صرح رئيس وزراء السلطة الفلسطينية بأن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، سيكون عبر إسكانهم في الجيوب التي تديرها سلطة الحكم الذاتي في الضفة الغربية المحتلة. بالرغم من أن هذا التصريح ينتهك حرمة الثوابت والخطوط الحمراء التي يدعي متزعمو الحركات الفلسطينية التزامهم بها، فان رد فعلهم كان خجولا باهتا لا يتعدى النفاق السياسي والدجل على أهل فلسطين.
أحد الردود جاء من متزعم قال فيه إن حق العودة هو حق شخصي للّاجئين الفلسطينيين، مشيرا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. وهذا يقودنا إلى تحليل ودراسة واقع البند الحادي عشر المتعلق باللاجئين من هذا القرار الدولي الخطير، الذي اعتبر التمسك به ثابتا وأصبح متغيرا، وكان لون خطه أحمر فأصبح رماديا ضبابيا عند البعض وبدون لون عند بعضهم الآخر.
البند الحادي عشر : ( الشق الخاص باللاجئين )
11) تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للّاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم، وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب، وفقا لمبادئ القانون الدولي والإنصاف، أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسئولة.
القرار يتحدث عن عودة اللاجئين للديار والممتلكات، ولا يقول "حق العودة"، وهذه العودة مشروطة بقبولهم العيش تحت حكم يهود، ولا يتحدث عن عودة شعب روع وأخرج وهجر من أرضه نتيجة أعمال الإرهاب والقتل التي نفذها يهود، مثل نسف المنازل، وإلقاء المتفجرات على تجمعات الناس، وتدمير القرى، والمجازر المخطط لها، والتي نفذتها العصابات الصهيونية التي نشأت في عهد الانتداب البريطاني، فقد دمرت هذه العصابات 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية وتجمعا في العام 1948، وشردت حوالي 780 ألف فلسطيني وحولتهم إلى لاجئين، ونفذت 62 مجزرة في الفترة الواقعة بين سنة 1937 وسنة 1948، أشهرها تفجير القنابل في سوق الخضار في حيفا، مما أدى إلى استشهاد 74 فلسطينيا وجرح 129، ومذبحة دير ياسين التي بلغ عدد شهدائها حوالي 256 شهيدا، ومجزرة الطنطورة ويقدر عدد شهدائها من 200 إلى 250 شهيدا، ومجزرة الدوايمة وعدد شهدائها 580 شهيدا، واقتاد اليهود من تبقى من قرية الطيرة جنوب حيفا وعددهم من 60 إلى 80 شخصا إلى حقل قمح محصود، وعندما طلبوا الماء بعد دخول الليل -حيث أنهم كانوا صائمين- أحضر الجنود البنزين وصبوه عليهم وأشعلوا النار فيهم وهم أحياء، وأخذوا يطلقون النار على من يهرب منهم.
إن قرار عودة اللاجئين على سوءه ومكر وجرم واضعيه، يتضمن بصراحة العودة إلى كل أملاكهم وديارهم التي أُخرجوا منها بعد 15 / 5 / 1948 ولكن السياسيين في فلسطين وبعض الدول العربية، تنازلوا عن هذه العودة بتحويلهم عودة اللاجئين إلى حق العودة. ثم جعلوه حق العودة إلى دولة فلسطين في مشروع التقسيم، أو مناطق السلطة الفلسطينية .
وهذا الطرح من قبل بعض المتزعمين لأهل فلسطين، من إيجاد حل يقوم على عودة اللاجئين إلى مناطق السلطة الفلسطينية، بدلاً من العودة إلى فلسطين، هي أفكار ومشاريع مشبوهة، تصب في بوتقة تصفية قضية فلسطين وتثبيت كيان يهود .
الخلاصة :
شكّل اقتلاع أكثر من نصف أهل فلسطين، وابتلاع أرضهم أساساً لقضية فلسطين، وعليه فإن عودة اللاجئين من أهل فلسطين كان وما زال وسيبقى أمرا جوهريا في هذه القضية، رغم كل التحريف والتضليل الذي مورس في هذا الموضوع.
ليس هناك شيء مقدس في القرار 194 الذي تم التصويت عليه، وتمريره من الدول الغربية وحلفائها في 11/12/ 1948، في أعقاب النكبة بأشهر، ليثبت مكاسب الحركة الصهيونية على الأرض ويطرح فكرة الوساطة الدولية والتفاوض على حل سلمي، وإقامة علاقات بين الأطراف، وتدويل القدس، والعودة على أساس إنساني لمن يريد أن يعيش بسلام مع جيرانه، أي تحت السيادة (الإسرائيلية) كجزرة لقبول جوهر القرار.
بالرغم من أن القرار 194يتحدث عن عودة اللاجئين تحت السيادة (الإسرائيلية) فإن دولة يهود لم تلتزم بالقرار.
إن قرار العودة لا ينبثق أصلاً من سفاهة الشرعية الدولية أو الشرعية الرسمية العربية، بل من الحق الإسلامي بأرض فلسطين، فالشرعية الدولية لم تقم يوماً إلا لتثبيت المكاسب الصهيونية على الأرض ، ولم يصدر قرار دولي يوماً بصدد القضية الفلسطينية إلا ليخدم الحركة الصهيونية، ولا يختلف عن ذلك القرار194.
العودة –إن جاز استعمال التسمية- تعني عودة فلسطين إلى ديار الاسلام، كما كانت منذ فتحها الصحابة الكرام، رضي الله عنهم أجمعين، حيث أصبح حكمها منذ ذلك الوقت أنها أرض خراجية، رقبتها ملك لبيت المال.
إن الأمة الإسلامية قادرة على فعل التحرير، فهي تملك ما لا يملكه العدو المحتل .
ويجب أن لا تنتظر الأمة الإسلامية ومنها أهل فلسطين أن تنقذهم دول العالم الغربي، أو الأمم المتحدة، لأنهم هم الذين عملوا على اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها، وأنهم كانوا ولا يزالون ضدهم .
يجب على الأمة الإسلامية ومنها أهل فلسطين الصابرين المحتسبين، الذين قدموا التضحيات الجسيمة، أن يعزموا على إرجاع الحق متوكلين على ربهم جل في علاه، وأن يظلوا مستندين إلى أمتهم الإسلامية العريقة، التي ستعيد مجدها قريبا بإذن الله عندما تطيح بالأنظمة الجاثمة على صدرها، وتقيم على أنقاضها دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة، والتي ستحرر بإذن الله فلسطين كل فلسطين، وكل بلاد المسلمين المحتلة، وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله .