لقد منّ الله تبارك وتعالى على أمة الإسلام بفكرٍ راسخ ثابتٍ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وجعل هذا الفكر أساس حياتها جميعاً في كل شؤونها، قال تعالى:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) 9/ الحجر، وقال:(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ 41 لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) 42/ فصلت.
وقد حاول الكفار قديماً، وما زالوا يحاولون حديثاً صرف هذه الأمة عن دينها، بكل الوسائل والسبل، وزادت هذه الحرب شدّة وشراسة، بعد تصدّر الإسلام لحلبة الصراع الفكري ضد المبدأ الرأسمالي الغربي، بعد انهيار المبدأ الاشتراكي، وبعد صعود الجماعات الإسلامية- في مقدمة الركب- للعمل نحو تغيير واقع المجتمعات في بلاد المسلمين، والعمل لانعتاقها من الفكر الرأسمالي الهابط، ومن السيطرة السياسية للدول الرأسمالية الغربية ..
لقد أدرك الغرب إدراكاً كاملاً، أنه لم يبق في الساحة من عدوّ، يهدّد وجودهم وهيمنتهم السياسية في بلاد المسلمين، إلا الجماعات الإسلامية؛ التي تنتهج منهج الإسلام السياسي، الداعي لتغيير بلاد المسلمين على أساس الإسلام، والعمل ضد الوجود الغربي، وقلع جذوره نهائيا منها، لذلك أخذوا يحاربون هذه الجماعات بكل السبل، وبكل ما أوتوا من قوة وقسوة وشدّة؛ كي يمنعوا هذه الجماعات من مواصلة أعمالها المؤثرة على وجودهم وكيانهم، وأخطر السبل التي انتهجها هؤلاء المجرمون -من الرأسماليين، ومن عملائهم من الحكام- هي تضليل المسلمين بتبنيّ نفس طريقة العمل المخلص، ولكن بطرق معوجة مضللّة !! ..
فعلى صعيد العمل السياسي أخذ الغرب بالعمل على إيجاد تنظيمات سياسيّة إسلامية عميلة، تتبنى طريق العمل السياسي، ولكن بطرقٍ معوجة منحرفة، وأوصل قسماً من هذه التنظيمات العميلة إلى الحكم في بعض البلاد؛ كما جرى في تركيا، وباكستان وإيران، وقد انخدعت قطاعات كبيرة من الشعوب في بلاد العالم الإسلامي بهذه التنظيمات المنحرفة العميلة، وما زالت منخدعة بها حتى يومنا هذا!!
والشيء الأخطر في هذا الأمر، هو تبني الغرب لفكرة الجهاد نفسها؛( التي تنتهجها بعض الجماعات للتغيير، أو لتحرير البلاد من الغاصب)، لمحاربة الجماعات الإسلاميّة العاملة ضمن هذا الطريق، وتشويه صورتها عند جماهير الناس في بلاد المسلمين، فعملَ الغرب على إيجاد تنظيمات وجماعات تتبنى العمل الجهادي، لكنها مرتبطةً مع الغرب في أهدافها وغاياتها، وطريقة سيرها، وتوجيهاتها السياسية غير المباشرة، وذلك لغرضين : الأول : تشويه صورة العمل الجهادي في نظر الناس، والثاني : تقديم وإبراز قسم من هذه الجماعات من أجل تمرير مشاريع سياسية، وضرب الجماعات المخلصة!!.
وقد نجح الغرب في هذه الأساليب المخادعة المضللة، نجاحاً منقطع النظير، وأكبر أمثلة على ذلك هو ما جرى في الجزائر؛ حيث قام العملاء من حكام الجزائر بإيعازٍ من أسيادهم الفرنسيين، بتأسيس جماعاتٍ سريّةٍ؛ تقوم بأعمال مادية ضد الحكومة، ولكن بطريقة مختلفة تماماً عن المسلمين المخلصين؛ حيث أن الحكومة قد سخّرت هؤلاء الناس في أعمالٍ إجرامية، تشوه صورة العمل الإسلامي، حتى تُوصلَ الناس إلى درجة يقولوا معها: لا نريد هذه الجماعات جميعاً!!، وكانت الحكومة هي نفسها تقوم ببعض هذه الجرائم، عن طريق قوات فرنسية، وقوات من داخل الجيش، وذلك بالقتل والتنكيل وقطع الرؤوس وحرق القرى!... إلى غير ذلك، باسم العمل المادي ضد الحكومة.
وفعلاً وصل الرأي العام في داخل الجزائر، إلى درجة رفضوا فيها معظم الجماعات؛ المخلصة منها، وغير المخلصة!!.. ثم وقف العمل المادي في الجزائر تماماً ونجحت الدول الاستعمارية في مهمتها التضليلية ..
ونفس الشيء حدث في مصر، عندما أخذت الحكومة المصرية بتشويه صورة العمل الإسلامي عن طريق جماعات سريّة تارةً، وعن طريق قواتِ الأمن تارة أخرى، واختلط الحابل بالنابل في مصر، حتى لم يعد بمقدور الشعب المصري، التمييز بين العمل المخلص وغير المخلص، وأثمر هذا الأمر في نهاية المطاف، إلى رفض الشارع المصري حتى للمخلصين من أبناء حركة الجهاد، وصار هناك رأيٌ عام ضد العمل المادي كله، مما دفع الجماعات الإسلامية لإعادة النظر والتراجع عن كامل أعمالها وحتى أفكارها بواقع مئة وثمانين درجة !!
وهذا الأمر من التضليل تتبناه الدول الكافرة اليوم، بصورة بارزة، في ثلاث مناطق ساخنة؛ في أفغانستان وفي العراق، وفي الصومال.
فمن ينظر إلى أفغانستان يرى هذه الأيام دعوات خبيثة، تصدر من بعض الجماعات المرتبطة بإيران، وفي نفس الوقت تجمع حولها بعض أبناء القبائل في عملٍ جهاديٍّ ضد أمريكا، ودول التحالف في أفغانستان، وهناك أيضاً جماعات أخرى تعمل بنفس الطريقة داخل قبائل البشتون، وتتهيأ للعمل السياسي الذي تُحضّر له أمريكا !! ..
وقد برزت خديعة أخرى لافتة للنظر في المدة الأخيرة، وهي ظهور كارازاي نفسه بلباس الرافض للوجود الأمريكي، الداعي لخروج جميع القوات الأجنبية من أفغانستان، وقد لاقت هذه الفكرة بعض القبول عند بعض قبائل البشتون، وربما تتطور في المستقبل إلى أعمال أخرى ضد أمريكا، ودول التحالف من أجل زيادة شعبية هذا العميل المجرم، وجعل بعض التنظيمات الجهادية العميلة، تلتف حوله؛ من تلك التي لها صلة مع الأمريكان! ..
أما في العراق؛ فإن ما تفعله الحكومة العميلة في العراق، بمساندة بعض التنظيمات "الجهادية" أمرٌ خطير جداً، حيث تقوم بعمليات تفجيرية مدمّرة، تزهق الأرواح الكثيرة، وبطريقة بشعة، ثم إلصاق ذلك ببعض التنظيمات الوهميّة، عن طريق اختلاق شخصية متنكرةٍ، عبر وسائل الإعلام تمثلُ رجلاً جهادياً، أو إلصاق ذلك بتنظيم القاعدة أو غير ذلك من أضاليل وأكاذيب مختلقة ..
لقد سُخّرت هذه الفكرة في العراق من أجل عدة أمور منها : 1- إنشاء رجال الصحْوات العميلة للأمريكان، بحجة محاربة مثل هذه الأعمال الإجرامية الشريرة . 2- تشويه صورة الجهاد الحقيقي ضد المحتل الأجنبي، وإثارة الناس ضدها عن طريق الجرائم البشعة. 3- إجبار الناس في العراق على الرضوخ للأمر الواقع، والتسليم بالمحتلّ وعملاء المحتل للخلاص من هذا الإجرام المنظّم .
وما هذه التفجيرات، التي حصلت في الفترة الأخيرة، بتاريخ 4-5/4/2010 إلا شاهدٌ حيٌ على إجرام حكومة المالكي، لدفع الناس للقبول بالأمر الواقع بالموافقة على تشكيل حكومة وفاق من كل الأحزاب السياسية الناجحة في الانتخابات، تحت مظلة الاحتلال الأمريكي، وبقيادته !!، وفعلاً برزت أصوات كثيرة في العراق تريد الخلاص من هذا الكابوس بأي ثمن سياسي !! ..
وما جرى وما زال يجري في الصومال هو نفس النهج ولكن بأساليب أخرى مبتكرة، حيث استطاعت أمريكا أن تستميل شيخ شريف رئيس حركة تحرير الصومال جناح جيبوتي بعد انقسام المحاكم الإسلامية على نفسها، والذي أصبح رئيساً للصومال، ورأت أنه هو الأقدر على مواجهة المجاهدين لأن له خلفية إسلامية، فشوهت صورة العمل الجهادي وأظهرت حكومة شيخ شريف لا تختلف كثيراً عن الحكومات السابقة، سوى أنها تلبس لباساً أكثر زينة وجمالاً.
وما يجري هذه الأيام أيضاً في باكستان، هو شاهد حيٌّ آخر على سعي الحكومة لإجبار الناس على حربِ ونبذِ وكراهيةِ العمل الجهادي، وذلك عن طريق أعمالٍ تشمئز منها قلوب المؤمنين، ويبرأ منها الإسلام وأهله، ثم إلصاقها بالقاعدة أو بشخصياتٍ وهميةٍ، تتبنى العمل الجهادي؛ كذباً وزوراً وبهتاناً، وقد نجحت باكستان من خلال هذه الأعمال الخسيسة في أمرين خطيرين؛ الأول: تحريض الجيش ضد المجاهدين عن طريق القيام بأعمال تدميريّةٍ ضد الجيش، باسم العمل الإسلامي الجهادي، والثاني: بث الكراهية في صفوف الناس لكافة العمل الإسلامي، والسعي بالتالي إلى العمل لتثبيت الحكومة المجرمة في إسلام أباد!!..
إن مثل هذه الأعمال الإجرامية التضليلية الشريرة، تحتاج من المسلمين بشكل عام في كل أقطار العالم الإسلامي، للوعي على أساليب الكفار، وفضحها بشكلٍ جريءٍ وواعٍ، وتنبيه الناس إلى الأمور التالية :
1- ربط هذه الفكرة الخبيثة بنظرة العقيدة لها وبمعالجات هذا الدين، وبالتاريخ الإسلامي على مر العصور؛ من حيث بيان حقيقة أعمال الكفار الخبيثة، وضعف قدرتهم على المواجهة الصحيحة في الميدان الفكري .فقد نزل في هذا الأمر قرآن يتلى إلى يوم القيامة في قصة مسجد الضرار؛
أما ربط ذلك بالتاريخ؛ فإن الاستعمار الغربي تبنىّ أعمالاً باسم الدين، في فترات من التاريخ، وباسم القومية والوطنية، وذلك من أجل السيطرة، وترسيخ أقدامه في بلاد المسلمين، وذلك كما جرى مع أتباع الحركة الوهابية في السعودية، وأتباع الحركة السنوسية في ليبيا، وما جرى كذلك مع معظم الحركات القومية، عندما قام الاستعمار بقطف ثمرة جهاد الناس، عن طريق الشخصيات المضللة، في ترسيخ استعماره السياسي لبلاد المسلمين .
2- توعية جماهير الأمة على بعض الشخصيات السياسية، والأحزاب التي تظهر بمظهر الدين، وتعقد المؤتمرات هنا وهناك، وتصدر الفتاوى لنبذ العنف والإرهاب، على اعتبار أن كل العمل الجهادي هو عنف وإرهاب، ومحاولة خلط الحابل بالنابل، كما جرى في مؤتمر الرياض الدولي، لمكافحة الإرهاب، والذي عقد في السعودية، خلال الفترة من 5-8/ 2/ 2005م، وبدعوة وتنظيم من المملكة العربية السعودية لهذا المؤتمر، وقد شارك في هذا المؤتمر أكثر من خمسين دولة،
وكما جرى أيضا في تركيا في مدينة ماردين، بتاريخ 27-28 آذار/مارس 2010م، تحت رعاية المركز العالمي للتجديد والترشيد، بالتعاون مع مؤسسة (كانوب) للاستشارات التي مقرها إنجلترا..وقد كان الهدف من المؤتمر تحريف "مفهوم الجهاد في الإسلام" تحت مسمىّ إعادة تفسير "فتوى الجهاد" التي أصدرها شيخ الإسلام ابن تيمية قبل نحو 700 عام...،
وفي حيدر آباد في الهند، شارك نحو ستة آلاف عالم مسلم، في اجتماع استمر يومين، وجاء الاجتماع بعد تعرض الهند لسلسلة من التفجيرات في 30/10/2008 في مقاطعة آسام الهندية، وعقد مؤتمر تحت اسم (الأمن الوطني)، في مدينة لاهور الباكستانية، لمكافحة الإرهاب، والعمليات التفجيرية، وحضره الكثير من العلماء في باكستان في 9/ ابريل 2009، وفي جانب الفتاوى، صدرت مئات الفتاوى الضالة بهذا الخصوص، عن ما يسمون بالعلماء؛ كتلك التي صدرت عن عالم الدين الباكستاني البارز محمد طاهر القادري في 2/ 3/2010 من 600 صفحة بثلاث لغات الأردية والعربية والإنجليزية، حيث اعتبر العمليات الاستشهادية انتحارا يكفر فاعلها!!
فمثل هذه الشخصيات المتحدثة باسم الدين، وبحجة درء الخطر عن الإسلام، وعن المسلمين، هي شخصيات مضللة، تصطاد في الماء العكر، وتخلط الحابل بالنابل، وتمنع أي عملٍ جهاديّ ضد المحتلين، بحجة الإرهاب، والمحافظة على أرواح الناس ومقدراتهم .
3- بث الوعي الفكري والسياسي في صفوف الأمة، ووضع إصبعها على مكمن الداء، وهو الاستعمار وعملاؤه في بلاد المسلمين، ووضع إصبعها كذلك على هذه الأعمال الإجرامية، وغاياتها وأهدافها في بلاد المسلمين، ووضع الشواهد للأمة من عقيدتها ومن تاريخها ومن الواقع الذي تعايشه !!
وبجانب هذا الوعي والتحذير، ووضع الإصبع على مكان الداء، تُرشد الأمة إلى طريقة خلاصها، من كل هذه الفتن والشرور، وذلك عن طريق خلع جذور الاستعمار وعملائه، من بلاد المسلمين، وتوحيد بلاد المسلمين على أساس الفكر الإسلامي الصافي النقي؛ وهو حكم الإسلام، على منهج القرآن والسنة ...
وفي الختام نقول : إن المهمة الكبرى الملقاة، على كاهل المخلصين من أبناء هذه الأمة هذه الأيام، هي تخليص الأمة من شرور الاستعمار، وأضاليله وأكاذيبه، وذلك عن طريق خلع كل أفكاره وأعوانه، وسياساته في بلاد المسلمين، وتعرية عملائه السياسيين، ومن يتبنّون العمل المادي لصالح قوى الاستعمار؛ مثل بعض الجماعات في الصومال، وبعض الأحزاب في أفغانستان وغيرهم ...ومسارعة العمل لقلب هذه الأنظمة الشيطانية، والعمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة التي تقي الأمة من كل هذه الشرور ..
نسأله تعالى أن يهيئ أسباب النصرة والنصر للأمة قريبا.. آمين يا رب العالمين