إن من ينظر في تاريخ هذه الأمة الكريمة الوضاء، يرى أنها كانت تعيش في مثل هذه الأيام الفضيلة من هذا الشهر المبارك؛ شهر رمضان الخير، تعيش أجواء النصر والفتوحات والاحتفالات العظيمة بهذه الفتوحات؛
ففي مثل هذه الأيام من هذا الشهر المبارك كانت معركة (الفرقان)؛ معركة بدر الكبرى، وكان الفتح الأعظم (فتح مكة المكرمة)، وتحطيم أصناف الشرك من داخل الكعبة الشريفة، وكانت معركة (عين جالوت) العظيمة؛ حيث كسر فيها المسلمون شوكة المغول بعد أن عاثوا في بلاد المسلمين فساداً وإفساداً، وكان (فتح الأندلس)؛ البلد العظيم الذي حمل مشعل العلم والنور سنوات طويلة، وكان فتح (عمورية)؛ هذا الحصن الحصين من قلاع الروم، وذلك عندما صاحت امرأة مسلمة من مدينة (زبطرة) على حدود الروم (وامعتصماه ) واإسلاماه!! .. نتيجة شعورها بالإهانة على أيدي علوج الروم، فما كان من المعتصم بالله العباسي إلا أن جهز جيشاً جراراً أوله عند حدود الروم وآخره في بغداد انتصاراً لكرامة ومشاعر هذه المرأة المسلمة،
وقد مدح الشاعر أبو تمام هذا الفعل العظيم من هذا الخليفة الغيور على المسلمين وأعراضهم قائلاً :
هذا هو ماضي الأمة المجيد في ظل حكم الإسلام، وخلفاء المسلمين الأتقياء الأغيار!!.. فماذا عن حال المسلمين اليوم في ظل غياب حكم الإسلام (خلافة الإسلام) وحكم هؤلاء الرويبضات الفساق الأشرار ؟!
إن حال الأمة الإسلامية الكريمة؛- أمة الخيرية-، يبكي عليه الحجر والشجر والطير وحتى البهائم العجماء !!.. إن حال خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض يُرثى له من شدة الأهوال والمصائب التي تنتابها ..
ففي هذه الأيام الفضيلة- أيام العشر الأواخر من رمضان- ينتاب الأمة مصائب يعجز اللسان عن وصفها فوق ما هي فيه من ضعف وذل وهوان وتردٍّ وتفرّقٍ في ظل غياب حكم الله؛ حيث تُسفك دماؤها، وتسيل رخيصة على وجه الأرض دون حسيب ولا رقيب ولا رادع، ولا قصاص،وذلك كما جرى على أيدي المخابرات الأمريكية والباكستانية في تفجيرات لاهور بالأمس؛ حيث سالت الدماء الزكية الطاهرة، وصاحت النساء الثكلى واإسلاماه وامعتصماه لكن صوتها ذهب صدىً بلا مجيب، وفي منطقة وادي سوات سالت الدماء الزكية الطاهرة، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ الآمنون في بيوتهم، وذلك قبل يومين من هذه الأيام الفضيلة بواسطة طائرات أمريكا وحليفتها حكومة باكستان المجرمة العميلة!!...، وفي سائر أرض باكستان ملايين من الناس المسلمين يهيمون على وجوههم في هذا الشهر الفضيل دون ماء ولا مأوىً يستر عورات النساء الحرائر من بنات المسلمين، ويصيحون بأعلى أصواتهم مستغيثين ومستنجدين أمة الإسلام، ولا مجيب ولا مغيث، وبدل أن تلبي حكومتهم استغاثاتهم تتآمر عليهم بالقتل والدمار والخراب وإزهاق الأنفس الزكية الطاهرة !!
وفي أرض (العراق والصومال وأفغانستان وجمهوريات المسلمين في الاتحاد السوفيتي السابق) يستحّرُ القتل بالعشرات والمئات من أبناء المسلمين في كل يوم على أيدي المجرمين الأمريكان وأعوانهم من حكام، ويوضع الآلاف من خيرة أبناء هذه الأمة، من المؤمنين المخلصين العاملين لإعادة عزة الأمة وكرامتها ودولتها (دولة الإسلام) يوضعون في سجون متلاصقة، ويحكمون بأحكام عالية ويسامون سوء العذاب، ويقتلون على أيدي جلاوزة الظلم والإشراك!!..
وفي أرض الرباط- أرض بيت المقدس- الأرض المباركة يوضع أكثر من عشرة آلاف من السجناء داخل القيد، ويسامون سوء العذاب، وفيهم الأطفال والنساء، ويُضيّق على الناس في حِلّهم وترحالهم، وحتى في أداء عباداتهم لله تعالى؛ حيث يُحرم اكثر الناس من الوصول إلى المسجد الأقصى المبارك؛ -أولى القبلتين وثالث المسجدين ممن تشد إليها الرحال-، ويسام الناس في هذه الديار الطيبة من الأرض المباركة سوء العذاب على أيدي أشد الناس عداوة لأمة الإسلام ( اليهود )!! .
في ظل هذه الأجواء البائسة الصعبة تتعالى الأصوات من المخلصين من أبناء هذه الأمة الطاهرة، هذه الأمة الكريمة الطيبة: أما لهذا الليل من آخر؟ ... أما لهذه الشدة من فرج قريب؟ .. أما لهذا الذل والهوان من خليفة يهتز وينتفض للأعراض والدماء كما انتفض (هارون الرشيد والمعتصم بالله العباسي) استجابة لأحكام الدين وأعراض وكرامة المسلمين؟؟..
إننا نقول رغم شدة المصاب وهوله وقسوته: إن وعد الله لآت قريب ... وإن زوال هذا الظلم قد أشرف على الظهور والبزوغ بفجر مشرق وضاء .. وإن قرب الفرج من الله العلي العظيم قد أوشك على الخروج من هذه الشدة والكربات والأهوال .. فالله سبحانه وتعالى يقول:{ فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا }، والرسول عليه السلام يقول في تفسير هذه الآية : لا يغلب عسر واحد يسرين !!
ويقول الحق تعالى أيضاً : { حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين }؛ أي حتى بلغ الحال حد انقطاع الأمل من نصرة الأقوام وإيمانهم جاء الفرج من الله تعالى !! ..
فهذه الأهوال والشدائد والكربات هي إشارات حمراء وتحذيرات، وضرب وقرع لرؤوس الأمة من الله تعالى كي تلتفت وتنتبه إلى طريق خلاصها، وهي في نفس الوقت كشفٌ لعمالة هؤلاء المجرمين من الحكام، وأيضاً تذكير للأمة الإسلامية بعداوة الكفار لها بوصفها أمة مسلمة يراد لها ما يراد على أيدي أمريكا ودول أوروبا وكيان يهود !! ..
يجب أن تدرك الأمة وحملة الدعوة على وجه الخصوص أن ما يجري – رغم شدته وقسوته – هو تهيئة ربانية لميلاد عظيم، وإن هذه الدماء التي تنزف من جسم الأمة ما هي إلا علامات المخاض الأخيرة قبل الميلاد، وسيخرج هذا المولود من رحم هذه الأمة الكريمة سليماً معافاً كاملاً، وسوف تحتضنه الأمة، وترضعه من دمائها حتى يقوى ويشتد عوده، لتعود في ظله خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض كما أراد لها ربها بقوله: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) 110/ آل عمران، وكما أراد رسولها بقوله: " أمتي كالغيث لا يعرف أوله خير أم آخره " وقوله : " أمتي كالشامة بين الأمم"!!..
نعم أيها الإخوة من حملة الدعوة وعامة المسلمين، إن ساعة الخير هي قاب قوسين أو أدنى، ولن يوقف بزوغها كل قوى الشر على وجه الأرض لأن الراعي والحامي هو الله تعالى ... وسنرى بإذنه تعالى عما قريب ميلاد دولة النور والهدى والخير لنحمل في ظلّها الإسلام، ونعيش في كنفها حياة خير وعزة وكرامة .. نحرر المسجد الأقصى المبارك وأرضه الطاهرة، وكل أرض مغتصبة في بلاد المسلمين، ونرفع راية الجهاد خفاقة فوق كل راية، ونحن نردد خلف خليفة المسلمين وأمير الجهاد : (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا)، ونعود في ظل هذه الدولة العلية الدولة الأولى في الأرض في كل شيء، ونفرح بالانتصارات تلو الانتصارات فيصدق فينا قوله تعالى : {.. وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ 4 بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ 5 وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ 6 - الروم}صدق الله العظيم
نسأله تعالى أن يهيئ أجواء النصر في هذه الأيام العشر، لتكون فاتحة خير وبركة على أمة الخير والبركة، وأن يعجّل لهذه الأمة بالنصر القريب المؤزر.. يا قيوم السماوات والأرض يا ذا العرش المجيد .. يا فعالاً لما تريد .. يا من أمرك بين الكاف والنون، وإذا أردت شيئاً فإنما تقول له كن فيكون .. يا رحمن يا رحيم .. يا رب العرش العظيم يا الله .. يا صاحب الأسماء الحسنى والصفات العليا .. يا ملك الملوك .. يا قادر يا مقتدر ... اللهم إليك نشكو قلة حيلتنا، وضعف قوتنا وهواننا على الناس ... اللهم إنه قد تجهمنا القريب والبعيد .. وضاقت علينا الدنيا إلا من الأمل بك يا ربنا وإلهنا العظيم .. اللهم إنك أنت الناصر المنتصر، وأنت القادر المقتدر ... وأنت الراعي لهذه الأمة ، والحافظ لهذا الدين العظيم .. اللهم اعز هذه الأمة الكريمة الطيبة بخليفة راشد في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة يرضى عنها ساكن الأرض وخالق السماوات والأرض..اللهم آمين آمين آمين ..نقولها في هذه الأيام الفضيلة بعدد أسمائك الحسنى وكلماتك التي لا تنتهي، وعدد خلقك العظيم، ونبتهل بها إليك يا الله بعيون باكية وأكفٍّ منتصبة مرتفعة ، وقلوب ضارعة لاهفة طامعة بعطفك ورحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين يا رب العالمين يا الله.. يا الله.. يا الله..