبح الدين عند هؤلاء المشايخ- ولا أقول العلماء، لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم أتقى الناس لله كما قرر رب العزة في كتابه: (..كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) 28/ فاطر ، وكما قرر الفقهاء المعتبرون أمثال الشاطبي رحمه الله في كتاب الموافقات، حيث قال : ولا يسمّى العالم عالماً حتى يعمل بعلمه ... "- لقد أصبح الدين عند هؤلاء تجارةً للدنيا بدل أن يكون تجارة الآخرة، والطريق إلى مرضاة الحكام وأسياد الحكام من الكفار، بدل أن يكون لمرضاة رب الأرباب جل جلاله!! ... من أجل المحافظة على منصب أو مال أو متاع زائل فانٍ لا يُغني عن الإنسان يوم القيامة شيئاً ..
 
وفي الختام فإني أنصح هذا الشيخ ومن هم على شاكلته فأقول : ألا تحبون أن تكونوا بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحوض ؟ ألا تحبون أن تكونوا بصحبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والصحابة الأبرار والشهداء؟!، ألا تحبون أن يرضى عنكم ربكم يوم القيامة فلا يسخط عليكم بعدها أبداً ؟! ألا تحبون أن تكونوا ورثة لسيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فاتقوا الله وقولوا قولاً سديداً امتثالاً لقوله تعالى : {.. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا }9/ النساء، 17، وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ 18 وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 19 لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ 20 لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) 21/ الحشر