تعلم يا أخي محمداً أن ما تعانيه أنت وإخوانك في سجون الظالمين ليس إلا ضريبةً مستحقةً على حملكم الدعوةَ وصدعكم بالحق، وسنةً ماضيةً فيمن حمل دعوة الحق من قبلكم، من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وحسُن أولئك رفيقاً. ولكن ما بالكم إن قلتُ لكم إنَّ من يعمل عملاً مثل عملكم لا بد أن يضع نصب عينيه أولاً: النجاة من عذاب النار، فكل إنسان مكتوب عليه أن يرِدَ النار (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا)، والآيات السابقات من سورة الصف تصف للمؤمنين طريقة للنجاة من عذاب أليم، فإذا تابع المسلم القراءة وجد أن تلك الطريقة هي أن تؤمن بالله ورسوله ثم تجاهد في سبيل الله بمالك ونفسك، تريد النجاة من عذاب أليم؟ تفضّل: أبذل نفسك ومالك.
فإذا صَدَقتَ النية، وأردت فعلاً النجاة من النار، وتقدّمت لتدفع الضريبة، وجدتَ أن المردود لا يقتصر على النجاة من النار، بل يتعدى ذلك إلى أمور ثلاثة:
الأمر الأول: غفران الذنوب، وأيُّ مردود أفضل من ذلك، أن تأتي يوم القيامة لا تحمل وزراً على ظهرك... فتكون أفضل حظاً ممن يحمل وزره ومِن أوزار غيره.
الأمر الثاني: دخول جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، ومساكنَ طيبةً في جنات عدن... ألا يكفي هذان الأمران؟ وهل من أمرٍ ثالثٍ يُضاف إليهما؟
نعم! وأخرى تُحبونها: نصرٌ من الله، وفتحٌ قريب، وبشِّر المؤمنين.
بُشراكم يا إخوتي، فالأجر المؤجل محفوظ بإذن الله، تستلمونه يوم تلقون الله... ولكنَّ جزءاً من الأجر آتٍ قبل ذلك، قريب، ما أقربه! ويعلم الله –ويخبرنا- أن هذا الجزء من الأجر حبيبٌ إلى نفوسنا، ما أحبّه! نصرٌ من الله، يُعَزُّ فيه أولياء الله، ويُذَلُّ فيه أعداؤه... وفتحٌ قريب، ترتفع به راية الإسلام، وتنتكس راية الكفر، ويُحكَمُ فيه بكتاب الله وسنة رسوله....
وبشرى إلى جميع العاملين المخلصين، يبذلون نفوسهم وأموالهم وأوقاتهم، ويعملون بأقصى طاقتهم، ويصبرون على الأذى والصدود والسجون والتعذيب... بشرى بأنَّ الله أعد لكم ثلاثاً: مغفرة، ومساكن طيبة، وأخرى تحبونها: نصرٌ من الله، وفتحٌ قريب....
أستودعكم الله يا أخي محمداً الحبيب أنت وإخوانك، وأسأله تعالى لكم الفرجَ العاجل، وللدعوة النصرَ القريب، وللأمة السؤددَ والتمكين، ولفلسطين الفتحَ المبين. اللهم آمين.