مقالات: مؤتمر حزب التحرير في فلسطين إذ يكشف الفضائيات ؟
التفاصيل
مؤتمر حزب التحرير في فلسطين إذ يكشف الفضائيات ؟
الدكتور ماهر الجعبري – عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
لأول مرة، منذ ما يسمونه الانقلاب أو الحسم العسكري، دفعت الأحداث السياسية، التي صنعها حزب التحرير في فلسطين من خلال فعالياته لإحياء ذكرى هدم الخلافة، طرفي السلطة المتناقضين لأن يجتمعا على شكل واحد وبلون واحد، وعلى أسلوب واحد، وعلى منطق واحد، بل جعلتهما صديقين في الموقف وهما يشتركان في قمع حزب التحرير والتصدي له. فأين يقف الإعلام وأين مراصد الفضائيات أمام هذا المشهد النادر ؟
لقد افتتح حزب التحرير-فلسطين مكتبه الإعلامي منذ عامين تقريبا، وانتقل من مرحلة التعتيم الإعلامي إلى مرحلة الاختراق الإعلامي، الذي لا يمكن لأي وسيلة إعلامية تسعى للحفاظ على مصداقية معقولة أمام الناس من تجاهل حضوره السياسي. وتفاوتت وسائل الإعلام في طبيعة ردّات أفعالها أمام تلك الانطلاقة، وفي كيفية التعاطي مع هذه النقلة.
اشتركت "وزارتا الداخلية" في الموقف ذاته!
اشترك شقا السلطة –العلماني والذي يرفع شعار الإسلام- في حمل الهراوات ضد شباب حزب ومؤيديه، في منعهم من التعبير عن مواقفهم السياسية في ذكرى هدم الخلافة، بل وفي صدهم عن القيام بواجبهم في العمل لعودة الخلافة، وهو واجب منوط أساسا بالمسلمين كأفراد في شقي السلطة، بغض النظر عن الشعارين المتناقضين المرفوعين.
تكفي لمحة واحدة من عدسة إعلامية لهذا المشهد الغريب لتجذب نحوه إعلام الأرض كله بقوة: ولأن تجعل هذه الأعمال في مقدمة نشراتها الإخبارية، إذ نحن أمام حزب سياسي دفع المتشاكسين أن يتّفقوا ضده دون أن يصطف مع أي منهما ! فهي قضية إعلامية من الطراز الأول !
وأمام هذا المشهد اندفع الخصمان، اللذان تناحرا حول قسمة وزارات السلطة ومقرّاتها الأمنية، وحول الحصص في أموال المانحين، إلى صنع "وحدة وطنية" بينهما، بعدما ظلا متناقضين في كل المواقف –حتى عندما قصفت غزة- وظلّا يقلّبان ملفات الحوار: فوق الطاولة وتحتها، وعبر وسطاء -من مكة إلى اليمن، ومن ثم من رئيس مخابرات مصر، إلى وفود "الشخصيات المستقلة" من أرباب الأموال في فلسطين، فلم يستطع أي منهم أن يوحّد أي موقف مشترك بينهما، حتى كانت مناسبة إحياء ذكرى هدم الخلافة.
توحدت الأجهزة الأمينة في الطرفين ضد فعاليات إحياء الخلافة، الدولة الوحيدة التي تحرر فلسطين على الحقيقية، وقمعت حزب التحرير، وحاصرت وسائل الإعلام وهددتها، حتى أدان منتدى الإعلاميين اقتحام تلفزيون وطن في رام الله من قبل الأجهزة الأمنية بالضفة الغربية لأن عدساته التقطت بعض مشاهد القمع، وحتى استنكرت بعض مؤسسات حقوق الإنسان قمع فعاليات حزب التحرير في غزة، ومنع الصحفيين من تغطية الحدث.
وخنس من خنس !
صمتت الكثير من وسائل الإعلام التي تتحرك أحيانا لتغطي تجمهر عشرات من الأطفال يحملون الشموع، أو عشرات من النساء يذرفون الدموع، أو عشرات من الناشطين هنا وهنالك يتململون لتأسيس حركة سياسية، كما فعلت البي بي سي مثلا قبل أشهر عندما غطت أعمال تحرك سياسي "جديد" تحت اسم "شباب ضد الاستيطان"، ربما جل القرّاء لم يسمعوا عن ذلك التجمع: استضافت البي بي سي متحدثا باسمهم، بينما لم تستطع عدسات مصوريها ولا آذان مراسليها سماع هتافات الألوف المؤلفة في فلسطين على مدار الأعوام السابقة وهي تطالب بالخلافة. هذا مثال واحد لتصوير مشهد أوّلي من مشاهد سطحية العديد من الفضائيات.
ومع ذلك، فلا عتاب لفضائية بريطانية، فهي فضائية لحكومة غربية تحارب وحدة الأمة، وهي التي تآمرت للقضاء على دولة الخلافة العثمانية، وهي التي حذّر رئيس وزرائها السابق من عودة الخلافة، فمن الطبيعي أن تعتم على كل خبر يعيد إلى ذاكرتها جيوش الخلافة وهي تجتاح أوروبا.
وبالطبع لا داعي لأن نتحدث عن السي إن إن وأخواتها، فأجنداتها واضحة جلية، وحتى تلك الفضائيات المستنسخة عنها، و"المعربة" تحت أسماء وشعارات عربية، بل ويجب أن أعترف في هذا المقام، أننا في المكتب الإعلامي لحزب التحرير نتلقى اتصالات من إعلاميين غربيين، ونرفض التواصل معهم. وهنا إشارة إلى الإعلاميين من أبناء الأمة أننا نُقبل عليهم إذ نُدبر عن غيرهم من الغربيين.
وتلحق بتلك النوعية غالبية فضائيات الحكومات، التي تخشى من ذكر اسم حزب التحرير لأنه يجلب لحكّامها الكوابيس والأحلام المرعبة، ولأنه يذكّر الأمة بأن هذه الحكومات يجب أن تحزم أمتعتها وترحل، قبل أن تقتحم عليها الأمة قصورها.
إذاً، ما الذي نتحدث عنه هنا ؟
إنها فضائيات "الممانعة"، وما يلحق بها من برامج لإعلاميين "ممانعين"! والفضائيات التي تتلون بلون إسلامي، من مثل فضائية القدس، وفضائية العالم، والمنار، والحوار، والأقصى، وكذلك فضائيات الرأي والرأي الآخر التي تدّعي أنها خرجت على عرف فضائيات الأنظمة من مثل الجزيرة والعربية، والفضائيات التي تبحث لها عن حضور في سماء فلسطين وبين مثقفيها، من خلال مجموعة برامج حوارية جديدة مثل فضائية فلسطين.
وما الذي نريد أن نقوله ونحن نعمل على مد جسور التواصل مع إعلاميي تلك الفضائيات ؟ وهل نغامر بفقدان كل أواصر التواصل إذا وجّهنا نقدا إعلاميا صريحا ؟
صحيح أن التعامل والتواصل مع الإعلاميين قد يكون أحيانا كالسير في حقل من الأشواك، ولا أقول من الألغام، لأن الإعلام في الغالب هو صاحب أجندة، أو لنقل –تخفيفا- حامل رسالة (بغض النظر عن مضمونها)، وحزب التحرير أمام مواقفه المبدئية والسياسية لا يجامل أحدا، هذا إن لم نستخدم تعبير أحد الإعلاميين: "ليس له صاحب!".
ومع ذلك، فإني أرى أن التعامل مع الإعلاميين هو ذو طعم خاص يتذوقه من يتقن فن التخاطب والتواصل، ومن لديه ثقة بما يحمل وبما يقول، ومن يدرك أن الإعلامي مهما علا في الشهرة هو إنسان لديه أفكار وعواطف تتمازج في أعماقه لتصنع مواقفه وتنعكس في تفاعله الإعلامي، وهو أب لديه أبناء يحب أن يبدو في أعينهم صاحب قضية لا مجرد موظف يتقاضى راتبا باهظا.
وفي هذا السياق لي تجربة تواصل ناجحة مع الإعلامي ناصر اللحام، الذي تتابعت نحوه رسائلي الناقدة -والمعترضة أحيانا- حتى نشر واحدة منها على وكالة معا (عَنْونَها من ماهر الجعبري إلى ناصر اللحام ...)، وسائلته مرارا: لماذا ولماذا ...؟ ثم ما كان منه إلى أن استضافني في برنامجه "بدون لف ودوران" على فضائية فلسطين، بعدما إذ يظن العارف بمضامين رسائلي أنني قد خسرته شخصيا، ولكني كنت متأكدا إن الإعلامي الجريء لا يتخذ موقفا سلبيا ممن يتشارك معه في جرأة الطرح.
طبعا ليست تلك تجربتي الوحيدة في سبر غور الإعلاميين، والتعرف على معدن إعلامي تختبره نار النقد فيلمع. وعلى غرار تلك التجربة أكتب مقالي الناقد هذا، وحرارته هي لاختبار معادن الإعلاميين ليلمعوا لا ليحترقوا، وتحترق فيها علاقتنا بهم.
لقد استضافتني سابقا كل من فضائية الجزيرة والحوار والقدس والأقصى وفلسطين لأعقب على مواقف حزب التحرير، وهي لقاءات نقدّرها، ونقدر من تواصل معنا لأجلها، ولقد نشر موقع العربية نت مجموعة من مقالاتي، ونشر موقع فضائية العالم بعضها، ونشرت الجزيرة نت بعض التقارير الإخبارية، وكل ذلك محل تقدير، وهو يعني أن هنالك بعض الانفتاح من بعض الوسائل، ولكنني لا أتحدث عن الحضور الشخصي في تلك الفضائيات أو على منابرها، بل أتحدث عن حضور حدث خاص بطعم خاص في المشهد الفلسطيني. وأتحدث عن تغطية أعمال سياسية متواصلة لا فرصة إعلامية عابرة، وأتساءل عن موضوعية في رؤية المشهد الفلسطيني من زاوية خارج قطبية فتح-حماس الممجوجة والمملة.
راسلناهم فكيف كان الرد ؟
لقد تواصلنا في المكتب الإعلامي مع الإعلاميين لتغطية أصداء مهرجان الحزب في غزة ومؤتمره في رام الله، تواصلت وتواصل أعضاء المكتب الإعلامي الآخرين مع العديد من الفضائيات، فماذا كانت النتيجة بعد معسول الكلام على الهاتف ؟ الجواب واضح لمن تابع الفضائيات، وهو يكشف إرادة غريبة في التستر على شيء ما !؟!
لقد وجّهت رسائل مكتوبة لمراسلين وأصحاب برامج في كل من فضائية الحوار والعالم والقدس، ووجهنا رسالة لفضائية الجزيرة، فكيف كان الرد ؟
شريط إخباري في قناة الحوار، وفضائية القدس، وتقرير مقتضب في فضائية الجزيرة لما جرى في رام الله، مع مغالطة –لا يمكن تصور صدورها عن إعلاميي الجزيرة- بأن مؤتمر الحزب "لإعلان الخلافة في فلسطين" !؟! علامات تعجب كثيرة ! وطبعا بعدما تجاوزت الجزيرة نقل مشاهد ما جرى في غزة مع أن مصوريها كانوا حاضرين وأعلمونا أنهم سيغطون الحدث، فما الذي حصل ؟ هل منعتهم سلطة غزة واستجابوا ؟ أم هي هي مرة أخرى "إرادة غريبة في التستر على شيء ما !"، مع بعض التنفيس لعدم انهيار شعار الرأي والرأي الآخر.
هل هكذا تكون التغطية الإعلامية في يوم تستنفر فيه الأجهزة الأمنية كل طاقتها وتعتقل ما يقرب من ألف شخص ؟ مجرد شريط إخباري أو خبر على استحياء !
وترد بعض الفضائيات على بعض الاتصالات، أما عن الرسائل المكتوبة، فيبدو أنهم لم يجدوا ردا، إلا ما كان من مدير قناة العالم في فلسطين، فمن حقه أن أذكر انه رد على رسالتي إيجابيا.
وتبقى التناقضات والتساؤلات بلا إجابة
اتصلت فضائية فلسطين بعضو في مكتبنا وقالت كاميراتنا جاهزة، وأعلنت الجزيرة مباشر عن زمن نقل البث الحي من رام الله، ثم سقط الإعلان دون إشارة وتنويه. كانت فضائية الأقصى تذكر أحيانا قمع سلطة رام الله خدمة للتنافس الفصائلي، فصمتت هذه المرة أمام المشهد، كما صمتت فضائية فلسطين أمام مشهد القمع في غزة. وبرنامج المشهد الفلسطيني على قناة الحوار لا يرى المشهد، وعين العربية لا ترى الألوان كاملة، أما المنار فلا تسمع بحزب التحرير ! وفضائية القدس تحاول –على تردد- الخروج من قمقم التعتيم على حزب التحرير، ولكنها محرجة بين غزة ورام الله!
إن الصحف ومواقع الإعلام الالكتروني التي تجاوزتكم تكشف صمتكم، وتكفي كبسة زر على محرك البحث جوجل حول حزب التحرير لبيان ذلك.
وهنا سؤال مفتوح أوجهه لكل تلك الفضائيات: أين كاميراتكم وأين مراسليكم ؟ أم هو إعلام فصائلي لمشهد فصائلي مموج ممل ليس فيه إلا أخبار المصالحة والمفاوضات !