بقلم المهندس باهر صالح/ عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في فلسطين
يبدو أنّ الاحتلال اليهودي قد اعتاد على حكام العرب والمسلمين وهم يدفعون عنه ضريبة احتلاله وأفعاله الآثمة تجاه فلسطين وأهلها، بل وتجاه المنطقة بأسرها. فما إن احتلت "إسرائيل" فلسطين وهجرت أهلها بعد أن قتلت من قتلت، وروعت من روعت، فلم تبق مجرماً يعتب عليها من قسوة أعمالها وسوء فعالها، حتى جاء رد حكام العرب والمسلمين بعد أن فروا بجيوشهم، رداً "مزلزلاً"، ولكن دون أن يعيدوا ترتيب الصفوف وتجهيز الجيوش ليعيدوا الكرة على يهود، وليثأروا لدماء من قُتلوا وابيضت أعينهم من الحزن على بلادهم وأحبائهم. لأنّ الرد جاء مزلزلاً لمعنويات الأمة وكبريائها حين سارعت الدول العربية بإيواء اللاجئين في بيوت شعرٍ، وخيمٍ، وتنكٍ، أوهمت أهلها بأنّ الأمر لن يمتد سوى ساعات أو أيام على أبعد تقدير، وسرعان ما يستردون بيوتهم التي هُجروا منها، وأرضهم التي طُردوا منها، وإذا هي سنين عجاف، بل عقود عجاف تمر عليهم دونما تغير، وأعفت بذلك (بتلك الخيم وبيوت التنك) يهود وأراحتهم من تبعات تهجيرهم لأهل فلسطين.
ودارت الأيام والسنون وبدأ كيان يهود يرتكب المجزرة تلو الأخرى، وفي كل مرة يتكفل الحكام بعلاج وإصلاح ما يفسده يهود، فيريحونهم من مشقة تجبير ما كُسر، وعناء حساب العواقب. وهذا ما حدث في جنوب لبنان صيف 2006 حينما حرقت "إسرائيل" الأخضر واليابس وطالت قنابلها بيروت، وحرثت الأرض حرثاً، ولم تتوقف إلا بعد أن أروت عطشها إلى الدماء. فما كان من الحكام بعدها إلا أن هرعوا، طبعاً ليس من أجل الانتقام أو رد الصاع بالصاع ولا نصيفه، بل من أجل ترميم ما أفسده يهود، وبناء ما دمرته دبابتهم وصواريخهم وطائراتهم.
ولما استهون يهود ضريبة جريمتهم، التي لم تتعدَ يوماً حبراً على ورقٍ في أروقة الأمم المتحدة، هان عليهم الأمر، فما أن مضت سنتان حتى أعادت "إسرائيل" الكرة وهذه المرة على غزة، فدمرت غزة، وقتلت أكثر من 1400 شهيد، و5000 جريح، وأورثت الناس هناك الفقر والمرض والجوع والعراء.
فما كان أيضا من حكام العرب والمسلمين إلا أن تنادوا لا إلى رص الصفوف وإعداد الجيوش، بل إلى مؤتمر إعادة إعمار غزة، ليتبرعوا بأموال تصلح ما يمكن إصلاحه مما أفسده يهود، وأنّى لهم أن يصلحوا ما أفسد يهود!!. وفوق ذلك عجزوا عن إيصال هذه الأموال إلى أهلها، وبقيت تبرعاتهم على ورق سيجار يتناقص من أطرافه كل حين.
وليس ببعيد عنا، مجزرة الأسطول، التي نالت فيها "إسرائيل" من هيبة دول تعتبر نفسها دولاً قوية ذات بأس شديد، فقتلت وسفكت دماء من أتوا ليتضامنوا مع المستضعفين، وليهونوا عليهم أسرهم في غزة، ففرح المسلمون وأهل فلسطين، ظانّين أنّ يهود قد ارتكبوا خطيئة العمر لأنّهم قد أصابوا تركيا والدول القوية، التي لن تسكت على ضيم، ولن ترضى الذل والهوان!. ولعل حكام العرب تثور فيهم الحمية فينضموا إلى تركيا ليثأروا للأيام الخوالي!!.
ولكن أنى ذلك، بل وكما في كل مرة، مسارعة إلى تجبير الكسور، وطبطبة الأحداث قبل أن تنفجر في وجه "إسرائيل".
فلم يكد الدم الذي أهريق يبرد حتى أعلن النظام الأردني بالبدء فوريا بالعمل على نقل جرحى أسطول الإغاثة، إلى الأردن وتوفير كل ما يلزمهم من علاج ورعاية. وكذلك النظام المصري الذي أمر بفتح معبر رفح إلى أجل غير مسمى، لإدخال المعونات الإنسانية والطبية اللازمة إلى قطاع غزة واستقبال الحالات الإنسانية والجرحى والمرضى التي تتطلب عبورها إلى الأراضي المصرية.
وحتى تركيا وهي التي كانت أكبر المتضررين، وتعرضت للإهانة والاستخفاف ومُسحت بكرامتها الأرض، بدلاً من أن ترسل الجيوش لتثأر لكرامتها ولمواطنيها، أرسلت طائرات حربية، لا لتقاتل أو لتغير أو لتقصف، بل لنقل القتلى والجرحى!.
وكأن لسان حال الحكام في كل مرة، لا عليكم يا حكام يهود، اقتلوا وشردوا من تشاءون، ومارسوا الإجرام كما تحبون، ونحن نجبر من ورائكم، ونريحكم حتى من دفع ضريبة فعلتكم!. وكأنّ حكام العرب والمسلمين "هدية السماء" ليهود.
ولعل في هذا تهيئة للأمة حتى إذا ما تبدل الحال، وجاء لقيادة الأمة من يرعى شئونها بحقها، وينتصر لها ولقضاياها، ويذود عن حياضها، ويطبق شرع ربها، تشبثوا به، ولم يفرطوا به حتى ولو بذلوا من أجل الحفاظ عليه المهج والأرواح، لا كما فرطت الأمة من قبل بخليفتها حينما هدم مصطفى كمال خلافتهم، ولم يقوموا إلا بأقل القليل لمقاومة المتآمرين، لظنهم أنّ الأحوال لن تتغير كثيراً أو تتبدل بهدم دولتهم وطرد خليفتهم!.
8/6/2010